حين شكّلت الحكومة الحالية، فوجئ اللبنانيون باستحداث 4 وزارات دولة لشؤون المرأة، شؤون النازحين، حقوق الانسان والتخطيط. وقد جاء استحداث هذه الوزارات، وإن بدافع "محاصصتي" بشكل اساسي، ليشكل نقطة تَمَيُّز للعهد الجديد لا سيما مع ايلاء حقوق الانسان أهمية ترجمت بالحقيبة الوزارية. ولكن، وفي ظلّ الحديث عن تحويل وزارة الدولة لشؤون حقوق الانسان الى وزارة دائمة لحقوق الانسان، اسئلة عدّة تطرح نفسها. هل من داع لمثل هذه الوزارة؟ أيّ دور سيوكل لها؟ هل كلفة تشكيلها ووضع هيكلية دائمة لها ستوازي فائدتها ومساهمتها في ارساء مفاهيم حقوق الانسان وتحسين تطبيقها؟ هل ستسهم في تنفيذ توصيات الهيئات الدولية المعنية بحقوق الانسان؟ وغيرها من الاسئلة.
يشير وزير الدولة لشؤون حقوق الانسان أيمن شقير، في كلمة القاها في "المؤتمر الوطني حول لبنان والالتزامات الدولية في مجال حقوق الانسان" الذي عقد بالأمس في السراي الحكومي بتنظيم الوزارة والمكتب الاقليمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الانسان، الى أن بين الاهداف التي حددتها وزارة الدولة الحالية لشؤون حقوق الانسان لنفسها، جعل الوزارة دائمة، لها هيكليتها وآلياتها.
وقد عُلم في هذا الاطار، ان دراسة لهيكلية هذه الوزارة الدائمة، تحضّرها شركة لبنانية تعمل على الصعيد العالمي في هذا الاطار، لجعلها وزارة فعّالة.
لكنّ البعض يرى في ارسائها وزارة دائمة "لزوم ما لا يلزم"، لا سيما وأن الدول التي استحدثتها عادت لتتخلّى عنها.
لذلك نرى ضرورة توضيح بعض النقاط وعرض تجارب أخرى للرأي العام اللبناني.
لا بدّ من آلية وطنية عامة أو هيكل وطني عام تناط به مهمة تنسيق واعداد التقارير للآليات الدولية والاقليمية لحقوق الانسان والتعاون معها. وتفضّل الجهات الدولية الّا تكون هذه الآلية موقتة. ولكن ليس من الضروري أن تكون هذه الآلية على هيئة وزارة دائمة، فالأمر يتعلّق أكثر بما تفضّله الدولة نفسها، علما ان تجارب لآليات مختلفة حصلت في بلدان اخرى منها من هو عربي، يمكن للدولة اللبنانية الاستفادة منها لاتخاذ القرار الانسب في شكل الآلية.
واذ ان لبنان جزء من الوطن العربي، واذ تتشابه الظروف الى حدّ ما والثقافات، سنعرض لتجارب دولتين عربيتين في ما يلي، يمكن الاستفادة منهما.
في المغرب مثلا، تطورت الآلية المعتمدة، بحسب ما يوضح مدير التنسيق والنهوض بحقوق الانسان عبد العزيز القراقي، من مصلحة تختصّ بشأن حقوق الانسان ملحقة بوزارة العدل الى وزارة لحقوق الانسان الى التخلّي بشكل نهائي عن الوزارة والاكتفاء بمجلس استشاري وصولا الى اعتماد ما يسمى "مندوبية وزارية لحقوق الانسان".
اذا المغرب تخلّى عن الوزارة المختصة بحقوق الانسان، والسبب اتضاح ان كل الوزارات في الدولة تعمل على جانب من جوانب حقوق الانسان (التعليم، الصحة...). وفي حين أن الوزارات مرتبطة بطبيعة الحال بالسياسة والانتخابات وهي تتغيّر مع تغيّر السياسة، وجد المغرب آلية جديدة لجعل المسألة الحقوقية مسألة تسمو على تغيّر السياسة وتقي العمل في مجال حقوق الانسان تبدّل الاولويات مع تبدّل الوزارات. هذه الآلية هي "المندوبية الوزارية لحقوق الانسان". علاقة المندوبية مباشرة مع رئيس الحكومة الّا ان التعيين يتم من جانب الملك. وبالتالي لا ضغوطات سياسية على عملها. أما فريق العمل فيتألّف من 50 موظفا محترفا.
الاردن، من جانبها، لم تختبر وزارة حقوق الانسان. لكن الملك الاردني استحدث منصبا رفيع المستوى، تكون علاقته مباشرة برئيس الوزراء، هو المنسق الحكومي لحقوق الانسان. د. باسل الطراونة، الذي يتبوّأ المنصب حاليا في الاردن، يشير الى ان فريق عمله يضمّ 109 اعضاء مرتبطين به مباشرة، يمثّلون مختلف الوزارات والمؤسسات.
وما تتميّز به التجربة الاردنية هو أن الآلية المعتمدة، والتي اثبتت فاعليتها، هي آلية غير مكلفة ماديا. اذ ان اعضاء الفريق هم اساسا موظفون في الوزارات والمؤسسات ولا يتقاضون اجرا للعمل في فريق التنسيق.
التجربتان غنيّتان بما قد يفيد التجربة اللبنانية. لا سيما أن الهاجس الابرز لدى اللبنانيين كان ولا يزال، الّا تكون الوزارات المستحدثة وزارات لزيادة النفقات على الدولة اللبنانية، وبالتالي من جيوب المواطنين، من دون فائدة تذكر.
يتميّز المجتمع اللبناني بشريحة واسعة من مناصري حقوق الانسان والناشطين في هذا المجال. ولكن ما يثير مخاوفهم من استحداث وزارة مع هيكلية كاملة لحقوق الانسان هو الكلفة الكبيرة والنفقات الباهظة الذي سيرتبها الأمر، في حين ان آليات متعددة يمكن اللجوء اليها كبديل اقلّ كلفة.
واذ نعي ان الدول المتقدمة التي الغت وزارات حقوق الانسان، هي دول لم يعد فيها الكثير من العمل في هذا المجال أو انها وجدت اليات افضل للحفاظ على هذه الحقوق، نجد أن في لبنان الكثير من العمل المترتب في هذا الاطار.
واذ قد تكون وزارة حقوق الانسان ممرا الزاميا لانتاجية أفضل على هذا الصعيد، لا بدّ لفريق العمل الذي يسعى لايجاد هيكلية لهكذا وزارة ان يتنبّه الى ضرورة "عصر النفقات"، حتى لا تتحول وزارة حقوق الانسان الى وزارة تتعدّى على جيوب المواطنين من خلال ميزانية كبيرة يقابلها انجازات متواضعة في هذا الاطار.