بدأ الجيش اللبناني عملية تطهير جرود رأس بعلبك والقاع من عناصر تنظيم «داعش» بقرار سياسي داخلي وبدعم من أهالي كلّ المناطق المحاذية، كما بتأييد وتشجيع «حزب الله» الذي أعلن على لسان أمينه العام السيّد حسن نصرالله أنّه «في خدمة الجيش ومعه وبتصرّفه والى جانبه ونريد أن يُحقّق انتصاراً سريعاً وحاسماً». وتشير المعلومات الى أنّ هذه العملية ستنتهي في غضون أسبوع، وإذا حصل ما هو متوقّع فإنّ الحدود اللبنانية مع سوريا من البقاع وعلى طول السلسلة الشرقية ستُصبح محرّرة بالكامل وتعود الى السيادة اللبنانية.
والسؤال الذي يطرحه نفسه هو من الذي سيستلم هذه الحدود، الجيش اللبناني، أم «حزب الله» أم سوف تُطالب الحكومة اللبنانية من الأمم المتحدة بتوسيع مهمة القوة الدولية العاملة في الجنوب «اليونيفيل» لتشمل الحدود البقاعية والشمالية، أو باتخاذ قرار جديد بهذا الشأن؟ وتجيب أوساط ديبلوماسية عليمة أنّ «لا أحد سوف يستلم أمن الحدود سوى الجيش اللبناني. و«حزب الله» عندما قام بتطهير جرود عرسال من عناصر «جبهة النصرة» لم يفعل ذلك بهدف بسط سلطته العسكرية هناك. وقد طالب السيد نصرالله في خطابه الأخير الذي تلا تحرير جرود عرسال من الجيش اللبناني بأن يأتي لاستلامها، وهذا الأمر سيحصل قريباً».
أمّا بعض الأصوات الداخلية التي تعلو مطالبة بضرورة الطلب من الأمم المتحدة نشر قوّات دولية على غرار «اليونيفيل» العاملة في الجنوب، أو توسيع مهمة هذه الأخيرة علماً أنّ ذلك قد يتعارض مع القرار الدولي 1701، فتجد الأوساط نفسها أنّها غير محقّة، وإنّ الأمم المتحدة لن تتجاوب مع مطلب كهذا ولا سيما أنّه ليس من حاجة لوجودها على حدود بلدين عربيين شقيقين لا حرب بينهما. كذلك فإنّه بعد تطهير الجرود كافة تُصبح الحدود اللبنانية نظيفة من أي إرهابيين، فيما المناطق المقابلة لها من الجانب السوري أصبحت أيضاً مستعادة وبيد النظام، من القلمون ويبرود والنبك وصولاً الى القصير وحمص وسواها، ما يجعل الحاجة لقوّات دولية تنتفي كليّاً.
وفي ما يتعلّق بالمنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا أكّدت أنّها ستكون هادئة ومستقرّة بعد التطهير أكثر من السابق، ما يجعل بسط سلطة الجيش اللبناني عليها أمراً سهلاً، وضرورياً بالتالي لمنع حدوث أي تسلّل من قبل أي كان، من جديد. كما أنّ عودة الأمن والاستقرار الى المنطقة المقابلة من الجانب السوري سوف تشجّع النازحين السوريين على العودة اليها، ما دامت حدودها نظيفة كما الداخل، ما يبعث الطمأنينة في نفوسهم لاستعادة حياتهم الطبيعية فيها.
في الوقت نفسه، يُمكن للنازحين السوريين بناء مخيمات مؤقّتة لهم داخل الأراضي السورية التي استعادها النظام من المعارضين، في انتظار الوقف الشامل لإطلاق النار الذي جرى الالتزام به في درعا والقنيطرة والسويداء. كما يمكن لهم أن يختاروا العودة الى المناطق التي تتناسب وانتماءاتهم السياسية، لا سيما إذا ما كانوا من المعارضين للنظام أو حملوا السلاح ضدّ جيشه. علماً أنّ حتى الذين حملوا السلاح ويحملونه قد صدرت مراسيم عفو عنهم من قبل الرئيس السوري بشّار الأسد ودعتهم الى العودة، كما أنّ الكثير منهم قد ألقى السلاح وسُوّيت أوضاعه وبعضهم شارك مع الجيش واستشهد معه.
كذلك فإنّ مناطق آمنة عديدة يستطيع النازحون السوريون العودة اليها منذ الآن، حتى قبل الانتهاء من معركة تطهير جرود رأس بعلبك والقاع، على ما أفادت، لا سيما حلب وحمص ودمشق واللاذقية وطرطوس وسواها. فالحياة هناك تسير بطبيعية، وليس من أي خطر على سلامة النازحين السوريين في حال قرّروا العودة اليها، وخصوصاً أنّ مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين تُشدّد على ضرورة تأمين ظروف العيش للنازحين قبل عودتهم، والواقع أنّها مؤمّنة، على ما أكّدت الأوساط المتابعة نفسها، وليس عليهم سوى اتخاذ القرار بالعودة الى بلادهم.
وفي ما يتعلّق بالبيان الصادر عن مكتب المفوضية في لبنان بشأن العودة من عرسال، علماً أنّ هذه العودة ضمّت مقاتلين من «جبهة النصرة» وعائلاتهم، والذي أكّدت فيه أنّها «ليست جزءاً من الاتفاق الذي تقوم عليه تحرّكات العودة هذه، والمفوضية لا تشارك فيها»، رأت الأوساط أنّه عندما نزح السوريون الى لبنان لم يأخذوا رأي الأمم المتحدة ولا منظماتها. ولهذا فإنّ عودتهم اليوم الى بلادهم لا يجب أن ترتبط لا بالأمم المتحدة ولا بتحرّكاتها أو بقراراتها، لا سيما إذا ما قرّر النازحون العودة الطوعية، أكانت فردية أو جماعية، لضمان أمنهم وسلامة عائلاتهم.
كذلك فإنّ المفوضية لا يمكنها أن تفرّق بين النازحين المدنيين والعسكريين ولا أن تُحقّق في هذا الأمر، ما دامت الغالبية المسجّلة لديها تعرّف عن نفسها بأنّها مدنية، ولهذا فإنّه على الدولة اللبنانية، على ما طالبت، أن تدرس ملفات النازحين الباقين في المخيمات المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة في أسرع وقت ممكن، لكي تقوم بترحيل كلّ الذين ينتمون الى التنظيمات الإرهابية ولا يزالون يختبئون في بعض منها. ومن هنا، فإنّ السماح للعائلات بالعودة مع المقاتلين، هو أمر إنساني بحت، لا علاقة له بوضع النازحين الآخرين.
وكشفت أنّ عودة النازحين السوريين ككلّ الى بلادهم، سوف يجري بحثها على المستوى السياسي الداخلي بشكل جدّي أكثر فور تطهير جرود رأس بعلبك والقاع، وستقوم الحكومة بتكليف مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم، كونه نجح في سائر المهمات الموكلة اليه، أمر التفاوض بالعودة الإنسانية للنازحين مع الجانب السوري بعد أن تكون المناطق الآمنة والمستقرّة قد أصبحت مساحتها الجغرافية شاسعة جدّاً، ومع ضمان تأمين العيش الكريم لهم من الحكومة السورية.
فلا أحد سوف يُجبر النازحون السوريون على العودة الى بلادهم، على ما شدّدت، غير أنّ الأوضاع الآمنة هي التي ستشجّعهم عليها وكذلك حكومتهم التي ستُؤمّن لهم استعادة الحياة الطبيعية، من مساكن وملابس ومدارس واستشفاء وما الى ذلك، على ما وعدت، ولا سيما أنّ الكثير منهم يعاني في لبنان ويقع تحت الديون الطائلة التي لم يعد بمقدورهم تسديدها رغم كلّ المساعدات التي يحصلون عليها. والقرارات لا بدّ وأن يتخذها هؤلاء النازحون في إطار فردي أو جماعي، بحسب رأيها، لما فيه مصلحتهم ومصلحة عائلاتهم، خصوصاً عندما يطلعون على ما يمكن أن تؤمّن لهم دولتهم في مناطق العودة التي يستقرّون فيها في انتظار الحلّ الشامل للأزمة السورية.
واستبعدت الأوساط حصول أي خلاف داخل الحكومة الحالية بشأن نشر قوّات دولية على الحدود اللبنانية - السورية، أو بشأن عودة النازحين السوريين، مشيرة الى أنّ الحلول البديلة جاهزة، ولا خوف من أي تصدّع داخلي خصوصاً بعد الانتصار الذي سجّله «حزب الله» في جرود عرسال، والذي سيسطّره الجيش قريباً في جرود رأس بعلبك والقاع.