في عالم السينما والتمثيل ثمة وهج وألق كبيران نابعان من أصالة القضية والإيمان بها، والعمل بقوة لصناعة واقع سينمائي يتناول القضايا الوطنية والإجتماعية دون السقوط في التكرار والخطابية العالية والتوجه إلى الجمهور الغربي قبل الجمهور المحلي والعربي لإثارة التساؤلات في ذهنه كي يطلع على الحقائق ويعرف الجلاد الذي يضع القوانين ضد الضحية ويقوم بانتهاكها، وذلك من خلال قصة فيلم " عشر سنين" للمخرج علاء العالول الذي استطاع تحديد نقطة الصراع لتمتد تطوراتها بأسلوب فني توهج إبداعه شكلاً ومضموناً مما يجعله مثالاً ونموذجاً يحتذى به على المستوى الإنساني وعلى المستوى الفني واالموضوعي .
للحديث عن ذلك كان هذا الحوار مع المخرج علاء العالول :
حوار وفاء بهاني
اسمح لي هنا أن أسأل عمّا تريد صناعته بالضبط، وما الذي ترغب بإيصاله إلى الجمهور ؟
في كل مجتمع يعاني من أزمات متراكبة كمجتمعنا ويكون فيه أناس يؤمنون بأحلامهم لا يشدّم سوء الواقع وينظرون لاتساع الأفق الذي تراه عيونهم أنا وغيري ممن يحلمون برؤية حالة سينمائية في غزة لن نعترف بالعجز و بدءنا بصناعة ما نصبو إليه.ونريد إيصال رسالة أن السينما قادرة على تغيير الوعي الجمعي إذا صنعت بأيدٍ مؤمنة بهذا التغيير ..
برأيك إلى اي حد يساهم هذا الحصار في وجود الرؤية والهدف المنّسق وراء صناعة الفيلم ؟
الحصار في حالة تجربتنا إن استسلمنا له فإنه صخرة تتكسر عندها كل المحاولات.. لكن نزلنا للميدان و بيدنا الهدف وليس انعكاسات الحصار.. كان الفريق قادر على تدارك كل العقبات والقصور الذي أنتجه فقر البنية التحتية السينمائية لمقومات أساسية بفعل الحصار كتواجد الكهربا او بناء مواقع تصوير خاصة
هدفنا يذهب باتجاه تشجيع النشاط السينمائي وولفت نظر القطاع الخاص إلى قطاع السينما و أظننا في العرض الافتتاحي للفيلم خصصنا دعوات لهذه الفئة كي نطمئنها على أموالها إذا ذهبت للاستثمار في صناعة فيلم يقوم عليه منفذون جيدون ورؤيتنا الكبيرة هى إجادة تصدير فلسطين للعالم حيث عرض القضية العادلة بكل نزاهة قابلة للتضامن والتعاطف مع صاحب حق وليس مجرد ضحية!
هل لك أن تحدثنا عن فيلمك الجديد، وأعني هنا السيناريو وحبكة الفيلم وكذلك رسم الشخصيات ؟
الفيلم كأي فيلم له بداية و عقدة و نهاية في بداية الفيلم طرحنا التعريف بالشخصيات الأساسية و واوجدنا نقطة الصراع الأساسية و امتدت معنا تطوراتها في ايقاع يرتفع وينخفض يركز على العاطفة وليس سرد الأحداث فقط في منتصف الفيلم الى أن وصلنا للنهاية غير المتوقعة لشخصيات الفيلم التي تقود الصراع أو للجمهور الذي يشاهد . والتي تعبر عن وجهة نظر البطل الاساسي وهى وجهة نظرنا نحن كصناع للفيلم من القضية التي أثيرت .. وفيها تتلخص رسالة الفيلم بأن اسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة وليس القانون والدوبلوماسية مع الفلسطينيين
كذلك حرصنا جدا على تاسيس كل شخصية من حيث الصفات والطبائع والميول والمواهب و الدوافع والاهداف و العلاقات الشخصية التي تحكمهم فيما بينهم .. تعرضنا لكل جوانب الشخصية مع كل عنصر اساسي داخل الفيلم حيث سلطنا الضوء على الابعاد الاجتماعية والخاصة والمهنية لهم .و اختيار الحوار المناسب الذي يخلو من التكرار والمباشرة و الجمود والذي لا يدفع القصة للأمام .
دعنا نعرج على قضية الحصار الإسرائيلي للقطاع وكيف للسينما في قطاع غزة أن تزدهر ومن اين تستمد قوتها في مواجهة هذا الحصار الذي يطال كل مافي الحياة ومن ضمنها مجال السينما والإبداع.
ازدهار أي مجال من مجالات الحياة ربما يحتاج في البداية إلى إيمان البعض بأهميته و نحن أدركنا أهمية السينما في التحدث عن قضايانا الوطنية والاجتماعية فعملنا بكل جهد لحشد الطاقات لتصب في وادي تغيير الواقع دون الاستسلام للصخور التي اعترضتنا .. نعتبر أننا جيل التجريب الذي لا يؤمن كثيرا بالظروف كما هى إنما يسعى لشق ثغرة في جدارها لنرَ النور الذي يساعدنا على مواصلة شق الثغرات
وازدهار السينما في غزة يعني ضرورة وجود رؤوس أموال شجاعة قادرة على الانفاق على التجارب الفيلمية الطويلة .. و تعبئة الجمهور لضرورة تعزيز ثقافة المشاهدة البصرية داخل قاعات مغلقة .. هذان أهم عاملين يمكن لو توافرا أن نشرع بإدارة عجلة الإنتاج.
الى اي حد تساهم السينما الفلسطينية في التعريف بقضية الأسرى الفلسطينيين؟
بشكل خاص فيلمنا لا يناقش بقصته العامة حياة الأسرى داخل المعتقلات .هو جزء من القصة أو خط درامي وجد لتطور الأحداث فيما بعد .. لكن بشكل عام السينما الفلسطينية في مجملها تسقط في التكرار و الخطابية العالية وحضور أكثر من فيلم عن نفس القضية ربما ممل ولا نثق بإبداع المعالجات في الأفلام الوثائقية تم الحديث كثيرا عن قضية الأسرى ولكن في الأفلام الروائية مازال الأمر يحتاج لمضاعفة الجهود ..بعض الاعمال في السينما العالمية كالخلاص من شاوشنك مثلا يندرج تحت قضايا المعتقلين وأصبح أيقونة فلسطين لم تصنع أيقونتها عن هذه القضية بعد .
هل من رسالة توجهها إلى احد من المؤسسات تستطيع أن ترعى وتدعم الفيلم الفلسطيني ؟
على مدار سنوات طويلة لم تستطع مؤسسة وطنية أن تحمل هم تطوير قطاع السينما بالصورة التي تجب ..محاولات ومساهمات من بعض المؤسسات في الضفة و غزة ولكن بجهود متواضعة وبسيطة لا ترقى لدعم تجارب فيلمية طويلة لا توجد مؤسسة فنية قوية وقادرة على حمل هذا اللواء . لذا لا رسائل خاصة نوجهها لأحد بعينه. ورسالتنا العامة أننا بحاجة للمال الوطني الذي يصنع فيلما وطنيا يصفق له الجمهور الغربي قبل المحلي والعربي .. فنحن لا نصنع الافلام لنخاطب انفسنا فقط انما لتحريك الاسئلة واثارتها في ذهن المختلف عنا والذي يقف موقف المنحاز لخصمنا الاسرائيلي
ماهي الصعوبات التي واجهتكم في التصوير وهل هناك اماكن كان ممنوع عليكم دخولها؟
الصعوبات كثيرة لا يمكن الحديث عنها في بضعة أسطر لكن أهمها يكمن في بدء تصوير الفيلم والدور الاساسي غائب . لم نجد امرأة تقوم بتأدية الدور الاساسي 7 محاولات لسيدات ولكن لم يكن لهن نصيب . وبعد شهر ونصف من البدء وجدنا من تأخذ دور "حياة" طبعا الأمر مغامرة أن تبدأ في عمل بطله الرئيسي ليس أمامك لكن تحقق الأمر في النهاية .
التمويل . كان مشكلة حيث لا مصادر متعددة .. عمل فريق الانتاج قرابة 10 شهور بدون أجور عالية .. وكان الهم الاساسي لديهم هو الانفاق على تكلفة المشهد بدءا من أكشن وصولا ل cut
انقطاع الكهرباء والتصوير بين الجمهور وفوضى العليهاشارع كانت كلها عقبات متلاحقة لكن تم بحمد الله السيطرة
كيف بدأت بالعمل على فيلم عشر سنين وماهي انطباعاتك عن السينما الفلسطينية؟
قبل ثلاث سنوات كتبت قصة الفيلم .. و تطويرها لأكثر من مرة كانت عبارة عن فيلم قصير و في يناير 2017 تمت طباعة السيناريو الجاهز للتنفيذ بحوالي 200 مشهد .
قصة الفيلم الأساسية قائمة على عرض وجهة نظر الفلسطيني في استخدام القانون في المحاكم الاسرائيلية ويتبين له أن اسرائيل لا تفهم القوانين ووالقوانين وجدت عندها فقط لتنتهكها .
انطباعي عن السينما .. وجود جيل جديد من الشباب يأمل أن يحرك المياه الراكدة ننظر للموضوع بعين المتفائل . فان لم نستطع رواية قصصنا الوطنية خاصا لن يرويها عنا أحد لذا لا مجال للتشاؤم و يجب العمل بقوة لصناعة واقع سينمائي يحترمه الجميع
هل هناك فكرة لفيلم جديد خصوصا وان المجتمع الفلسطيني مليئ بالقضايا الإنسانية والإجتماعية ؟
الأفكار كثيرة لكن المهم هو نجاح التجربة الأولى لكي نقيس الهدف الذي وضعناه .. وهل من الممكن الاستمرار والتعويل على تجويد الاعمال في غزة حيث تجد تشجيعا من الجمهور او المستثمرين أم ستلاقي رفض .. الواقع مليئ بالقصص لكن كل فيلم يحتاج إلى تكاليف باهظة وهذا ما نرجوه من عشر سنين تقليل العقبات وتذليلها أم توفير المال لصناعة الفيلم لنستمر في انتاج غيره .