حققت قوات سوريا الديموقراطية بغطاء جوي للتحالف الدولي تقدما ملحوظا على الارض على حساب تنظيم الدولة الاسلامية في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا، في وقت كانت تركيا توسع دائرة استهدافها لمناطق سيطرة الاكراد في حلب شمالا.
وتدور اشتباكات بين تنظيم الدولة الاسلامية وقوات سوريا الديموقراطية، وابرز مكوناتها وحدات حماية الشعب الكردية، على محاور عدة في ريف الحسكة الجنوبي. وأصبحت قوات سوريا الديموقراطية على بعد خمسة كيلومترات فقط شمال مدينة الشدادي، معقل تنظيم الدولة الاسلامية في تلك المحافظة، وفق ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان.
وبحسب المرصد، نجحت قوات سوريا الديموقراطية، تحالف قوات عربية كردية، في قطع طريقين رئيسيين يستخدمهما المتطرفون لنقل الامدادات، الاولى تصل بين الشدادي ومدينة الموصل في العراق، والثانية تربطها بالرقة، معقل التنظيم في سوريا. كما تمكنت ايضا من السيطرة على حقل كبيبة النفطي شمال شرق الشدادي اثر اشتباكات وغارات جوية نفذتها طائرات التحالف الدولي، ما أجبر عناصر التنظيم المتطرف على الانسحاب.
وفي ظل المعارك، بدأت عائلات تنظيم الدولة الاسلامية بالنزوح من مدينة الشدادي الى محافظة دير الزور (شرق).
وبدأت قوات سوريا الديموقراطية عملية عسكرية في ريف الحسكة الجنوبي فجر الثلاثاء على ثلاثة محاور.
وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن ان «هذا التقدم السريع يعود الى الغارات الكثيفة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن».
ويسيطر الاكراد على حقل رميلان، أكبر الحقول النفطية في سوريا من حيث الحجم. ويضم رميلان الجزء الأكبر من الآبار النفطية الموجودة في المحافظة، فيما يسيطر تنظيم الدولة الاسلامية على حقول اخرى في مناطق الشدادي والجبسة والهول وبالقرب من مركدة في الريف الجنوبي، تشكل حوالى عشرة في المئة فقط من آبار الحسكة.
وحققت قوات سوريا الديموقراطية في تشرين الثاني الماضي تقدما كبيرا في ريف الحسكة الشرقي، في اولى معاركها ضد تنظيم الدولة الاسلامية منذ تأسيسها في 12 تشرين الاول. ونجحت باستعادة 1400 كلم مربع في المنطقة بغطاء جوي وفره لها التحالف.
وفي محافظة حلب، قصفت المدفعية التركية طوال ليل الخميس الجمعة مواقع سيطرة الاكراد في الريف الشمالي.
وقال عبد الرحمن ان هذا القصف هو «الاعنف» منذ بدأت تركيا حملة قصف مكثف ضد الاكراد في المنطقة السبت.
وأشار الى ان القصف التركي لم يقتصر هذه المرة على مناطق سيطرت عليها قوات سوريا الديموقراطية حديثا على مقربة من الحدود التركية، بل تعداها الى مناطق في ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي والتي يسميها الاكراد مقاطعة عفرين.
وهي المرة الاولى التي يصل فيها القصف الى عفرين، حيث قتل مدنيان. كما جرح 28 مدنيا في القصف التركي.
من جهة ثانية، قتل مدنيون سوريون - بينهم أطفال ونساء - في قصف للطيران الحربي الروسي والسوري على أرياف دمشق وحلب وحمص.
وأفيد عن مقتل 15 مدنيا - بينهم أطفال ونساء - وإصابة آخرين، جراء إلقاء مروحيات النظام السوري براميل متفجرة على تجمع للنازحين في بلدة أوتايا بمنطقة المرج في غوطة دمشق الشرقية، مما أسفر أيضا عن دمار واسع في الممتلكات.
ويتزامن تصعيد قصف النظام على منطقة المرج مع تكثيف الطيران الحربي الروسي غاراته على مدن وبلدات عربين وحرستا ودير العصافير ومنطقة المرج، مما أدى إلى سقوط جرحى بين المدنيين، ودمار كبير في الأبنية السكنية.
وفي حلب (شمالي سوريا)، كثفت الطائرات الروسية غاراتها على مناطق مختلفة في ريف المحافظة، حيث قتل رجل وأبنائه الثلاثة وإصابة عدد آخر في غارة روسية على قرية الشيخ عيسى.
كما تعرضت مدينة مارع لغارات مكثفة تزامنا مع هجوم لقوات سوريا الديمقراطية الكردية. وطال القصف أيضا مدينتي حيان وحريتان في ريف حلب الشمالي، ويشهد محيط قرية الطامورة (جنوب بلدتي نبل والزهراء) معارك مستمرة بين قوات النظام والمعارضة المسلحة.
وفي حمص، قتل ثمانية أشخاص، بينهم أربعة من عائلة واحدة، وأصيب آخرون جراء غارات روسية استهدفت مدينة تلبيسة وقرية الحلموز في الريف الشمالي.
وصعدت موسكو غاراتها في الفترة الأخيرة على مدن وبلدات ريف حمص الشمالي، بالتزامن مع هجوم واسع لقوات النظام على مواقع المعارضة المسلحة، إذ تمكنت قوات النظام من إحكام حصارها على الريف الشمالي، وذلك بغرض عزله عن الريف الجنوبي.
وذكرت مصادر أن قصفا روسيًّا على حي العرضي بدير الزور أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
مباحثات عسكرية
في هذا الوقت، صرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ان مسؤولين روسا واميركيين عقدوا امس في جنيف مشاورات حول وقف اطلاق النار في سوريا.
ويرمي الاجتماع بين دبلوماسيين ومسؤولين عسكريين من الدولتين للتحضير للقاء موسع للمجموعة الدولية لدعم سوريا.
وقالت ماريا زخاروفا «تجري روسيا والولايات المتحدة مشاورات على مستوى الخبراء حول قضايا سترفع الى مجموعة الدعم الدولية للموافقة عليها». واضافت «لكن في الوقت الراهن لم يحدد موعد لقاء المجموعة الدولية لدعم سوريا».
بالتزامن، نقلت وكالة الإعلام الروسية عن ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي قوله إن روسيا ينبغي ألا توقف ضرباتها الجوية في سوريا وإن الرئيس السوري بشار الأسد وأطرافا أخرى في الصراع يجب أن يستمعوا لنصيحة موسكو.
وفي جنيف اعلن المتحدث باسم الامم المتحدة ميكيلي زاكيو عن اجتماع «بعد الظهر» للمجموعة الدولية لدعم سوريا وموفد الامم المتحدة الى سوريا ستيفان دي مسيتورا العائد من دمشق.
ونقلت وكالة انباء ريا نوفوستي عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف قوله ان «المشاورات المكثفة» بين الروس والاميركيين بدأت الخميس.
ويبحث الدبلوماسيون والمسؤولون العسكريون وخبراء البلدين في «وقف اطلاق النار» و«محاربة عدونا المشترك اي الارهابيين في جبهة النصرة وتنظيم الدولة الاسلامية». وكانت المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تتولى روسيا والولايات المتحدة رئاستها، قررت في 12 شباط «وقف الاعمال العدائية» خلال مهلة اسبوع اي امس.
لكن المعارك وعمليات القصف متواصلة في شمال سوريا. وعلقت الامم المتحدة في الثالث من شباط المفاوضات بين ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة في جنيف حتى 25 شباط لعدم احراز اي تقدم بعد بضعة ايام على بدئها.
وقال دي ميستورا في مقابلة اجرتها معه صحيفة «سفينسكا داغبلاديت» السويدية «لا يمكنني واقعيا الدعوة الى محادثات جديدة في جنيف في 25 شباط، لكننا ننوي القيام بذلك قريبا».
واضاف «اننا بحاجة الى عشرة ايام حتى نستعد ونرسل الدعوات، والمحادثات (...) يمكن ان تكلل بالنجاح اذا ما استمرت المساعدات الانسانية واذا ما توصلنا الى وقف اطلاق نار (...) لقد خاب املنا في الماضي، لذلك انا الان اعتمد سياسة براغماتية لا تخلو من تصميم».
وسيعرض دي ميستورا الاربعاء نتائج جهود الوساطة التي قام بها على مجلس الامن الدولي.
مجلس الأمن
وفي سياق متصل، اعلن دبلوماسيون ان مجلس الامن الدولي عقد جلسة امس مغلقة لاجراء مشاورات حول النزاع في سوريا .
وكانت روسيا دعت لعقد الجلسة الطارئة معبرة عن القلق من «طرح تركيا احتمال قيامها بعملية عسكرية برية في سوريا».
وفي مذكرة وجهت الى رئاسة المجلس التي تتولاها فنزويلا في شباط، اعربت روسيا «عن قلقها الكبير للتصعيد على الحدود التركية - السورية والمشاريع التي اعلنت عنها تركيا وتقضي بارسال قوات الى سوريا».
وكانت الخارجية الروسية اعلنت في وقت سابق ان موسكو تريد لهذه المناسبة ان تعرض على شركائها «مشروع قرار يدعو الى وضع حد لكافة الانشطة التي تنتهك سيادة سوريا ووحدة اراضيها».
ودعت تركيا الثلاثاء الى تدخل عسكري بري للتحالف الدولي في سوريا ما يجعل احتمال التوصل الى وقف لاطلاق النار اقل ترجيحا.
واعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ان هناك خطرا من نشوب حرب بين تركيا وروسيا بسبب سوريا، وأضاف أنه يجب القيام بكل شيء لتجنب ذلك.
وأضاف «هناك خطر نشوب حرب بين تركيا وروسيا... هناك تصعيد». وتابع قائلاً «يجب استئناف المفاوضات ووقف القصف ويجب أن تأتي المساعدات».
بوغدانوف
وسط هذه التطورات، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد وأطرافاً أخرى في الصراع يجب أن يستمعوا لنصائح موسكو بشأن سبل وقف القتال في سوريا. ويأتي هذا بعد انتقادات وجّهها سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، إلى النظام السوري والتصريحات الأخيرة للأسد والتي تمسك فيها بالحسم العسكري حتى استعادة كافة الأراضي من المعارضة المسلحة، وفق صحيفة كومرسانت الروسية.
فبحسب تشوركين فإن هذه التصريحات تعرقل ما تبذله موسكو من جهود دبلوماسية وسياسية وحتى عسكرية لإنهاء الصراع في سوريا، على حد تعبيره.
ولم يكتف السفير بانتقاد الأسد بل حذر النظام بضرورة الامتثال لتوصيات موسكو للخروج من الأزمة، لافتاً إلى أن عدم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار من شأنه إطالة أمد الصراع في سوريا.
كما أوضح أن النظام عليه أن يعلم الجانب الروسي بخططه، داعياً إياه باتباع تعليمات موسكو للخروج من الأزمة بكرامته.
كذلك ذكر تشوركين أن تصريحات الأسد تدل على عدم توافق مع الجهود الدبلوماسية التي تبذلها موسكو لمساعدة النظام، مشيراً إلى أن قوات النظام لم تصمد طويلاً أمام خصومها قبل العمليات الروسية وأن التقدم الذي أحرزته مؤخراً كان بفضل جهود الدعم الذي وفرته مقاتلات الجيش الروسي.