السبت 29 نيسان 2017 15:42 م |
فضيحة كِتاب.. برسم الأمن العام |
في ظلّ كِثرة الحديث عن تصاعد التوتّر بين "حزب اللّه" وإسرائيل، في سوريا، واحتمال تمدّده ليشمل لبنان، ووسط أجواء الحذر والترقّب، والتّهديدات المُستمرّة والمُتبادَلة بين الجانبين، التي تُوحي باقترابِ حُلولِ فصلٍ جديدٍ شبيه بحرب تموز، وقد يفوقه خطورة ودماراً، يسعى الجانب الإسرائيليّ بكافّة الوسائل إلى نشر قوّاته وعناصره على الحدود، كما ويعمل أيضاً على فرض ثقافته وعقائده، داخل الأراضي اللّبنانيّة، وفي البيوت وخصوصاً في عقول الشّباب، للتأثير بهم، وإعادة "برمجة" الأفكار التي يُؤمنون بها لتصبّ في مكانٍ آخر. وهنا تكمن الخُطورة التي يجب أنْ يُلقى الضَّوء عليها نظراً لانعكاساتِها السَّلبيّة، ولا سيّما على الجيل الجديد، لا أنْ يقتصر التّركيز على المسائل العسكريّة والسّياسيّة.
في 23 حزيران، من عام 1955، صدر عن مجلس النوّاب اللّبنانيّ قانونٌ واضح وصريح، ينصّ على مُقاطعة إسرائيل، ويُحَظّر دخول المُنتجات الإسرائيليّة إلى لبنان. هذا وبناء على المرسوم رقم 12562 الصّادر في 19 نيسان 1963 والمُتعلّق بتنظيم ِمكتب مُقاطعة إسرائيل، الذي أناط بمكتبِ المُقاطعة وبإشرافِ وزير الاقتصاد والتجارة صلاحيّة اتّخاذ الإجراءات الواجبة لتنفيذِ القوانين والأنظمة النّافذة وأحكام ومبادئ مقاطعة إسرائيل الذي أقرّه مجلس جامعة الدّول العربيّة في عام 1951، والسّهر على تطبيقها لمواجهة كلّ محاولات العدوّ الإسرائيليّ للتسلل إلى أسواقنا عبر وسائل التّزوير والتّحايل والتهريب على اعتبار أنَّ المُقاطعة لإسرائيل هي إحدى الوسائل السّلميّة المشروعة في حماية اقتصادنا وتسهيل عمليّة التّبادل التّجاري والترانزيت والاستيراد والتصدير بين لُبنان ودولِ العالم، وذلك بالتعاونِ والتّنسيقِ بين الإدارات الرّسميّة ووزارة الاقتصاد والتّجارة في مهمّة المُقاطعة. إنّ نصوص القوانين والأنظمة وأحكام مقاطعة إسرائيل الواجب الالتزام بها هي "الشّركات والمؤسّسات الأجنبيّة التي تعمل على تدعيم الاقتصاد الإسرائيليّ، شركات المِلاحة والتّبادل التّجاريّ. استناداً إلى هذه النّصوص القانونيّة الواضحة، وغيرها من الموادّ التي تمنع التطبيع مع إسرائيل بكافّة أشكاله، نستغرب كيف تدخل إلى لبنان، منتجات إسرائيليّة، لفترة من الزمن تكون كافية لتحقيق أهداف إسرائيل من إدخال هكذا مواد، قبل أنْ يُصار إلى منعها في لبنان. الأمر الذي يطرحُ علامات استفهام كثيرة، حول السّماح بداية بإدخال هذه البضائع، إلى الأراضي اللّبنانيّة والمحالّ التّجاريّة والشّركات، ومن ثمّ تَعْمَدُ الجهّات المُختصّة نتيجة شكوى معيّنة أو إخبار "إعلامي"، إلى إيقاف التّداول بها ومصادرتِها. والأمثلة على ذلك كثيرة، آخرها إقدام المديريّة العامّة للأمن العامّ على سحبِ كتابٍ يحمل عنوانHomo Deus" " للكاتب الإسرائيلي Yuval Noah Harari، بعد مدّةٍ من توزيعه على بعض المكتبات اللّبنانيّة. ولكن القصّة لمْ تنتهِ هنا.... وما سيُثار في هذه السّطور سيكون بمثابةِ إخبارٍ، أو بلاغٍ، أو سؤال إلى الأمن العامّ الذي تعذّر لموقع "ليبانون ديبايت" التّواصل معه، لاستيضاح بعض النُّقاط، بعد محاولاتٍ عدّة جرى خلالها الاتّصال بأكثر من ضابط مسؤول في المديريّة، لكن أحداً لم يُجِب، كـ"العادة". وفي التفاصيل، علم موقع "ليبانون ديبايت"، أنَّ الأمن العامّ عمدَ إلى سحبِ كتاب "Homo Deus" لكاتب إسرائيلي يُدعى Yuval Noah Harari، ولمتابعة الموضوع، قصدنا مكتبة معروفة لها فُروع عدّة في لبنان، لنسأل عن الكتاب "الممنوع" و"المتوافر" لديها، فكان الجواب غريب ومفاجئ، بأنَّ الأمن العامّ سحب فقط النُّسخ الإنكليزيّة من الكتاب، وترك تلك الفرنسيّة والإسبانيّة. والموضوع لم ينتهِ هنا، إنّما أشارت إحدى المُوظّفات في المكتبة إلى أنَّ نُسخاً كثيرة بِيْعَت من هذا الكتاب قبل منعه وسحبه، وبالتالي فقد دخل نصّه ومضمونه إلى بيوتٍ لبنانيّةٍ بأعدادٍ كبيرة. وقالت: "إنَّ السّبب الأساس لسحبه، له بالتأكيد علاقة بكاتبه كونه إسرائيليّ، مع العلم أنَّ هذا الكتاب ليس الأوّل لـHarari""، إنّما هو الثّاني له، وما تزال نُسخَه موجودة في المكتبات اللّبنانيّة باللّغةِ الفرنسيّة وعنوانه:Sapiens" ". وبالانتقال إلى مضمون الكتابين، اللّذين ضُمّا إلى مجموعةٍ واحدة تُعرف بـThe e -book""، فإنّه يتطرّق إلى "اكتشاف" البشريّة في عصورٍ سابقة، وتطوّرها في المراحل اللاّحقة مروراً بالانتفاضة والثّورة السّياسيّة والتكنولوجيّة في القرن الواحد والعشرين ومصيرها في المستقبل. أمّا الكاتب Harari فهو أستاذ ودكتور في التّاريخ من مواليد 24 شباط 1976 ومحاضر في جامعة Hebrew الإسرائيليّة. وله كُتب عديدة مُترجمة إلى أكثر من 30 لغّة. انطلاقاً من التّفاصيل المُشار إليها والمعلومات الموثوقة، وبعيداً من "حُجج" الحريّة والدّيمقراطيّة، فإنَّ هذه "الشّعارات" التي تُفهم أحياناً بطرقٍ عشوائيّة، لها حدود معيّنة نصّ عليها القانون والهويّة الوطنيّة، تمنع تحويل الحريّة إلى تطبيعٍ مُباشر أو غير مباشر. بدورنا نضع هذا التقرير برسم الأمن العامّ والأجهزة المُختصّة، ونسأل المديريّة مرّة جديدة عن السّبب وراء التأخير في سحب هذا الكتاب الذي يتحدّث عن "البشريّة" من وجهة نظر كاتبٍ إسرائيليّ، وهذا أمر دقيق جدّاً وله تداعياته "الثقافيّة" خصوصاً بعد بيعِ أعداد كبيرة منه؟... وكيف دخل أصلاً إلى لبنان، ومرّ مرور الكرام على أجهزة الرّقابة بنسخته الأولى والثّانية؟! المصدر :جنوبيات |