أطلقت تركيا وإسرائيل إشارات مختلفة حول تحقيق تقدّم في المباحثات التي جرت في جنيف لتذليل العقبات أمام تنفيذ اتّفاق المصالحة وتطبيع العلاقات بينهما. وجاءت هذه الإشارات من جانب أعلى المراتب السياسيّة في الدولتين، القصر الحكومي التركي وديوان رئاسة الحكومة الإسرائيليّة. لكن تصريحات أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي يعلون، حول شروط إسرائيل لإتمام المصالحة، تُظهر أنَّ الطريق نحو تحقيق ذلك، لا تزال طويلة.
وأصدر ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيليّة بياناً مساء أمس الأول، بعد عودة الوفد الإسرائيلي المفاوض من جنيف، أوضح فيه أنَّ المداولات التي أُجريت مع الوفد التركي حقّقت تقدّماً. وجاء في البيان أنَّه «بقيت عدّة مواضيع مفتوحة ستُبحث في لقاء تكميلي في وقت قريب». وأشار البيان إلى أنَّ مبعوث رئيس الحكومة لهذه المفاوضات، المحامي يوسي تشخنوفر والقائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي العميد يعقوب بنغل، هما من أدار المفاوضات عن الجانب الإسرائيلي، مقابل نائب وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلياولو.
تجدر الإشارة إلى أنَّ لقاء جنيف جرى بعد قيام نائب الرئيس الأميركي جو بايدن بحثّ الطرفين على اللقاء وإنهاء الأزمة بينهما. وقد بدأ بايدن مساعيه في لقائه الأخير على هامش قمة دافوس، مع رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي يعلون، قد أبلغ مؤتمراً صحافياً عقده في جنيف أنّه ينبغي على أنقرة أن تستجيب لمطالب تل أبيب في كل ما يتعلّق بتسوية النزاع معها. وألمح إلى أنّه يعتقد أنَّه ليس مضموناً أن يتوصل الطرفان إلى اتّفاق. وقال إنَّ «تركيا تستضيف حالياً في اسطنبول مقراً إرهابياً لحماس الخارج، وهي بشكل عام تدعم حماس والإخوان المسلمين»، مشدداً على «أنني لست واثقاً أنّنا سنتوصّل إلى اتّفاق. من الجائز أن يحدث هذا. ولكن عليهم أن يستجيبوا لشروطنا حتى نتمكّن من التغلّب على هذه العقبات». وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنَّ يعلون، الذي تحدّث عن شروط إسرائيلية لم يعلن عنها، إلّا أنَّ هذه الشروط نوقشت بإسهاب. وكانت «هآرتس» قد ذكرت أنَّ من بين الشروط الإسرائيليّة للمصالحة مع تركيا، إعادة جثماني الجنديين اللذين سقطا في الحرب الأخيرة على غزَّة وبقيا في أيدي «حماس».
وأشار يعلون في كلامه إلى أنَّ تركيا وإسرائيل أدارتا في الماضي شبكة علاقات ممتازة حتى الانتخابات التركية في العام 2012 حينما فاز رجب طيب أردوغان. وأضاف أنّه «منذ ذلك الحين، لسنا نحن من بادر إلى تدهور العلاقات، وإنّما أردوغان هو من فعل ذلك. والمثال على ذلك سفينة مرمرة». وأوضح يعلون أنّه منذ ذلك الحادث حاولت إسرائيل تسوية النزاع، «بل إنني شخصياً قدت وفداً وفشلنا. لقد حاولنا مرات ومرات».
وكان لافتاً أنَّ يعلون ربط في كلامه بين المسعى التركي للمصالحة مع إسرائيل وتوتّر العلاقات الروسيّة ـ التركيّة بشأن سوريا. وقال، في المؤتمر الصحافي في جنيف، إنّه «ربّما بسبب الوضع في سوريا والعلاقات بين روسيا وتركيا، وربّما بسبب وضع الغاز الموعود لتركيا من روسيا، توجّهوا إلينا. هذا جائز».
وهذه ليست المرّة الأولى التي يتّخذ فيها يعلون موقفاً حاداً بشأن الاتّفاق مع تركيا. ففي نهاية الشهر الماضي، شنّ حملة شديدة على الحكومة التركية واتّهمها بدعم الإرهاب وشراء النفط من «داعش». وفي حينه، أعلن السفير الأميركي في أنقرة أنَّ كلام يعلون لا يستند إلى أيّ أساس، في حين قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أنّه «كانت لتركيا وإسرائيل علاقات ممتازة في سنوات سابقة. نحن لم نرغب في تدهور هذه العلاقات ولسنا من تسبّب في هذا التدهور. وإذا جرى تغيير على السياسة التركيّة فسنرحّب بذلك».
في كل حال، كان المتحدث باسم الحزب الحاكم في تركيا، «العدالة والتنمية»، عمر جليك، قد أعلن أنَّ «المباحثات من أجل تحقيق المصالحة مع إسرائيل تجري بصورة إيجابية». لكنه مع ذلك شدَّد على أنَّ الطرفين لم يتوصّلا بعد إلى اتفاق، وقال: «من المعلومات المتوفرة لدينا يظهر أنَّ الاتصالات تجري بشكل طيب، ولكن من دون أن يظهر للمباحثات أيّ نتائج عمليّة، لا يمكننا القول إنّنا توصّلنا إلى اتّفاق».
ومعروف أن القضايا المتعلّقة باقتحام القوات الإسرائيلية في عرض البحر سفينة «مرمرة» التركية وقتل وجرح عدد من الناشطين عليها والتعويضات لهم تم الاتفاق عليها، فيما بقيت مسألة الخلاف حول فكّ الحصار عن غزَّة مفتوحة. وطوال الوقت، أصرّت تركيا في محادثاتها مع إسرائيل على رفع الحصار المفروض على القطاع وتمكين تركيا من إنشاء ميناء هناك. وإسرائيل لا تزال ترفض هذه المطالب، وعرضت شروطاً مقابلة تتعلّق بوجود «حماس» في تركيا. ويُعتقد أنَّ هذه مسألة سيتمّ التوصل فيها إلى تسوية تلبي لكل طرف جزءا من مطالبه.