تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى الإنقضاض على الإنجازات والإنتصارات التي يحققها الفلسطينيون على أكثر من صعيد.
وليس مصادفةً إعلان انتصار الأسير الصحفي الفلسطيني محمّد القيق على جلاده الصهيوني بإجباره على إطلاق سرحه بعد 94 يوماً من إضرابه المفتوح عن الطعام، بأن ينفذ «الموساد» جريمة إغتيال الأسير الفلسطيني المحرر عمر النايف (52 عاماً) خلال لجوئه إلى السفارة الفلسطينية في صوفيا - بلغاريا.
فقد شكل إغتيال النايف إدانة للكيان الصهيوني الذي إرتكب جهازه الاستخباراتي «الموساد» جريمة متعددة الأوجه، حيث جاءت:
- داخل حرم السفارة الفلسطينية في بلغاريا ما يُشكّل خرقاً للحصانة الدبلوماسية الدولية التي تتمتع بها السفارات.
- تأكيداً من الاحتلال على ملاحقة من يقتل أو يتهم بإرتكاب أعمال تستهدف اسرائيليين، حتى لو مرّت عليها عقودٌ من الزمن.
- أوّل عملية يقوم بها «الموساد» منذ تسلّم يوسي كوهين رئاسة الجهاز (بداية العام 2016) خلفاً للرئيس السابق تايمر بارود.
ولم تخف مصادر مطلعة أن يكون اغتيال النايف، هو ثمرة توطيد العلاقات بين الكيان الصهيوني والسلطات البلغارية، خاصة أنه جرى بعد لقاءٍ عقد قبل ساعات من هذه الجريمة بين رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء البلغاري بويكو بوريسوف، خلال زيارته أمس الأوّل الكيان الإسرائيلي برفقة وزير الخارجية دانييل ميستوف.
ويرتبط نتنياهو وبوريسوف بعلاقة صداقة منذ العام 2009، حين كان الأخير رئيساً للوزراء البلغاري، وسمح باشتراك «الموساد» في تحقيقات حادثة تفجير الأوتوبيس السياحي الإسرائيلي في بلغاريا (16 تموز 2012)، حيث وجهت أصابع الاتهام إلى خلية «حزب الله»، التي اعتقل أفراد منها في بلغاريا وتبين أن نائب قائد الوحدة 910 في «حزب الله» محمّد شوربة، هو الذي كان يزود «الموساد» بمعلومات عن الخلية، قبل أن يعلن الحزب عن اعتقاله أواخر العام 2014.
لقد كان النايف ضحيةً للتعاون الأمني الإسرائيلي - البلغاري، ولكن تبقى الإحتمالات عن طريقة تنفيذ الجريمة التي تتمحور حول:
1- تنفيذ «الموساد» للجريمة وهو ما يتطلّب تسللاً إلى داخل مبنى السفارة الفلسطينية في بلغاريا، والتي هي تحت حراسة أمنية بلغارية!
2- ما هو دور رجال أمن بلغاريين في تسهيل عملية الإغتيال!
3- أن يكون من نفّذ هذه الجريمة على معرفة بالمجني عليه النايف، أو يعرف تفاصيل مبنى السفارة جيّداً!
فقد اغتيل الأسير النايف خلال إقامته داخل السفارة الفلسطينية في صوفيا - بلغاريا، التي لجأ إليها منذ حوالى الشهرين، بعدما جرت ملاحقته من قبل السلطات البلغارية، نتيجة مذكرة من «الإنتربول» الدولي من أجل توقيفه وتسليمه إلى الكيان الإسرائيلي بتهمة المشاركة في قتل مستوطن قبل 27 عاماً.
وأبلغ وكيل وزارة الخارجية الفلسطينية تيسير جرادات «اللواء» أنه عثر على النايف ملقى في حديقة السفارة التي كان قد لجأ إليها، ووجده طاقم السفارة على قيد الحياة، ووجه مغطى بالدماء بعد اصابته بجروح بليغة في الجزء العلوي من جسمه، وجرى استدعاء سيّارة إسعاف، ونقل إلى المستشفى، لكنه توفي أثناء ذلك.
وكشفت مصادر فلسطينية متابعة أن النايف تعرّض إلى ضرب بآلة حادّة على رأسه قبل أن يُعلن عن وفاته.
وقرّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس تشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات اغتيال المناضل النايف، وأعطى تعليمات للجنة التحقيق بالتوجه إلى بلغاريا لكشف ملابسات ما حدث.
وكان المناضل النايف، قد تلقى تهديدات لمرّات عدّة ما اضطّره للإقامة في السفارة على الرغم من أنه يتمتّع بإقامة دائمة في بلغاريا منذ الوصول إليها في العام 1994، حيث تزوّج وأنجب ثلاثة أولاد يحملون مع زوجته الجنسية البلغارية.
وهو من مواليد العام 1963 من بلدة اليامون - غرب مدينة جنين - شمال الضفة الغربية المحتلة، وقيادي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، ونجح بالتوالي من مطاردة الاحتلال الإسرائيلي له إلى أن تمّ اعتقاله في كنيسة القيامة في مدينة القدس المحتلة في نيسان 1986، بذريعة مشاركته في تنفيذ عملية مع شقيقه حمزة وصديقهما سامر المحروم، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبّد، وبعد 4 سنوات من وجوده في السجن أعلن إضراباً عن الطعام استمر 40 يوماً، حيث تمّ نقله إلى أحد مستشفيات مدينة بيت لحم، واستطاع بتاريخ 21 أيار 1990 الهرب من المستشفى والإختفاء إلى حين خروجه من فلسطين المحتلة، حيث عاش متنقلاً بين عددٍ من الدول العربية، إلى أن وصل إلى بلغاريا.
فيما أُطلق سراح شقيقه حمزة ضمن صفقة «وفاء الأحرار» التي جرت بين حركة «حماس» والكيان الصهيوني بواسطة ألمانية في العام 2011.
وتتذرع سلطات الاحتلال بأن قضية النايف فاعلة قانونياً حتى العام 2020، علماً بأنه رفض تسليم نفسه للحكومة البلغارية على اعتبار أن هذا الإجراء غير قانوني، ولأهداف سياسية.
ولدى صدور مذكرة الجلب والتوقيف الصهيوني إلى «الانتربول» وتوجيهها إلى السلطات البلغارية، سعت الأخيرة إلى اعتقاله قبل لجوئه إلى السفارة الفلسطينية كملاذٍ لحمايته من قرار التسليم، حيث تعاملت معه كمناضل يجب الدفاع عنه.
والخطورة في أسلوب اغتيال النايف، أنه الأسلوب ذاته الذي يستخدمه الصهاينة في ملاحقة من اتهموهم بقتل جنود أو مستوطنين، حتى لو تمّ الإفراج عنهم، كما جرى مع أمين عام «حركة الجهاد الإسلامي» في فلسطين الدكتور فتحي الشقاقي، الذي إغتاله «الموساد» في مالطا (26 تشرين الأوّل 1995)، ومع مؤسس حركة «حماس» الشيخ أحمد ياسين الذي إغتيل في غزة (22 آذار 2004)، وعميد الأسرى العرب سمير القنطار الذي إغتيل في جرمانا - سوريا (19 كانون الأوّل 2015).
ومحاولة توقيف النايف شبيهة بالجريمة التي نفذها جهاز الـ«أف.بي.أي» الأميركي بإعتقال المناضل زياد أبو عين في العام 1997 وسجنه في سجن «شيكاغو» قبل تسليمه إلى سلطات الاحتلال بتاريخ 12 كانون الأوّل 1981، والذي صادف أيضاً مع تعمد الاحتلال إلى التغطية على هذه الجريمة بالإعلان عن تطبيق قانون أصدره الكنيست الإسرائيلي بعد يومين، ارتأى فيه ضم الجولان السوري المحتل إلى الكيان الإسرائيلي.
وتكمن أهمية الإصرار الصهيوني على ملاحقة النايف من أجل توقيفه واسترداده، إلى منع الشبان الفلسطينيين من التوجه إلى الدول الأوروبية، بعدما باتوا يشكلون «لوبي» ضاغط ضد الكيان الصهيوني، وهي صورة شبيهة عمّا جرى أيضاً مع قضية أبو عين، حيث هدف الاحتلال إلى «تخويف الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة من الذهاب إلى الولايات المتحدة الأميركية»، وهو ما كان قد أكده وزير العدل الأميركي الأسبق رمزي كلارك في حوار سابق أجريناه معه.