تعيش مدينة صيدا أجواء إحياء الذكرى السنوية الحادية عشرة لجريمة اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري (14 شباط 2005)، والاستعداد لإحياء الذكرى السنوية الـ41 لاغتيال الشهيد معروف سعد (26 شباط 1975)، وما بينهما الذكرى السنوية الـ31 لتحرير "عاصمة الجنوب" من الاحتلال الإسرائيلي (16 شباط 1985)...
مناسبات تعمّدت بالدماء الغالية دفاعاً عن المدينة ولبنان والقضايا المطلبية والوطنية اللبنانية والعربية، وفي مقدّمها قضية فلسطين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه التآمرية...
واللافت أنّ صيدا دائماً تدفع الدماء الغالية من قياداتها ورموزها، حيث تسبق أحياناً كثيرة أحداثاً تكون لها تداعيات على الساحة الصيداوية، وامتداداً إلى الساحة اللبنانية، وهو ما أثبتته التجارب السابقة...
وليس بعيداً ومنذ سنوات عدّة هناك مَنْ يُصر على الفتنة واستهداف "عاصمة الجنوب" والجوار، وخاصة مخيّم عين الحلوة، وضرب النسيج الذي تعمّد بالدماء مع العمق الجنوبي، ذي الغالبية الشيعية، وشرقاً حيث تنتشر الغالبية المسيحية...
وفي مثل هذه الأيام من العام 1985، وبعد الاندحار الإسرائيلي عن صيدا، اعتدى أعوان الاحتلال على أبناء المدينة، وكانت حرب شرق صيدا، حيث سقط شهداء وجرحى من أبناء المدينة في مواجهة مؤامرة الفتنة، التي انتهت بتدمير مناطق عدة في شرقي صيدا، ونزوح أهلها قسراً، بعدما عاث وفد من خارج المنطقة فيها فساداً، كانت نتائجه وخيمة على أبناء تلك المنطقة...
وكما نجحت قيادات المدينة في وأد الفتن المتعدّدة، استطاعت في الآونة الأخيرة المحافظة على هذا النموذج، بحيث أصبح يُقتدى به في أماكن أخرى، وجنّب المدينة الكثير من التداعيات، وإنْ كانت قد برزت ظواهر غريبة عن المدينة سرعان ما انتهت، ونجحت الجهود بإعادة وصل ما "تضعضع" وانقطع.
وعلى الرغم من التباين في التوجّهات السياسية للقوى الرئيسية المتواجدة على الساحة الصيداوية، إلا أنّ التواصل الاجتماعي وما فيه مصلحة المدينة، كان قاسماً مشتركاً من أجل النهوض بها، كما في مواجهة الملمات الصعبة.
وفي ظل الحديث عن قرب إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، بدأت حركة خجولة بشأن هذا الاستحقاق، ومرد ذلك إلى أنّ الطامحين للوصول إلى رئاسة وعضوية المجلس البلدي - وهم كثر - ينتظرون قرار القوى الرئيسية المؤثرة في هذا الاستحقاق، وكيف ستكون صورته، معركة، أو تحالفاً، وعلى أي أساس سيتم ذلك، وصولاً إلى أن هناك من لا يزال يراهن على أن هذا الاستحقاق لن يجري في موعده، بل سيُصار إلى تمديد ولاية المجالس البلدية والاختيارية التي تنتهي في أيار 2016.
"لـواء صيدا والجنوب" رصد ما يجري الحديث عنه في بعض الصالونات والجلسات، وهي أمنيات وطموحات وأفكار، يتم تداولها من قبل مَنْ يلتقون، وإن كان كثر يعلمون أنّ القرار ليس بأيديهم.
ينهمك المخاتير والمتابعون لملف الاستحقاق البلدي والاختياري في صيدا بالاطلاع على الأسماء المدرجة على لوائح الشطب ومن سقط سهواً أو بحاجة إلى تعديل لإنجاز ذلك قبل المهلة التي تنتهي بتاريخ 10 آذار 2016.
وتبين في آخر إحصاء لأعداد الناخبين في صيدا للعام 2016، وقبل إجراء التعديلات النهائية، أنّ مَنْ يحق لهم الانتخاب وأتموا الـ21 عاماً (60663: 32034 إناث و28629 ذكور)، علماً بأنه في الاستحقاق السابق في العام 2010، كان عدد الناخبين (54766).
مرشّحون بانتظار تظهير الصورة
تتحكّم العديد من الاعتبارات بالاستحقاق البلدي ليتم تظهير الصورة قبل استكمال المشهد الذي سيكون عليه المجلس البلدي المقبل، وفي مقدمة ذلك:
- كيف ستخوض النائب بهية الحريري و"تيار المستقبل" هذا الاستحقاق، ترشيحاً وتحالفاً، ووفق أي معطيات؟
- ما هي الصيغة التي سيخوض بها أمين عام "التنظيم الشعبي الناصري" الدكتور أسامة سعد والقوى الحليفة هذا الاستحقاق؟
- ماذا ستقرّر "الجماعة الإسلامية" في الاستحقاق المقبل؟
- ما هو قرار رئيس البلدية السابق الدكتور عبد الرحمن البزري بشأن الاستحقاق؟
- هذا فضلاً عن القوى والفاعليات التي لها وجود في المدينة، وإن كانت بنسب متفاوتة.
- ومن المهم أيضاً معرفة من سيترشّح، وما هو البرنامج الانتخابي الذي سيتقدّم به للانتخابات المقبلة، خاصة في ظل إصرار رئيس البلدية الحالي المهندس محمد السعودي على موقفه الرافض إعادة الترشّح لولاية جديدة، أو حتى الاستمرار برئاسة البلدية، إذا ما جرى التمديد للمجالس البلدية والاختيارية؟
في غضون ذلك، فإنّه حتى الآن لا يوجد مرشّحون رسمياً لخوض الانتخابات البلدية في صيدا، لكن كل خطوة أو حركة تؤول، وما يتم تداوله، أو الهمس به، في الشارع الصيداوي، نعرضه بدقته، ودون اعتبار ذلك تأييداً أو تزكية لشخص على حساب آخر، أو اعتبار ذلك أنّه قطع للطريق على ما قد يُعد له، مع أحقية كل صيداوي ورد اسمه على لوائح الشطب بالترشّح، لأن الجميع يعلم بأنّ التحالفات واختيار الأسماء للوائح لها أهلها الذين يحدّدونها.
ومن الأسماء التي يتم التداول بها:
- رئيس "جمعية المقاصد" في صيدا المهندس يوسف النقيب.
- رئيس "جمعية تجار صيدا" وضواحيها علي الشريف.
- رئيس مجلس إدارة "السوق الحرة" محمد زيدان.
- أمين السر السابق لـ"نقابة المهندسين" في بيروت المهندس محمود دندشلي.
- عضو مجلس ادارة "جمعية المقاصد" - صيدا المحامي حسن شمس الدين.
- الرئيس السابق للمجلس الإداري في "جمعية المقاصد" - صيدا الدكتور جودت الددا.
- الأمين العام السابق لـ"جمعية خرّيجي المقاصد" - صيدا المهندس محمد دندشلي.
- عضو المجلس البلدي الحالي الدكتور حازم خضر بديع.
- المهندس نبيل الزعتري.
- المهندس عبد الواحد شهاب.
وهناك مَنْ ينتظر إشارة ما ليبنى على الشيء مقتضاه.
انتخابات العام 2010
وفي العودة إلى الانتخابات البلدية التي شهدتها مدينة صيدا بتاريخ 23 أيار 2010، اتضح أن المدينة كانت بغنى عن معركة وإيجاد شرخ بين أبناء البلدة الواحدة، لأنّه منذ اليوم التالي لإعلان النتائج كانت صيدا على موعد مع طَيْ صفحة تداعيات الانتخابية، واستعادة الاستقلال والهدوء بعد الأحداث التي حصلت خلال يوم الاقتراع وما سبقه، وأدى إلى سقوط جرحى.
ومنذ إعلان النتيجة أكدت النائب الحريري أن "لا أحد انتصر ولا أحد انهزم.. صيدا نجحت.. صيدا حلوة لأن إرادة أهلها مهمة.. نحن أولاد بلد.. ونحن والدكتور أسامة (سعد) أولاد بلد ولا بد أنه في يوم من الأيام نلتقي كلنا سوياً ونعمر هذا البلد سوياً، ونحن وبلدية صيدا والرئيس فؤاد السنيورة وأهل صيدا سننهض بصيدا".
وأشار رئيس البلدية المنتخب محمد السعودي إلى "أنّنا سنعمل على تحقيق مصالحة جميع الأفرقاء، فجميعنا إخوة".
وهذا ما أكدته فاعليات المدينة، التي استفاقت على يوم جديد لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد إلى ما سبقه، حيث كان يمكن تجنّب الفرقة ودخول المدينة في معركة انتخابية، بالتوافق على مجلس بلدي يحقق أمنيات الصيداويين.
لكن هذا الاستحقاق الذي كان يمكن أن يجري توافقاً، طيّرته خفايا ألعاب الشياطين، فعقّدت المشاكل التي واجهت عملية التوافق، الذي فرض خوض المدينة استحقاقاً بلائحتين، وهو أيضاً خيار ديمقراطي.
في ذلك الاستحقاق استطاعت اللائحة التي ترأسها المهندس السعودي وحملت إسم لائحة "الوفاق والإنماء" من الفوز بمقاعد المجلس الـ21، المدعومة من النائب الحريري و"تيار المستقبل"، "الجماعة الإسلامية" والدكتور عبد الرحمن البزري وعائلات، على حساب لائحة "الإرادة الشعبية" التي ترأسها كاتب عدل صيدا السابق عبد الرحمن الأنصاري، وكانت مدعومةً من الدكتور سعد وعدد من الأحزاب والعائلات في المدينة.
وسُجّلت كثافة اقتراع في المدينة بلغت (30789 مقترعاً) من بين (54766 ناخباً) - أي ما نسبته 56.22% في 17 مركزاً ضموا 200 قلم اقتراع بلدي واختياري في 100 غرفة.
ونال رئيس اللائحة الفائزة السعودي (19145 صوتاً)، فيما نال آخر الفائزين من اللائحة محمد السيد (18449 صوتاً).
بينما نال رئيس اللائحة التي لم يحالفها الحظ الأنصاري (9381 صوتاً)، وآخر أعضاء هذه اللائحة نوال صافي (8573 صوتاً).
وما أنْ تسلّم المجلس البلدي مهامه حتى انطلق لتنفيذ المشاريع التي قد وضعها في برنامجه الانتخابي، وفتح صفحة جديدة مع الجميع انطلاقاً من الدور المحوري والأساسي الذي تشكله البلديات على صعيد تقديم الخدمات والإنماء، خاصة أنّ التحديات كانت كبيرة، والمهام الملقاة على عاتق هذا المجلس أيضاً كبيرة.
ونجح المجلس البلدي برئاسة السعودي في ذلك، من خلال تعزيز الشعور لدى المواطن الصيداوي، لأن البلدية هي للجميع وهدفها خدمة الجميع، وأن مصلحة المدينة هي فوق كل اعتبار.
وأصبحت النشاطات التي تحتضنها البلدية تتم بمشاركة غالبية فاعليات المدينة السياسية والروحية والرسمية والحزبية، وكذلك النشاطات التي تقام في المدينة تشارك فيها مختلف فاعلياتها وقواها، خاصة منها الاجتماعية والتربوية والثقافية والإنمائية، انطلاقاً من أن ما يمكن أن يتحقّق من إنجازات يعود بالنفع على المدينة وليس على شخص، وإن كان هو من أمّن هذا المشروع، أو ساهم بتذليل العقبات لضمان نجاحه.
"حديقة السعودي"
وتمكّن المجلس من تحقيق جملة من الإنجازات التي يشهد له بها الجميع، خاصة ما كان يؤرق المدينة على مدى عقود من الزمن وفي طليعتها جبل النفايات الجاثم على مدخلها الجنوبي، والذي تحوّل إلى حديقة عامة مع معالجة النفايات في معمل متخصّص ومتطوّر بتقنيات عالية، هذا في وقت تعاني منه مدن وبلدات أخرى من أزمة النفايات التي تتراكم على جانبي الطرق، وكأنها باتت جزءً من معالم هذه البلدات.
هذا الحلم الذي تحقّق بفضل متابعة دؤوبة من المجلس البلدي برئاسة السعودي وبالتعاون مع نوّاب المدينة، وهو أيضاً ثمرة متابعات لمجالس أخرى من أجل استكمال الملفات المطلوبة، والتي أدّت إلى إزالة القنبلة السامة الموقوتة التي كانت تبعث بالروائح الكريهة وتشكل خطراً بيئياً وصحياً.
والمساحة التي استففيد منها بعد إزالة جبل النفايات، هي 100 ألف متر مربع، منها 65 ألف متر مربع خصّصت مطمراً صحياً، و35 ألف متر مربع للحديقة العامة، حيث علمت "اللـواء" بأنّه سيتم إطلاق إسم المهندس محمد السعودي عليها، وسيُقام حفل افتتاحها خلال شهر نيسان 2016 بمشاركة وزير البيئة الحالي محمد المشنوق ووزير البيئة السابق ناظم الخوري، هذا فضلاً عن فاعليات المدينة وعدد من الشخصيات.
إنجازات
ومن الإنجازات التي جرت في عهد المجلس البلدي الحالي:
- وضع الحجر الأساس لـ"حديقة الملك عبدالله بن عبد العزيز".
- حديقة الشيخ زايد آل نهيان.
- إنجاز الحاجز المائي.
- إنجاز مرفأ المدينة.
- استحداث متحف.
- ترميم القلعتين البحرية والبرية.
- تحرير الشاطئ من مصبات الصرف الصحي وإنجاز محطة تكرير المياه.
- تدشين سوق الخضار الجديد.
- إنشاء بناء المدرسة العمانية.
- سقف ساقية القملة.
- إنجاز الجزء الأكبر من تأهيل الوسط التجاري.
- وضع خطة تشغيلية لـ"المستشفى التركي للحروق والصدمات".
- توسعة طرقات وتعبيدها.
هذا فضلاً عن تسديد كافة المستحقات التي كانت متوجبة على البلدية لصالح شركات ومؤسسات قبل تسلمّ المجلس البلدي الحالي، ووصلت قيمتها إلى أكثر من مليار ونصف المليار ليرة لبنانية.
كما سيتم شراء معدات وآليات للبلدية بقيمة حوالى مليار ونصف المليار ليرة لبنانية.
كذلك علم بأنّ هناك وفراً مالياً يبلغ 8 مليارات ليرة لبنانية، وهو ما يشكل موازنة سنة من موازنات البلدية.
وعلى الرغم مما تحقق، تبقى صيدا بحاجة إلى مشاريع عدّة في مقدمها:
- تشييد فندق.
- إنشاء مركز للطوارئ والدفاع المدني.
بعد 6 سنوات من العمل البلدي، فإن تجربة العمل البلدي في صيدا، نموذج يقتدى بها في زمن تتضاعف فيه الأعباء الملقاة على كاهل المواطنين، حيث نجح الفريق المتجانس في تحقيق العديد من الانجازات من البرنامج الذي وضعه لدى خوضه الاستحقاق الانتخابي، وأصبح متعباً لمن سيأتي من بعده، نظراً إلى الدينامكية الذي أعطت ثماراً إيجابية.
الحديقة العامة في صيدا بعد إزالة جبل النفايات ستحمل إسم المهندس محمد السعودي
رئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي متوسّطاً أعضاء المجلس البلدي بعد تدشين قاعة رفقي أبو ظهر