![]() |
الخميس 17 تموز 2025 12:49 م |
علي العبد الله: هانغتشو الصينية تتحوّل إلى "سيليكون فالي" عالمي وأمام لبنان فرصة للتعاون معها |
قال رئيس "تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبناني الصيني" علي محمود العبد الله، إن ما نشهده اليوم في هانغتشو الصينية ليس مجرد نمو طبيعي لقطاع تكنولوجي ناشئ، بل هو تحوّل استراتيجي تاريخي لمدينة صينية عريقة. وأضاف العبد الله إن هانغتشو تحولت إلى مركز ثقل عالمي في الذكاء الاصطناعي، فمدينة هانغتشو التي كانت تعرف سابقا بجمال بحيرتها وعمقها الثقافي، أصبحت الآن تُعرف أيضا باسم "وادي السيليكون الصيني"، وهو توصيف لم يأت من فراغ، مشيرا إلى أن هذا التحوّل تحقق بعد أن تبنّت السلطات الصينية خلال العقد الأخير، استراتيجية حازمة لتحويل هانغتشو إلى مركز للشركات الناشئة، من خلال توفير الإعفاءات الضريبية ومساحات مكتبية بأسعار مدعومة ودعم البحث والتطوير، وشكلت كل هذه العناصر بيئة خصبة لنمو مئات الشركات وفي وقت قياسي.
وبحسب العبد الله، ثمة أربعة عناصر أساسية تجعل من هانغتشو وجهة مُغرية لرواد الأعمال والمستثمرين. أولا، تستقبل المدينة عمالقة التكنولوجيا، إذ تنتشر فيها المقرات الرئيسية لعمالقة التكنولوجيا مثل علي بابا و"ديب سيك" DeepSeek ما يساهم بتوفير بيئة تعليمية وعملية للشركات الصغيرة، التي تستفيد من البيئة المؤسساتية التكنولوجية في المدينة. ثانيا، ثمة جامعات رائدة في المدينة، إذ تضم هانغتشو جامعة تشجيانغ التي تُعد من أفضل الجامعات في الصين، التي تخرّج سنويا دفعات من المهندسين والعلماء في مجالات الذكاء الاصطناعي، علوم البيانات، والروبوتات. ثالثا، تعد تكاليف المعيشة في المدينة منخفضة نسبيا، خصوصا لدى المقارنة مع بكين أو شنغهاي، إذ تقدّم هانغتشو مستوى معيشة جيد بتكلفة أقل، ما يجعلها جذابة للمبرمجين والمهندسين الشباب. رابعا، ثمة سياسات داعمة للمدينة من جانب المؤسسات الحكومية، وتعمل السلطات المحلية في هانغتشو كمُسرّع للأعمال، ما يُسهّل على مؤسسي الشركات الوصول إلى المستثمرين، حتى الذين يعدون في عمق مجتمع النخبة المالية الصينية. النمور الستة تُعدّ شركة DeepSeek واحدة من بين ست شركات ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، انطلقت من مدينة هانغتشو، وقد باتت هذه الشركات تُعرف في وسائل الإعلام الصينية باسم "نمور هانغتشو الستة". وتضم مجموعة "النمور الستة" أيضا شركة Game Science، التي حققت إنجازا غير مسبوق بإطلاق أول لعبة فيديو صينية ضخمة الإنتاج تنال شهرة عالمية، وهي Black Myth: Wukong. كما برزت شركة Unitree التي جذبت الانتباه في كانون الثاني 2025، عندما ظهرت روبوتاتها وهي ترقص على المسرح خلال احتفال جماهيري بُث على التلفزيون. وهناك أيضا شركة BrainCo التي تطوّر تقنيات تمكّن الدماغ من التحكم بالأجهزة مباشرة، وشركة DEEP Robotics التي تركز على تصنيع روبوتات للمهام الصناعية في البيئات القاسية، إلى جانب شركة ManyCore Technology التي تطوّر حلولا ثلاثية الأبعاد في مجال الذكاء المكاني. لبنان أمام فرصة تاريخية وتعقيبا على هذا الموضوع، قال العبد الله أن لبنان أمام فرصة لتطوير "سيليكون فالي" عربي-عالمي على الرغم من الصعوبات والتحديات الهائلة، وأضاف: "في خضم العواصف التي تهز لبنان منذ سنوات، يبرز سؤال مصيري: هل لا زال هذا البلد الصغير قادرا على التحول إلى حاضنة للابتكار التكنولوجي، ولماذا لا يتم إطلاق مشاريع تعاون مع مدن مثل هانغتشو الصينية للتعلم من تجربتها؟". وأضاف: "الحقيقة أن لبنان يحمل في جيناته التاريخية مقومات النجاح، لكنه يحتاج إلى جرأة غير مسبوقة في الإصلاح. لطالما كان لبنان حاضنة للإبداع والريادة في المنطقة العربية، واستحق لقب "سويسرا الشرق" بجدارة في حقبة ازدهاره، عندما كان قطاعه المصرفي ونظامه الاقتصادي أكثر قوة وانفتاحا. لكن السنوات العجاف كشفت هشاشة هذا النموذج تحت وطأة الأزمات المتتالية. ومع ذلك، تبقى المقومات الأساسية حية في جذور المجتمع اللبناني. فجامعات البلاد تواصل تخريج آلاف الموهوبين في مجالات الهندسة والبرمجة سنويا، بينما تزخر الجالية اللبنانية في الخارج بنخبة من الخبراء في قطاع التكنولوجيا. هذه الثروة البشرية تشكل رصيدا استراتيجيا يمكن البناء عليه. لكن الطريق إلى الريادة التكنولوجية محفوف بتحديات جسيمة، إذ لا تتوفر لدى لبنان رؤية متكاملة في مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي، ويشكل انقطاع التيار الكهربائي، وضعف شبكة الإنترنت وغيرها من الصعوبات، تحديات تجعل من الصعب حتى تخيل بيئة مناسبة لشركات التكنولوجيا الناشئة. أما الإطار القانوني المعقد والفساد فيعيقان أي محاولة جادة لجذب الاستثمارات. ويأتي النظام المصرفي المنهك ليزيد من حجم التحديات. ولا ننسى نزيف العقول المستمر الذي يستنزف البلاد من أهم مواردها البشرية". ولتحقيق نقلة نوعية، يضيف العبد الله: "يحتاج لبنان إلى خطة شاملة تبدأ بإصلاح البنية التحتية الرقمية، وبإطلاق مشاريع تعاون مع مدن تكنولوجية مثل هانغتشو، وضمان اتصال بالإنترنت مستقر وسريع، وتوفير مصادر طاقة بديلة. كما يتطلب الأمر مراجعة شاملة للقوانين لتسهيل إنشاء الشركات الناشئة وحمايتها. وفي الجانب المالي، لا بد من إعادة هيكلة القطاع المصرفي لاستعادة الثقة، مع إنشاء صناديق استثمار متخصصة في ريادة الأعمال. كما أن تطوير المناهج التعليمية لمواكبة متطلبات العصر الرقمي بات ضرورة ملحة". ويختم قائلا: "قد تكون الأزمة الحالية فرصة ذهبية لإعادة تشكيل الاقتصاد اللبناني على أسس جديدة. والتجارب العالمية مثل مدينة هانغتشو تثبت أن بعض أكبر النجاحات التكنولوجية ولدت من رحم التحديات. لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية حقيقية، ورؤية واضحة، وتضافر جهود القطاعين العام والخاص. إن تحويل لبنان إلى "سيليكون فالي" عربي – عالمي ليس حلما مستحيلا، لكنه يحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالأخطاء، وجرأة تغيير المسار. فهل تكون هذه المحنة مناسبة لإعادة اكتشاف دور لبنان الحضاري كجسر بين الشرق والغرب في عصر الثورة الرقمية؟ الإجابة تكمن في قرار النخبة اللبنانية بين الاستمرار في النموذج القديم الذي أثبت فشله، أو تبني رؤية جديدة تستثمر في العقول". المصدر : جنوبيات |