الاثنين 10 نيسان 2017 09:51 ص

"قوّات النخبة" في "فتح" تنفّذ معركة بالغة الدقّة ضد "مجموعة بدر" لإنقاذ عين الحلوة من الاختطاف


* هيثم زعيتر

لم تكن اشتباكات مخيّم عين الحلوة منذ يوم الجمعة، كسابقاتها، جولة جديدة من الجولات التي يشهدها المخيّم منذ فترة طويلة، بل إنّ استمرارها لثلاثة أيام، كان من أجل قطع دابر محاولات استمرار خطف المخيّم وتحويله ليحاكي تجارب إرهابية واستخدامه "صندوق بريد" ينفّذ "أجندات" خارجية.
فقد تجاوز اعتداء مجموعة الإسلامي، المتشدّد بلال بدر على "القوّة الفلسطينية المشتركة" كل الخطوط الحمر، التي وصلت بتشظياتها إلى خارج حدود المخيّم، وشلّت الحياة في مدينة صيدا والطريق من وإلى الجنوب.
الاشتباكات الدامية بين "مجموعة بدر" و"القوّة المشتركة" التي تركزت لاحقاً مع "قوّات الأمن الوطني الفلسطيني"، أسفرت عن سقوط 8 قتلى و40 جريحاً، بعدما استهدفت "مجموعة بدر" "القوّة" أثناء تنفيذها الانتشار بعد ظهر الجمعة، خلال مرورها في سوق الخضار، وسط المخيّم، باتجاه نقطة تمركزها الثالثة في مقر "الصاعقة" - سابقاً، على تخوم حيّ الطيري، حيث تواجد بدر، الذي كان قد هدّد "القوّة" بمنع تموضعها في تلك النقطة، وهو ما جرى رفضه من قِبل القيادة السياسية الفلسطينية.
لم يكن بدر وآخرون يتوقّعون تطوّر الأمور إلى ما وصلت إليه، بل كان يُتوقّع أنّ إطلاق النار الذي اعتاد عليه، وسقوط ضحايا وجرحى وأضرار، سينتهي بدعوات لوقف إطلاق النار، وسحب المسلّحين، وعودة الحياة إلى طبيعتها، وإنْ بقيت حذرة دون حلّ جذور الإشكالات.
لم تكن حسابات بدر دقيقة، حين وضع شروطاً بعدم السماح لـ"القوّة المشتركة" بالانتشار عند المدخل الفوقاني لسوق الخضار، ضارباً بعرض الحائط الاستجابة للإجماع الفلسطيني، وهو ما كان قد أبلغه إلى وسطاء، كان يلتقيهم قبل ساعات، بل لحظات من تنفيذ عناصره لأوامر بإطلاق النار على "القوّة".
المعركة الأخيرة أحرجت بعض القوى المؤيِّدة لتشكيل "القوّة المشتركة"، والمشارِكة فيها قبل انتشارها، خاصة مَنْ كان منها على تواصل سابق وتنسيق مع بدر، الذي كان يعتقد بأنّها ستؤازره، كما في السابق، وتشكّل له مظلة في معالجة الأمور.
لكن لم تنجح مراهنات البعض على وقف إطلاق النار قبل إزالة خصوصية المربع الأمني، الذي كان يُقيم فيه بين منطقة الطيري وحي الصحون وسوق الخضار.
وكان ردّ حركة "فتح" و"قوّات الأمن الوطني الفلسطيني" وعدد من الفصائل، باتخاذ خيار الحسم العسكري، بعدما رفض بدر تسليم مطلقي النار على "القوّة المشتركة".
وإنْ لم تشارك بالقتال بعض الفصائل والقوى، التي تشكّلت منها "القوّة المشتركة" بإمرة العقيد في حركة "فتح" بسّام السعد، إلا أنّها كانت مجمعة باستمرار لتأمين الغطاء السياسي لها، الذي تمَّ التوافق عليه لجهة دور "القوّة" ومهمتها، بوجود الجيش اللبناني والمكوّنات المشاركة فيها، وهي: "منظّمة التحرير الفلسطينية"، "تحالف القوى الفلسطينية"، "القوى الإسلامية" و"أنصار الله"، من أجل أنْ تنفّذ مهمّتها لمنع التوتير، وألا يتم فرض شروط عليها، سواء في تحديد أماكن تموضعها أو الضبّاط والعناصر فيها.

عملية جراحية دقيقة

فعند الخامسة من صباح الأمس، عنفت حدّة الاشتباكات التي استمرّت بضراوة إلى قرابة التاسعة صباحاً بمشاركة "قوّات النخبة" في "قوّات الأمن الوطني الفلسطيني" بمؤزارة "القوّة المشتركة" لتنفيذ المهمة، والتي جرت بعملية جراحية بالغة الدقة، نظراً إلى طبيعة المنطقة والزواريب والأزقة التي كان يتحصّن بها بدر ومجموعته.
ونجح أفراد "قوّات النخبة" في تطبيق ما تدرّبوا عليه قبل تخريجهم، حول التعامل مع حالات مشابهة تتطلّب دقة بالغة، بظروف جغرافية معقّدة، حيث تمّت السيطرة تباعاً حتى الوصول إلى المكان المحدّد لتمركز "القوّة المشتركة"، ثم "موقف بليبل" ومنه إلى حيّ الصحون، زاروب السمك، ومنزل بدر الجديد في البستان، قبل الوصول فجر أمس إلى منزل بدر في حيّ الطيري، الذي لاذ بالفرار منه إلى منطقة أخرى، حيث أُصيب مرافقه أبو حبيبة الأنصاري، وكذلك منزل عمر الناطور، الذي أُصيب أيضاً.
وقد استُخدمت في الاشتباكات العنيفة، مختلف أنواع الأسلحة الرشّاشة والمتوسّطة وقذائف الـ"آر.بي.جي." وقذائف الهاون والقنابل اليدوية، فضلاً عن القنص، حيث لوحظ استخدام أسلحة جديدة في هذه الاشتباكات التي سقطت فيها قذائف في مناطق متعدّدة من المخيّم، في محاولة من بدر لتوسيع رقعة الاشتباك، وهو ما أُفشِلَ، حيث كانت تُسمع أصداء القذائف والرشقات النارية بوضوح في أرجاء "عاصمة الجنوب" والجوار.
وأيضاً وصل رصاص القنص إلى خارج حدود المخيّم في مدينة صيدا وحارة صيدا، حيث لوحظ ارتفاع سُحُب دخانية جرّاء حرق إطارات مطاطية لحجب الرؤية عن القناصة.
وخلال الاشتباكات طُرِحَتْ سلسلة من الاقتراحات من بينها:
أن يتم وقف إطلاق النار، ويبقى بدر في منطقة الطيري، ويُسمح لـ"القوّة المشتركة" بالانتشار في مقر "الصاعقة" - سابقاً، على أنْ تقتصر المشاركة فيها على عناصر من "عصبة الأنصار الإسلامية"، حركة "حماس" و"أنصار الله"، ورفض تسليم أي شخص من مجموعته.
لكن رفضت حركة "فتح" ذلك، مؤكدّة ضرورة:
- تسليم مطلقي النار على "القوّة المشتركة".
- تسليم بلال بدر نفسه.
- إنتشار "القوّة المشتركة" في أي منطقة من المخيّم، دون عقبات، ودون خصوصية بين منطقة وأخرى.
وأمام إصرار بدر على رفض الطروحات ومحاولة البعض طرح مبادرات متعدّدة، أكد عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" والمشرف على الساحة في لبنان عزّام الأحمد وسفير دولة فلسطين لدى لبنان أشرف دبور وأمين سر حركة "فتح" وفصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان فتحي أبو العردات للمتصلين، التمسّك بثوابت الإجماع الفلسطيني، الذي يقضي بتسليم مَنْ اعتدى على "القوّة المشتركة" وأنّ الاضطرار إلى العملية الأمنية، هو لاجتثاث مَنْ يحاول توتير الأجواء في المخيّم بين الحين والآخر.
وعقدت القيادة السياسية للفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية صباح أمس، اجتماعاً لها في مقر الاتحادات والمنظّمات الشعبية الفلسطينية في مدينة صيدا، بمشاركة ممثّلين عن كافة الفصائل والقوى تمّ خلالها التأكيد على ضرورة تفكيك حالة بلال بدر الشاذّة، وتسليم الذين أطلقوا النار على "القوّة المشتركة" لحظة انتشارها في المخيّم إلى الجهات الأمنية اللبنانية المختصة.
وأمهل المجتمعون بدر ومجموعته تسليم أنفسهم للقوى المشتركة خلال مهلة 6 ساعات (انتهت مساء أمس) وإلا سيبقى مُطارداً باعتباره مطلوباً للقوة الفلسطينية المشتركة، وجاء في بيان:
1- أكد المجتمعون تمسّكهم بالوثيقة التي وقعت من قِبل كافة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية في لبنان في سفارة دولة فلسطين في العاصمة اللبنانية بيروت في 28/2/2017، والتي تضمّنت صيغة المبادىء العامة لتثبيت الأمن والإستقرار في مخيّم عين الحلوة، وإعتبارها أساساً لمعالجة الوضع في المخيّم.
2- أدان المجتمعون الإعتداء الآثم الذي أقدمت عليه مجموعة بلال بدر على القوّة الفلسطينية المشتركة في مخيّم عين الحلوة خلال عملية انتشارها وتموضعها في المخيّم من أجل القيام بواجبها ودورها في حفظ أمن المخيّم واستقراره، والذي أدّى إلى استشهاد أحد عناصر القوّة المشتركة الشهيد موسى الخربيطي، فضلاً عن جرح عدد آخر من عناصرها ومن المدنيين في المخيّم.
3- أكد المجتمعون على ضرورة تفكيك "حالة بلال بدر الشاذّة" وتسليم الذين أطلقوا النار على القوّة المشتركة لحظة إنتشارها في المخيّم إلى الجهات الأمنية اللبنانية المختصة، وعدم السماح بإنشاء أي مربّعات أمنية في مخيّم عين الحلوة، وتُعتبر القوّة الفلسطينية المشتركة هي الجهة الوحيدة المولجة للحفاظ على أمن المخيّم والتصدّي لكل العابثين بأمنه وأمن أهله.
4- أمهل المجتمعون بلال بدر ومجموعته لتسليم أنفسهم للقوّة الفلسطينية المشتركة خلال مدّة أقصاها اليوم الأحد 9/4/2017 الساعة السادسة (أمس)، وإلا سيبقى مُطارداً باعتباره مطلوباً للقوّة الفلسطينية المشتركة.
5- تُعتبر القيادة السياسية الفلسطينية في لبنان بحالة انعقاد دائم لمتابعة كافة مجريات الأحداث.
6- تتقدّم قيادة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في لبنان بخالص العزاء من ذوي الشهيد موسى الخربيطي ومن "حزب الشعب الفلسطيني"، وتتمنّى القيادة السياسية الفلسطينية الشفاء العاجل لكافة الجرحى والمصابين.
وإثر هذا الاجتماع، عُقِدَ اجتماع طارئ للقوى الإسلامية الفلسطينية، في قاعة مسجد النور في مخيّم عين الحلوة بمشاركة الناشطين الإسلاميين في "الشباب المسلم" هيثم الشعبي ورامي ورد، اللذين تبلّغا قرار القيادة السياسية الفلسطينية، ونقلاه إلى بدر، اللذين التقاهما في إحدى المناطق على تخوم منطقة الطيري، وكان ردّه الموافقة على انتشار "القوّة المشتركة" بكامل منطقة الطيري، وأنّ لا مانع لديه من مشاركة أي عنصر من الفصائل، رافضاً تسليم نفسه وجماعته، ومبدياً استعداده للانسحاب والتواري والاختفاء عن الأنظار، وعاد الموفدان وأبلغا القوى الإسلامية بالرد.
واللافت أنّ بدر، الذي أعلن موافقته على انتشار "القوّة المشتركة" ودون الاشتراط على انتماء أعضائها، وأطلق النار باتجاهها لمنعها من تنفيذ المهمة، أبدى عدم ممانعته على الانتشار، وهو السؤال الذي يُطرح: ماذا تغيّر بين الجمعة والآن حتى وافق على ما سبق ورفضه دون شروط، والذي لو تمَّ حينها لجنّب الأهالي والمخيّم الدمار الهائل؟ وهو ما يطرح جملة من الأسئلة التي بحاجة إلى إجابات، وبينها مَنْ يريد نهاية بدر قتلاً، وليس تسليماً لأي طرف، حتى لا يكشف المستور لجهة المموّلين والداعمين مادياً وسياسياً والجرائم التي ينفّذها في المخيّم بتعليمات منه، والبعض قد يكون إلى خارجه أيضاً.
لكن يبقى خيار تواري بدر عن الأنظار، مطروحاً من قبل بعض القوى، خاصة الإسلامية المقربة منه، لكن من يضمن عدم تكرار الكرة مجدداً؟
وليلاً، تواصلت الاشتباكات في المخيّم، في محيط منطقة الطيري والجوار، حيث كانت تُسمع أصوات أصداء الانفجارات إلى خارج المخيّم.
وكانت حدّة الاشتباكات أدّت إلى سقوط ضحايا وجرحى ومحاصرة أهالي في منازلها واحتراق محال ومنازل وسيارات وقطع خطوط التيار الكهربائي، وقد أُصيب الضابط في حركة "فتح" عامر علاء الدين المعروف بـ"الخميني" بجروح خلال محاولته مع فريق من المسعفين إخراج إحدى العائلات العالقة في منزلها في حيّ الطيري، حيث تبيّن أنّ ذلك كمين أُعدَّ له قبل أنْ يفارق الحياة.
فيما نجحت وحدات من حركة "فتح" بإخراج عدد من الأهالي من حيّ الطيري إلى مناطق أكثر أماناً.
وقُتِلَ أبو علي الصاوي (في العقد الخامس من عمره) أثناء تواجده في منزله في حيّ الطيري.. كذلك قُتِلَ فراس بلعوس، حسين أبو دبوس، محمّد رمزي زبيدات، ومحمد عزات موسى وأحمد عيسى، فضلاً عن موسى الخربيطي الذي سبق وقُتِلَ في اليوم الأوّل للاشتباكات.
كذلك سقطت قذائف على جبل الحليب، ما أدّى إلى إصابة مبنى عائد لعائلة الكبي، فأُصيب عدد من المقيمين فيه بجراح، وكذلك عائلة فلسطينية نزحت من سوريا.
كما أُصيب في الاشتباكات العقيد في حركة "فتح" جمال قدسية في كتفه وبلال عبيد وهو مرافق قائد "قوّات الأمن الوطني الفلسطيني" في منطقة صيدا العميد أبو أشرف العرموشي، وعبد الكريم السعدي ومنصور ن.، وعبد سليمان، ونُقِلَ 8 جرحى إلى مركز الراعي الطبي وهم: كايد شفيق قاسم، أحمد جلال القرش، بلال محمّد القرش، محمّد جمال حمد، تامر خضر عوض ورائد إبراهيم حجي.
وأدّت حدّة الاشتباكات إلى احتراق محل حلويات أبو جنا، حيث عمل الأهالي على إخماد الحريق وسحب قوارير الغاز الموجودة فيه للحؤول دون انفجارها.
وأدّى الرصاص الطائش، الذي وصل إلى صيدا لإصابة الطفل زاهر مصطفى الخطيب  4 سنوات لحظة عبوره مع ذويه من صور الى بيروت، حيث اخترقت رصاصة الزجاج المحاذي للمقعد الخلفي حيث أصيب بجراح ونقل إلى المستشفى، علماً بأنه وصل منذ أيام مع ذويه من الدانمارك إلى لبنان، كما وصل الرصاص الطائش إلى تلة مار الياس في حارة صيدا إلى إصابة المواطن علي خليل، الذي نُقِلَ إلى "مستشفى قصب - الهلالية".
وأدّى الرصاص الطائش إلى إصابة المحال التجارية في مبنى محمّد زيدان للتعليم المهني بالقرب من دوار السراي الحكومي في صيدا.
كما سقطت قذيفة أنيرغا على كراج لتصليح السيّارات يملكه نضال شبايطة في منطقة الحسبة ما أدى إلى تضرّر عدد من السيّارات كانت متوقفة هناك.
واتخذ الجيش اللبناني إجراءات أمنية مشدّدة في محيط المخيّم تحسّباً للتطوّرات، فيما جرى تعزيز وحداته مع تسيير دوريات راجلة ومؤلّلة في محيط المخيّم وفي شوارع مدينة صيدا.
فيما قطعت القوى الأمنية اللبنانية الطريق المحاذية للجهة الغربية من مخيّم عين الحلوة، خاصة بين دوار سراي صيدا الحكومي والحسبة والذي تسلكه أيضاً قوافل قوّات "اليونيفل".
كذلك الطريق بين دوار السراي الحكومية ودوار الأميركان، حيث وصلت رصاصات القنص، وذلك حفاظاً على حياة المواطنين.
كما أُقفلت الدوائر والمؤسّسات الرسمية في سراي صيدا الحكومي، بناء لتوجيهات محافظ الجنوب منصور ضو، حيث غادر الموظفون ظهر السبت مكاتبهم تحسباً من تطورات الأوضاع.
كذلك عمد عدد من أهالي المرضى في "مستشفى صيدا الحكومي" على إخلاء مرضاهم إلى مستشفيات أخرى، بعد وصول رصاص القنص إلى المستشفى، الذي سقطت قذيفة بالقرب منه.
فيما شهدت مدنية صيدا شللاً تاماً للحركة ما أدّى إلى إقفال بعض المحال أبوابها، خاصة القريبة من المخيّم.
وكان لافتاً الأخبار المدسوسة التي جرى بثها وتوزيعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي كانت تهدف إلى توتير الأجواء.
ونظراً إلى كثافة النازحين، عمدت بعض الجمعيات إلى تقديم الإغاثة لهم خارج المخيّم، ومن نزح إلى مناطق أخرى أكثر أماناً داخله.

 

المصدر :اللواء