الثلاثاء 18 آذار 2025 23:11 م

حكايا الأسرى اللبنانيين.. أملٌ في قبضة الاحتلال!


* فرح سليمان

تحوّل ملف الأسرى اللبنانيين في سجون الإحتلال، إلى ورقة مساومة تُلقي بها تل أبيب على طاولة المفاوضات كلما احتاجت إلى تحقيق مكسب سياسي أو أمني، مستغلةً إياها لخدمة مصالحها، لتكشف الشهادات الحيّة تفاصيل الانتهاكات التي يتعرض لها الأسرى اللبنانيون في السجون الإسرائيلية، من التعذيب إلى العزل والحرمان، لمجرد مواجهتهم الاحتلال.

جحيم السجون الإسرائيلية

لم يكن التضامن مع أهل الجنوب جريمة، لكن في قاموس الاحتلال كل من يرفض الخضوع يصبح هدفاً للاعتقال.

إذ لم يكن أحمد شكر، ابن بلدة النبي شيت البقاعية، مدركاً أن وقوفه إلى جانب أهل الجنوب في يوم العودة سيفتح له أبواب الجحيم في سجون الاحتلال، ففي 26 كانون الثاني الماضي، وبينما كانت تتقدم وفوداً تضامنية وصلت إلى المناطق الحدودية، اعتقلته القوات الإسرائيلية مع آخرين في بلدة حولا، ليبدأ فصلٌ جديد من المعاناة.

يقول شكر: "نقلوني إلى زنزانة في سجن عوفر مع عشرة لبنانيين آخرين، ووُجّهت لي تهمة الانتماء إلى حزب الله".

في السجن، كانت الأخبار تصل إليهم عبر أسرى جدد، إذ يروي كيف وصل إليهم حسن أحمد عبد الحسين حمود، القادم من بلدة الطيبة، حاملاً معه أخباراً عن صفقة تبادل محتملة.

وتابع شكر: "حقّقوا معي بشكل متكرر، مارسوا ضدي ضغوطاً نفسية وجسدية. وفي 19 شباط، قيدونا داخل الزنزانة في مشهدٍ مرعب، لم يكن يُسمح لنا برؤية الأسرى الآخرين، لكننا تعرّفنا على بعضنا عبر الأصوات، من بين الأسماء الذين كانوا معي: وضاح يونس، محمد عبد الكريم جواد، حسن عقيل جواد، إبراهيم خليل، والقبطان عماد أمهز".

لكن الذكرى الأشد قسوة، بالنسبة له، كانت لحظات الرعب النفسي التي تعرض لها، إذ يقول: "لن أنسى تلك الليالي التي كنت أغفو فيها، ليوقظني صوت عبوة صوتية تُلقى في الزنزانة، يتبعها اقتحام مخيف لإثارة الرعب".

ورغم معاناته من ارتفاع ضغط الدم، حُرم شكر من الأدوية، لكنه يؤكد أن الألم النفسي كان أقسى من التعذيب الجسدي: "لن أخوض كثيراً في تفاصيل التعذيب، لأن هناك أسرى لبنانيين ما زالوا هناك، ولا أريد بث الرعب لدى عائلاتهم التي تنتظر أي خبر عنهم".

"حرموني شوف الضو"

حسين قطيش، الأسير الجريح الذي أصيب بطلق ناري في قدمه في 16 شباط الماضي، وجد نفسه في قبضة الاحتلال بينما كان جريحاً.

نُقل إلى مستشفى صفد قبل أن يتم احتجازه في سجن الرملة، حيث استمر أسره لـ25 يوماً، لكنها كانت كافية لتجربة كل أشكال القهر والحرمان.

قال قطيش: "قصتي تختلف عن بقية الأسرى، فأنا لم أُؤخذ مباشرة إلى السجن، بل إلى المستشفى، حيث بقيت مقيّد اليدين والرجلين طوال الوقت، ومعصوب العينين، رغم إصابتي البالغة".

كان التعذيب النفسي هو الأكثر إيلاماً، فقد مُنع من التواصل مع أهله، وتعرّض لاستفزازات وتهديدات مستمرة.
وأضاف: "في المرحلة الثانية، تم نقلي إلى الزنزانة حيث كان معي تسعة مصابين آخرين، فلسطينيين ولبنانيين، لم يكن لدينا أي رعاية طبية، فكنا نضمّد جراحنا بأيدينا".
كما كشف قطيش عن محاولات الاحتلال الضغط عليه نفسيًا لإجباره على الاعتراف، قائلاً: "أول تحدٍّ نفسي عندما ضغطوا عليّ: اعترف لنأخذك لعند ابنك".

وخلال 25 يومًا كنت ممنوعًا من إزالة العصبة عن عيني، عشت في ظلام تام، وأنا مصاب ومكبل، "كنت قاطع الأمل أن أخرج في وقتٍ قصير".

واستذكر لحظات دخوله إلى بلدة حولا: "نحنا دخلنا إلى بلدة حولا في 16 شباط، مشينا على الرمل، لكن كانت الفرحة كبيرة، الآن أجلس بين دمار حولا، لكنني مرتاح نفسيًا لأنني هنا، حولا تعني لنا الكثير، لدرجة أن أحد الصهاينة سألني: كيف تدخل وتعرض نفسك للخطر؟، فأجبته: أنا أعلم أني أدخل للموت، هذه بلدنا، وأكيد سندخل".

وأشار إلى أنهم كانوا يريدون إخراجه حتى لا يتكلفوا عليه عملية أخرى، لكن "لا أعلم ما حدث، فبعد ستة أيام أجروا لي عملية جديدة، وكانوا يحققون معي كل يوم في المستشفى، إلى أن وضعوني في زنزانة منفردة ونقلوني إلى سجن الرملة، وقالوا لي: "بدهم يفكوا عظامك".

وأكد قطيش أن الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين كانوا يتعاونون ويهتمون ببعضهم البعض رغم المعاناة، قائلاً: "نحن نشأنا على القضية الفلسطينية، وكل الأسرى كانوا يتمتعون بصبر وقوة لا توصف، كانوا فلسطينيين من حركة "حماس" ولبنانيين، كان هناك أسير لبناني اسمه علي ترحيني وكان مصابًا، فكنا نضمّد جراحنا لبعضنا البعض رغم الإصابات البالغة".

تظل قصص الأسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال شاهداً حيّاً على صمودهم أمام آلة القمع الإسرائيلية، ورمزاً للمقاومة الحيّة، فبين جدران الزنازين الباردة وقيود العزلة، تُكتب فصول من الألم والأمل، وفي كل لحظة صمت، يتحوّل القهر إلى قوة تقاوم الزمن، فهل ستظل قصص هؤلاء الأسرى بين جدران الزنازين، أم ستنجح إرادتهم في فتح الأفق نحو الحرية.

المصدر :الجريدة