تتزوج كل يوم، أكثر من 41 ألف فتاة قاصر، بحسب المركز الدولي لبحوث المرأة. يخلص الأخير في تقرير «التأثيرات الاقتصادية لزواج الأطفال» الذي أصدره بالتعاون مع البنك الدولي أواخر شهر حزيران الماضي، إلى القول بأن البلدان النامية ستخسر تريليونات الدولارات بحلول عام 2030 بسبب زواج القاصرات.
يتناول هذا التقرير الآثار الاقتاصدية لتزويج القاصرات على الخصوبة والتعليم والتوظيف والصحة... متجاوزاً التأثيرات النفسية والتداعيات المباشرة على الفتاة القاصر، ليطرح أثر التزويج المُبكر على مسار القضاء على الفقر وعرقلته للنمو الاقتصادي والإنصاف.
أمس، وعند إطلاق مُنظّمة «كفى عنفاً واستغلالاً» حملتها الإعلامية «جازة أو جنازة» لمكافحة تزويج القاصرات، كانت لافتةً إثارة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للتزويج المُبكر على المجتمعات وتخطي المعالجة التي تحصر الأثر بـ «الفتاة بحد ذاتها فقط أو على أسرتها الضيقة»، على حدّ تعبير مُديرة المُنظمة زويا روحانا، وذلك بهدف تخطّي الخطاب السائد حالياً حول جعل مسألة التزويج المُبكر «شأناً خاصاً» بالفتاة وبأهلها. من هنا، طالب المُشاركون في إطلاق الحملة خلال المؤتمر، الذي عُقد في بيت المحامي في بيروت، بضرورة إقرار قانون مدني يحدّد السن الأدنى للزواج بـ 18 عاماً، سعياً إلى «تحرير التشريع من وصاية الطوائف التي تقف عائقاً أمام تحقيق كل المطالب النسوية». كذلك طالبت الحملة بـ «عدم تكريس تزويج القاصرات في قانون العقوبات إذا أُقرّت التعديلات المُقدّمة من قبل لجنة الإدارة والعدل النيابية على المواد 503 حتى 522».
تطالب الحملة بإقرار قانون مدني يحدد السن الأدنى للزواج بـ 18 عاماً
تشرح روحانا هذا المطلب، وتقول إن التعديل الذي أجرته لجنة الإدارة والعدل على المواد المتعلّقة بـ «الاعتداء على العرض» (المواد بين 503 حتى المادة 522)، والمتمثل بالإبقاء على المادة 503 كما هي، التي تسمح للزوج باغتصاب زوجته وإلغاء المادة 522، يُكرس تزويج القاصرات. وتضيف: «لجنة الإدارة أخرجت المادة 522 من الباب، ولكنّها أعادتها من نافذة المادّتين 505 و 518. فبحجّة «السترة والعادات العشائرية»، لا تزال المادة 505 تعفي من العقاب من جامع قاصراً ما بين سنّ الخامسة عشرة والثامنة عشرة إذا تزوّج الضحية. كذلك، يُعفى من العقاب من أغوى فتاة بغضّ النظر عن عمرها بوعد الزواج منها وفضَّ بكارتها، إذا تزوّج منها. وهذه هي مفاعيل المادة 522 التي يصرّ مجلس النواب على الإبقاء عليها تحت مفهوم السترة، وهو بذلك عن قصد أو غير قصد يكرّس تزويج الطفلات»، لافتةً إلى أن المادة 522 لا ينسحب مفعولها فقط على جريمة الاغتصاب، بل تحت غطاء هذه المادّة يُسمح بتزويج الطفلات اللواتي تُرتكب بحقّهنّ الجرائم المنصوص عليها في المادّتين 505 و 518 (مجامعة القاصر)، «وهذا أمر لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام، فحماية الفتيات من التزويج المبكر لا تكون بتنظيم هذا الزواج ولا بالإبقاء على مفعول المادة 522 على الجرائم الجنسيّة المرتكبة بحقّ الفتيات».
إضافة إلى الواقع التشريعي، هناك عوامل أخرى تُسهم في تعزيز ظاهرة التزويج المُبكر في لبنان. ووفق سوزان بتروني، مديرة المشروع في المركز الدّولي لبحوث المرأة، التي شاركت في تأليف التقرير المذكور أعلاه، فإن عوامل الفقر وعدم المُساواة بين الجنسين وضعف إمكانية الحصول على التعليم وعلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية التي تراعي مصالح الشباب ونقص فرص العمل اللائقة، «تُساعد على إطالة ظاهرة تزويج القاصرات والإنجاب في سنّ مبكرة». وبالعودة إلى التقرير، فإنّ الأخير يخلص إلى أن التصدي لتزويج القاصرات «ستكون له آثار إيجابية على التحصيل العلمي للفتيات وأطفالهن في المُستقبل، كما أنّه يسهم في إنجاب المرأة عدداً أقل من الأطفال، وفي حياتها لاحقاً، يزيد دخلها المتوقع ومستوى رفاه أسرته».
وتوصّل التقرير إلى أنّه في الثلاثين عاماً الماضية، انحسر زواج القاصرات في الكثير من البلدان، لكنه ما زال مرتفعاً للغاية.
اللافت هو ما يُشير إليه التقرير، وهو أن استمرار الفتيات في الدّراسة، هو إحدى أفضل السبل لتفادي زواج القاصرات، «فكلّ سنة من التعليم الثانويّ، تُقلِّص احتمال زواج قاصر قبل بلوغها الثّامنة عشرة، بمقدار خمس نقاط مئويّة أو أكثر».
وأوضح التّقرير أنّ منع زواج الأطفال سيُؤدّي أيضاً إلى تقليص معدَّلات وفيات الأطفال دون الخامسة، ومعدّلات تأخر النموّ البدني بسبب نقص التغذية المناسبة (التقزُّم). وعلى مستوى العالم، تذهب التقديرات إلى أنَّ مكاسب خفض الوفيات دون الخامسة، ومعدّلات سوء التغذية، قد تتجاوز 90 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. وبيّن التقرير أنّ من المكاسب المهمّة الأخرى لمنع تزويج القاصرات، زيادة الدّخل المتوقَّع للمرأة في سوق العمل، «فالمرأة التي تتزوّج وهي طفلة، يقلّ دخلها في المتوسّط 9 في المئة عمّا لو تزوجت في سنوات لاحقة، وذلك يرجع إلى حدّ كبير إلى تأثير زواج القاصرات في التّعليم».