الخميس 10 تموز 2025 09:57 ص

الطائفة التي لا يتحدث بأسمها أحد


* جنوبيات

في هذا الظرف الدقيق الذي يمرّ به لبنان، بات من الضروري التوقف عند واقع التمثيل الطائفي في البلاد، لا من باب التحريض أو الفتنة، بل من باب التوصيف الموضوعي لميزان القوى، ولمدى حضور الطوائف الرئيسية في المعادلة السياسية الداخلية والخارجية.

اليوم، وعلى مستوى الطائفة المسيحية، لا يمكن إنكار وجود من يتحدث باسم المسيحيين ويتولى إدارة الملفات المرتبطة بهم. هذا الدور تمثّله اليوم رئاسة الجمهورية، التي يشغلها العماد جوزاف عون، والتي تعمل بمواكبة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، رأس الكنيسة المارونية، إضافة إلى مشاركة ودعم الأحزاب المسيحية ورؤسائها.

المسيحيون في لبنان اليوم، وللمرة الأولى منذ زمن طويل، يشعرون أن هناك رأسًا سياسيًا يمثلهم في الدولة، ويتكلم باسمهم أمام الداخل والخارج، ويطرح قضاياهم في مختلف المحافل.

أما على مستوى الطائفة الشيعية، التي تمر بواحدة من أدق مراحلها بعد انتهاء الحرب واستشهاد الزعيم الشيعي الكبير، الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله، فإن وضعها لا يقل تعقيدًا، خصوصًا في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وتعثر ملف إعادة إعمار ما دمرته الحرب في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.

رغم ذلك، لا يمكن القول إن الطائفة الشيعية بلا رأس سياسي. فالرئيس نبيه برّي، لا يزال يشكل مرجعية سياسية واضحة لهذه الطائفة، يتكلم باسمها، يطرح قضاياها، يفاوض باسمها، ويمثلها في الداخل كما في الخارج.

في المقابل، يقف الواقع السني أمام مشهد مختلف تمامًا. فالطائفة السنية اليوم تعيش حالة من التهميش والضياع، لا تقل خطورة عن الظروف الأمنية والسياسية التي تمر بها البلاد. فهناك ملفات كبرى تعني هذه الطائفة، من العلاقة مع دول الخليج، إلى العلاقة مع النظام السوري الجديد برئاسة الرئيس أحمد الشارع، إلى ملف السلاح الفلسطيني الذي طالما اعتُبر جزءًا من الفضاء السني على مستوى الهوية والانتماء.

ورغم حجم هذه التحديات، لا يوجد اليوم رأس سني يُجمع عليه، أو يملك القدرة على تمثيل الطائفة والتحدث باسمها، لا أمام الدولة، ولا أمام المجتمع الدولي. وإن غياب هذا الرأس، أو المرجعية، يعرض الطائفة السنية لخطر الاستفراد والتفكك، ويجعلها خارج المعادلة الوطنية.

أحد أبرز القضايا التي تتطلب مرجعية سنية واضحة هي الحفاظ على اتفاق الطائف، الذي وُلد بعد الحرب الأهلية عام 1990، والذي يُعد إنجازًا سنيًا بامتياز. كذلك، فإن ملف السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، الذي فشل الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) في احتوائه، بات بحاجة إلى مرجعية لبنانية سنية داخلية تمتلك الحصافة والتمثيل الكافي لمعالجته، دون أن يتحول إلى صراع داخلي أو فتنة طائفية وأمنية.

من هنا، تصبح الحاجة ملحة لإعادة بناء مرجعية سنية سياسية ووطنية، تحمل هواجس الطائفة وتدير ملفاتها بحكمة، وتعيد لها موقعها الطبيعي في المعادلة اللبنانية. لأن بقاء السنة بلا رأس، يعني بقاء اتفاق الطائف بلا حارس، ولبنان بلا توازن.

المصدر :ليبانون ديبايت