موجة الحر تحرق اللبنانيين، ومن يفكر بقضاء وقته في أحد المسابح العادية او احد المنتجعات التي تصنف نفسها درجة أولى عليه ان يفكر بدولاراته التي ستحترق في المقابل. يوما السبت والأحد كانا حاشدين على شواطئ لبنان، وبما انه جرى في بداية فصل الصيف الإعلان عن ان الشواطئ اللبنانية ملوثة بالكامل وغير صالحة حتى لغسل الرجلين، بات على اللبناني ان يلجأ الى المسابح المليئة بمادة الكلور.
للدخول الى احد المسابح في عطلة نهاية الأسبوع يجب ان يكون اللبناني في أول الشهر، لكي يتوفر في جيبه مبلغا جيدا يسمح له بركن سيارته في الخارج في الظل، لأن توقيف السيارة في الظل مختلف عن توقيفها تحت أشعة الشمس، والمبلغ يناهز "كرم" كل شخص.
يوما السبت والأحد لا يوجد رسم دخول في لبنان أقل من 40 ألف ليرة لبناينة وتصل الى 60 ألف ليرة لبنانية في بعض الأماكن وأكثر، اي ان عائلة مؤلفة من 5 اشخاص تدفع مبلغ 200 ألف ليرة على الأقل لدخول المسبح فقط. هذا إذ كنت تريد دخولية عادية، ولم تفكر بالحصول على جاكوزي او شالية خاص، وهذا الأمر يتعلق بمدى رغبة الشخص بدفع المال، ولكننا هنا نتحدث عن الطبقة الفقيرة والمتوسطة، وربما الطبقة المتوسطة ايضا لا تتمكن اليوم من دخول المسابح والمنتجعات.
وعند المدخل يخضع المواطن اللبناني لعملية تفتيش دقيقة، طبعا هذه العملية ليست حفاظا على الأمن وليست بحثا عن سلاح او متفجرات، ولكن بحثا عن عبوة مياه صغيرة او عن مغلف "نيسكافيه" او عن حبة علكة او لوح شوكولا، وتسمع صوتا ناعما وضحكة عريضة "أستاذ القانون عنا بيمنعك تفوت مواد غذائية". وتتم مصادرة ما تحمله ويرمى في سلة الى جانب "الوجه البشوش" المدعومة من "أبو عضل".
من بعدها تدخل الى المنتجع وتتوجه نحو المسبح، وعندها تبدأ رحلة الألف ميل بحثا عن مقعد شاغر، ولكي تحصل على مقعد طويل وشمسية تحمي نفسك تحتها من أشعة الشمس الحارقة عليك ان ترشي "الشب" لكي يؤمن لك هذه الخدمة، وإذا اعطيته 5 آلاف ليرة سينظر اليك نظرة إحتقار وربما لن تراه مجددا.
عندما يأتي وقت الغداء ستحل عليك الكارثة، لأن غداء لشخصين مع قنينتي بيرة وطنية، سيكلفك 100 ألف ليرة لبنانية، وإذا كانت عائلة تريد تناول الغداء فستكون الفاتورة "ورمانة"، والأسعار ربما لم تخضع للرقابة منذ سنوات، لأنه لا يمكن ان يكون سعر قنينة بيرة 10 آلاف ليرة وهي سعرها الحقيقي في السوق 1250 ليرة لبنانية، كما انه لا يمكن ان يكون ثمن فنجان القهوة 7000 ليرة، وثمن عبوة مياه كبيرة 5 آلاف ليرة وثمنها الحقيقي هو 750 ليرة، من يراقب هذه الاسعار الملتهبة والتي تحرق جيوب اللبنانيين؟ ما يحصل يسمى "سرقة" فقط لا غير، وما يحصل يسمى موت الدولة وغيابها التام عن الوعي.
تكاليف يوم واحد للعائلة على البحر في احد المنتجعات او المسابح العادية يصل الى نحو 400 دولار اميركي هذا إذا منع الاهل الأطفال عن تناول البوظة والفاكهة، لأن سعر البوظة لا يقل عن 8 آلاف ليرة كما ان سعر صحن البطيخ الذي فيه قطعة واحدة صغيرة لا يقل عن عشرة آلاف ليرة لبنانية، وكيلو البطيخ سعره في السوق اقل من 500 ليرة لبنانية.
دخول المسبح في لبنان لم يعد بالأمر السهل، ويمكن للشخص المتوسط الدخل زيارة المسابح والمنتجعات مرة واحدة في الشهر، لبنان بات أوروبا الشرق؟ لا، فإن شواطئ اوروبا الفخمة دخولها مجاني، وسعر الغداء فيها اي بيتزا وقنينة بيرة لا يتجاوز 10 يورو للشخص الواحد. وفي المقابل في لبنان البحر يسبح بالنفايات والمطامر و"الزبالة" واللبناني يسبح في الديون.
نحو 300 منتجع على شواطئ لبنان تتحكم برقاب اللبنانيين، ونحو 300 مراقب في وزارات الدولة يعطلون أيام السبت والأحد، او ربما يعطلون طيلة ايام الأسبوع لأنه ليس هناك من يكلفهم بمهام مراقبة الأسعار العالية، ومنع المسابح والمنتجعات من سرقة اللبنانيين.