السبت 22 تموز 2017 08:35 ص

فلسطين تحمي الأقصى بدماء الشهداء: مواجهة مفتوحة دفاعاً عن المقدسات


* هيثم زعيتر

افتدى الفلسطينيون المسجد الأقصى، وعمّدوا نضالهم بالدماء، في مواجهة مفتوحة مع قوات الإحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية، بإغلاق المسجد الأقصى منذ الجمعة الماضي، ووضع بوابات الكترونية عند بابي الأسباط والمجلس، وهو ما يرفضه الفلسطينيون.
وزُفَّ 4 شهداء فلسطينيين وأكثر من 450 جريحاً في مواجهات عنيفة ضد قوات الإحتلال، شملت القدس والضفة الغربية ومحيط قطاع غزة، والأراضي المحتلة منذ العام 1948، حيث أثبت الفلسطينيون توحّدهم في مواجهة المحتل الغاصب.
وبات واضحاً أن الميدان هو الفيصل في معركة الثبات، وتكريس السيادة الفلسطينية على المدينة المقدسة، حيث كان أمس، محطة تاريخية للسيادة على الأقصى والقدس، ورفض المخطط الإسرائيلي للتقسيم المكاني، وهو ما بات ينذر بانتفاضة ثالثة إذا ما قرّر المرابطون في القدس إطلاق شرارتها.
"جمعة الغضب" الفلسطيني أمس، كشف خلالها الفلسطينيون عجز الإحتلال وإرباكه وفشله عن مواجهة عشرات الآلاف ممن تمكنوا من الوصول إلى مداخل المسجد الأقصى، ورفضهم العبور من البوابات الإلكترونية التي وضعها الإحتلال، وتأديتهم صلاة الجمعة على الإسفلت، على الرغم من شدّة لهيبه، وارتفاع درجات الحرارة، فضاقت بهم شوارع المدينة المقدسة، التي تحوّلت إلى ثكنة عسكرية نشر فيها الإحتلال أكثر من 6 آلاف جندي وشرطي بكامل تجهيزاتهم وعتادهم العسكري، وهو ما يجري للمرة الأولى منذ 50 عاماً من احتلال أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
وعلى الرغم من إجراءات الإحتلال المشددة، وعدم السماح لمن هم دون 50 عاماً من الوصول إلى المدينة المقدسة، ومنع أكثر من 30 حافلة من الأراضي المحتلة منذ العام 1948، والعقبات عبر العوائق الحديدية، إلا أن نداء القدس دفع بالجموع إلى التوافد وسلوك أكثر من طريق، تلبية للذود عن الأقصى.
وشهدت مناطق القدس والضفة الغربية مواجهات عنيفة بين جنود الإحتلال والشبان الفلسطينيين الذين انطلقوا في مسيرات احتجاجية على الإجراءات الوحشية الصهيونية، حيث أطلق جنود الإحتلال الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز والصوت والدخان، باتجاه جموع المتظاهرين ما أدى إلى سقوط 3 شهداء (يحملون اسم محمد، وسبقهم منفذو عملية الجمعة الماضية الثلاثة الذين يحملون اسم محمد الجبارين)، وأكثر من 450 جريحاً، نقلوا إلى المستشفيات، التي لم يحترم الإحتلال حرمتها فدخلت قواته إلى "مستشفى المقاصد" في القدس بعد محاصرته أكثر من مرّة.
وكرد أولي على استشهاد الشبان الفلسطينيين الثلاثة واصابة مئات الجرحى، أقدم شاب فلسطيني على قتل 3 مستوطنين صهاينة وجرح آخر، في مستوطنة "حلميش" - قرب قرية النبي صالح، غرب رام الله، قبل أن يستشهد.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن تجميد الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي على المستويات كافة، احتجاجاً على الممارسات الإسرائيلية بحق الأقصى والقدس، وهو موقف يعتبر مفصلياً ويتوقع أن يكون له تداعيات خطيرة.
وكان جهاز "الشاباك" قد حذر خلال اجتماع حكومة الإحتلال المصغرة "الكابيت" برئاسة بنيامين نتنياهو، من إبقاء البوابات الالكترونية، والذي عقد على مدى 4 ساعات، واستمرت حتى ساعة متقدمة من فجر أمس، وتقرر إثره الإبقاء على البوابات على الرغم من خطورة تداعياته.
واستشهد الفتى الفلسطيني محمّد محمود شرف (17 عاماً) من منطقة وادي قدوم، برصاصة مباشرة في الرأس أطلقها مستوطن إسرائيلي خلال المواجهات التي اندلعت في حيّ "رأس العامود" بمنطقة جبل المكبر - جنوبي - شرق القدس المحتلة، وأصيب عدد من الشبان بجراح برصاص المستوطن.
وجرى نقل الجثمان إلى "مستشفى المقاصد" في القدس.
كما استشهد الشاب محمّد حسن أبو غنام (20 عاماً) من بلدة الطور بالقدس، برصاصة أطلقها باتجاهه جنود الإحتلال استقرت في جسده، وهو يحمل حجارته الصغيرة، دفاعاً عن الأقصى، ونقل إلى "مستشفى المقاصد" أيضاً.
وأقدمت قوات الإحتلال على اقتحام "مستشفى المقاصد" مرات عدّة، بهدف مصادرة جثماني الشهيدين، وسط إطلاق النار وقنابل الغاز والصوت باتجاه المرضى ورجال الأمن والأطباء، حيث نجح الشبان الفلسطينيون في تهريب جثماني الشهيدين، والحؤول دون احتجاز الإحتلال لهما.
وجرى تشييع جثمان الشهيد شرف في مقبرة السواحرة بمشاركة حاشدة.
فيما شيع جثمان الشهيد غنام مباشرة في مقبرة بلدة الطور، حيث لم تتمكن والدته من مشاهدته، خشية اختطاف الجثمان من قبل قوات الإحتلال.
الوالدة كانت تحتضن قميص ولدها الشهيد، وعلمت بنبأ استشهاد ابنها عبر الهاتف من شقيقتها، استذكرت آخر موقف لها مع ابنها الشهيد، قائلة: "جاءني بالأمس يقول لي: "والله ترفعي رأسك فيا يا أمي بكرة"، وفعلاً رفعت رأسي به، واستشهد والقدس كلها فخورة به".
واستشهد شاب ثالث يدعى محمد لافي (18 عاماً)، إثر اصابته برصاص حي في صدره، أطلقته قوات الإحتلال، خلال المواجهات التي اندلعت في بلدة أبو ديس - شرقي القدس المحتلة، حيث نقل إلى "مجمع فلسطين الطبي".
وأصيب عدد من جنود الإحتلال، إثر تعرضهم للرشق بالحجارة والزجاجات الحارقة خلال مهاجمة المتظاهرين الفلسطينيين.
وليلاً، قتل 3 مستوطنين صهاينة وجرح آخر، في مستوطنة "حلميش" - قرب قرية النبي صالح، غرب رام الله، إثر طعنهم من قبل شاب فلسطيني عمر العبد الله من رام الله، استشهد برصاص الإحتلال الإسرائيلي.
وكتب الشهيد وصيته عبر صفحته على "الفايسبوك" قبل ساعتين من تنفيذ العملية، التي وصفت بالمعقدة، عبارات تدعو إلى شد الرحال إلى الأقصى وتحريره ونصرة القدس، وعبارات للشهادة.
وهرعت سيارات الإسعاف الإسرائيلية إلى المستوطنة، وهبطت طائرة مروحية في المكان، إضافة إلى قدوم تعزيزات كبيرة من قوات الإحتلال إلى المنطقة.
وفي موقف هام، أعلن الرئيس عباس، باسم القيادة الفلسطينية عن تجميد الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي على المستويات كافة، موجهاً النداء إلى "الفصائل، وخاصة "حماس" من أجل توحيد الصف"، ومطالباً "الجميع بوقف المناكفات الإعلامية، وتوحيد البوصلة نحو الأقصى".
وترأس الرئيس عباس في مقر الرئاسة في رام الله بالضفة الغربية، اجتماعاً للقيادة الفلسطينية، ضم: أعضاء اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير" واللجنة المركزية لحركة "فتح"، فضلاً عن الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.
وناقش المجتمعون الوضع السياسي والأمني مع الإحتلال، لا سيما في محيط المسجد الأقصى ومدينة القدس.
وأكد الرئيس عباس أن "مدينة القدس الشرقية، هي العاصمة الأبدية لشعبنا ودولتنا، ولنا السيادة عليها، وعلى مقدساتها، وسنبقى نحميها ونعمل على تحريرها من الإحتلال".
ودعا إلى "عقد جلسة للمجلس المركزي الفلسطيني لوضع التصورات اللازمة، والخطط لحماية مشروعنا الوطني، وحماية حقنا في تقرير المصير والدولة".
وتابع: "مستمرون في تقديم كل ما هو ممكن لتعزيز صمود أهلنا في مدينة القدس، وسنخصص مبلغ 25 مليون دولار جديدة لتعزيز صمودهم".
وتوجه الرئيس بتحية إجلال وإكبار إلى "المرابطين في القدس، على وقفتهم الشجاعة لحماية المسجد الأقصى".
إلى ذلك، شهد قطاع غزة تظاهرات حاشدة بعد صلاة الجمعة بمشاركة الآلاف.
وفي صلاة الجمعة التي أقيمت في المسجد العمري الكبير في غزة، ألقى رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الدكتور إسماعيل هنية خطبة الجمعة، فأكد أن "ما يحدث في القدس منذ عدّة أيام أعاد البوصلة لاتجاهها الصحيح، وأعاد الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني، والتفاته حول ثوابته".
وسجلت مواجهات قرب الشريط الحدودي شرق قطاع غزة، ما أدى إلى إصابة 29 فلسطينياً بحالات إغماء بينهم 6 مسعفين بدخان قنابل الغاز التي أطلقها جنود الإحتلال باتجاه الشبان، الذين انطلقوا في مسيرات بعد صلاة الجمعة.
وكانت قوات الإحتلال، قد نفذت حملة اعتقالات لقياديات فى حركة "فتح" ونشطاء مقدسيين بعد اقتحام منازلهم فى القدس المحتلة، وفي طليعتهم عضوي المجلس الثوري حاتم عبد القادر (مسؤول ملف القدس فى حركة "فتح") وعدنان غيث (أمين سر الحركة في القدس).
ويهدف هذا الإعتداء السافر إلى شل الحركة القيادية في القدس، ولكن المفاجأة للإحتلال كانت بارتفاع وتيرة الرد الفلسطيني على الإجراءات التعسفية.

المصدر :اللواء