الخميس 19 حزيران 2025 08:25 ص

باب المندب ومضيق هرمز: الأهمية الاقتصادية والتداعيات الإستراتيجية لإغلاقهما


* جنوبيات

يُعدّ مضيقا باب المندب وهرمز من أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم، نظراً لما يتمتعان به من موقع جغرافي فريد يربط بين الشرق والغرب، وللدور الحيوي الذي يلعبانه في حركة التجارة والطاقة العالمية. وقد كان لهذين المضيقين عبر التاريخ تأثير كبير على حركة الملاحة الدولية، وازدادت أهميتهما بشكل خاص في العصر الحديث نتيجة لاعتماد العالم المتزايد على النفط والغاز، وارتباط سلاسل التوريد العالمية بالممرات البحرية الحيوية.

يقع مضيق هرمز بين إيران وسلطنة عمان، ويفصل الخليج العربي عن بحر العرب ويبلغ عرضه حوالي 54 كيلومتراً في أضيق نقاطه. يعتبر هذا المضيق المعبر البحري الرئيسي لدول الخليج العربي، مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين والعراق، حيث يمرُّ عبره يومياً 21 مليون برميل من النفط الخام، وهو ما يعادل حوالي ثلث صادرات النفط العالمية المنقولة بحراً.

لطالما كان مضيق هرمز محل صراع إقليمي ودولي. خلال الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينيات اندلعت «حرب الناقلات» التي استهدفت السفن العابرة في المضيق، وهو ما أدّى إلى تدخّل القوات البحرية الأميركية لحماية الملاحة. ومع تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة، كثيراً ما تلوّح طهران بإغلاق المضيق كوسيلة للضغط، مما يثير مخاوف عالمية من أزمة طاقة حادّة.
أما مضيق باب المندب، فهو يربط بين البحر الأحمر وخليج عدن، ويفصل بين اليمن من جهة وجيبوتي وإريتريا من جهة أخرى. وهو المدخل الجنوبي لقناة السويس، أحد أهم الممرات البحرية في العالم. يمرُّ عبر باب المندب أكثر من 9% من تجارة النفط العالمية، فضلاً عن آلاف السفن التجارية التي تنقل البضائع من آسيا إلى أوروبا والعكس.

ازداد اعتماد أوروبا بشكل خاص على باب المندب بعد توسعة قناة السويس، إذ أصبح طريقاً رئيسياً للبضائع القادمة من الهند والصين ودول جنوب شرق آسيا. لكن المضيق يظل مهدّداً بسبب الأوضاع الأمنية في اليمن، حيث تسيطر جماعة الحوثي على أجزاء من الساحل الغربي، ما يسمح لها بتهديد السفن المارة، كما حدث في السنوات الأخيرة من خلال استهداف ناقلات النفط والسفن التجارية بالصواريخ والطائرات المسيّرة.

تكمن الأهمية الاقتصادية لمضيقي هرمز وباب المندب في كونهما عنق الزجاجة لشحنات الطاقة والسلع العالمية. فإغلاق أي من هذين الممرين يؤدي فوراً إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز، وتأخير تسليم البضائع، وزيادة تكاليف التأمين والشحن. بالنسبة لدول الخليج، يعتبر مضيق هرمز شريان الحياة الذي تنقل عبره صادرات النفط والغاز، التي تشكّل العمود الفقري لاقتصاداتها.
كما أن مصر تعتمد على باب المندب في تأمين الملاحة إلى قناة السويس، التي تُعدّ مصدر دخل رئيسي للدولة، وتؤثر أي اضطرابات فيه على إيرادات قناة السويس، وبالتالي على الاقتصاد المصري بشكل مباشر.

في حال أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، فإن ذلك سيشكّل تهديداً مباشراً للأمن الاقتصادي العالمي. حيث سيتوقف تصدير نحو 21 مليون برميل من النفط يومياً، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ، ويُشعل أزمة اقتصادية في الدول الصناعية الكبرى. كما سيتسبب الإغلاق في نقص حاد في الوقود والغاز في آسيا وأوروبا، ويؤدي إلى انهيارات مؤقتة في الأسواق المالية.
ولن تقف الأمور عند الجانب الاقتصادي فقط، بل من المرجح أن يؤدي إغلاق المضيق إلى تدخّل عسكري دولي لإعادة فتحه بالقوة، وقد تتصاعد التوترات في الخليج لتتحوّل إلى صراع إقليمي واسع.

أما إذا تم إغلاق باب المندب، سواء بسبب هجوم مباشر أو حالة عدم استقرار في اليمن، فستُجبر السفن على اتخاذ طريق بديل حول رأس الرجاء الصالح، ما يطيل الرحلة من آسيا إلى أوروبا بأكثر من 6,000 كيلومتر، ويزيد تكلفة الشحن بنسبة تصل إلى 40%. كما ستتأثر الدول المعتمدة على قناة السويس، وعلى رأسها مصر، التي ستخسر جزءاً كبيراً من عائداتها.
إن مضيقي هرمز وباب المندب ليسا فقط ممرين مائيين، بل شرايين استراتيجية للتجارة والطاقة العالمية. وقد بات الحفاظ على أمنهما واستقرارهما مسؤولية دولية، تتطلب تعاوناً دبلوماسياً لمنع أي جهة من استغلال موقعها الجغرافي لتهديد مصالح العالم.
وفي ظل المتغيّرات الجيوسياسية، يظل المضيقان محورين أساسيين في حسابات الأمن القومي للعديد من الدول، مما يجعلهما في قلب كل أزمة أو تفاوض دولي يخص الطاقة أو الملاحة.

إن العالم اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الحروب والدمار، بل إلى قادة يضعون شعوبهم وبلادهم في مقدمة الأوليات. وحدهم القادة الذين يصطفون لحلّ النزاعات لا تأجيجها يصنعون مستقبلاً آمناً ومستقراً لشعوبهم والعالم.

ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر

المصدر :جريدة اللواء - المحامية ندين عراجي الغول