لم يكتفِ الصهاينة بأنهم قد احتلوا فلسطين بالقوة المسلحة، وزوروا التاريخ ليضعوا اسم إسرائيل مكان اسمها المقدس، وطردوا منها أهلها بالنار ليستوطنوها، بل ها هم يحاولون الحكم على من تبقى من الفلسطينيين بالموت جوعاً وجهلاً.
مفهوم أن يكون التواطؤ الدولي قد مرر الاعتراف بإسرائيل ودخولها الأمم المتحدة، وخصوصاً أن "الأربعة الكبار" وقتها، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا قد تسابقوا على الاعتراف بكيانها الطارئ والقائم على تزوير التاريخ والجغرافيا وطمس حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه، وطرد أكثر من نصفه إلى ديار اللجوء في لبنان وسوريا وإمارة الأردن التي ستصير – بفضل "النكبة" – مملكة..
مفهوم أيضاً أن يكون التواطؤ الدولي قد حاول "تعويض" الفلسطينيين ما لا يُعوض، أي وطنهم، بإنشاء "وكالة غوث اللاجئين" لتتولى محاولة تأمين الخيام والمأوى في ديار اللجوء، وبعض التقديمات العينية ليتوفر لهم ما يقتاتون به، والمدارس لكي يتعلموا فلا يغرقون في بحر الجهل.
وقد أثبت الفلسطينيون أنهم شعب عظيم.. وهكذا تفوقت أجيالهم الجديدة، وانتصر شبابهم على ذل مخيمات اللجوء واضطهاد الأخوة وعنصرية بعضهم، فتميزوا في مدارس "الوكالة"، ودخلوا الجامعات في مختلف الأقطار العربية، وتخرجوا بدرجات ممتازة في الهندسة والطب والعلوم والثقافة اجمالاً، وسافروا إلى الاقطار التي تحتاج خبراتهم، لاسيما السعودية ودول الخليج، فزودوا الجامعات والمدارس بالكفاءات المطلوبة، وبنوا تلك الدول ال"من رمل"، فأشادوا القصور والعمارات والمدارس والفنادق، ومن ثّمّ الجامعات فيها، وعملوا في تدريس طلابها والطالبات فإذا هي تسابق الجامعات العريقة في القاهرة ودمشق وبغداد وبيروت..
بالمقابل، كانت ضغوط إسرائيل ومن معها من القوى الدولية بالقيادة الأميركية تشتد، سنة بعد سنة، على وكالة غوث اللاجئين، فتحذف من موازنتها المتواضعة مبالغ أساسية، وتقلصها وتشطب منها تكاليف بعض الخدمات المؤثرة، والتعليم أساساً، حتى صارت الوكالة أشبه بجمعية خيرية شبه مفلسة لا تجد من يدعمها ويمدها بالإمكانات الضرورية للاستمرار في مهمتها الإنسانية كتعويض بائس عن وطن عظيم..
ها هو السفاح بنيامين نتنياهو يدعو الآن إلى تفكيك منظمة الأونروا وشطب دورها، بل مهمتها، في إغاثة ضحايا الصهيونية وحلفائها من أبناء الشعب الفلسطيني، ليغرق هؤلاء في الجهل بعد تشريدهم في أربع رياح الأرض..
إن هذا السفاح الذي استضاف، قبل أيام، نصيره الأكبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يريد أن يختفي الفلسطينيون من العالم، أن يتنصلوا من هويتهم الوطنية التي تجسد تاريخهم وحقهم فيها، كما يريد من الأمم المتحدة التي اعترفت بإسرائيل من قبل أن تولد، أن تتخلى عن الحد الأدنى من دورها الإغاثي لأهل فلسطين الذين صاروا أبناء مخيمات!
ولمن نسي، فإن وكالة غوث اللاجئين UNRWA كان في نهاية اسمها المختصر، حرف P إشارة إلى فلسطين، لكن الضغوط الصهيونية نجحت، بفضل التواطؤ الدولي، على حذف حرف P الذي يشير إلى أن مهمتها تتصل حصراً بشعب فلسطين الذي شُرد من بلاده وأُجبر على اللجوء إلى البلاد العربية المجاورة... وهكذا خلا اسم هذه المنظمة الدولية من الإشارة المباشرة إلى مهمتها مع الفلسطينيين..
ها هو نتنياهو يطالب الآن بتفكيك هذه المنظمة الدولية التي تقوم بالأقل من القليل من واجبات المجتمع الدولي تجاه شعب فلسطين الذي شرده التخاذل العربي والتواطؤ الدولي.
وفي غياب "القادة" العرب ومعهم الآن "السلطة الفلسطينية" التي بلا سلطة، يمكن لإسرائيل أن تفرض على المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة ما شاءت من القرارات.
لكن فلسطين باقية، لا يقربها الموت..