الخميس 7 أيلول 2017 07:51 ص

الفلسطينيون والامتحان الصعب في عين الحلوة


* جنوبيات

لا يتوه احد عن الوجهة التي تتركز عليها الانظار، بعد تصفية «امبراطورية» الارهاب في الجرود، والتي تشير الى مخيم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة، بانتظار تبلور ما يدور خلف الكواليس من وقائع ومعطيات تفضي الى الرؤية الافضل لمعالجة ملف الجماعات الاسلامية المتطرفة التي ارتبطت على مدى السنوات الست الماضية بالتنظيمات الارهابية التي تقاتل في سوريا والعراق، والتي تضم في صفوفها عشرات من المطلوبين تورطوا في عمليات ارهابية موصوفة، استهدفت الجيش اللبناني وقوات الامم المتحدة العاملة في الجنوب «اليونفيل»، اضافة الى تفجيرات في مناطق سكنية ومقرات دبلوماسية، بعد ان بات هذا الملف مُثقلا بما لا يمكن تحمله.
...اما وقد شكلت تداعيات ما حملته معارك الجرود التي خاضها الجيش اللبناني... بعد معركة جرود عرسال التي بدأها «حزب الله» واستكملها مع الجيش السوري في القلمون الغربي، فان «شهية» السلطات اللبنانية، السياسية والعسكرية والامنية، مفتوحة على استكمال الحرب الاستباقية ضد التنظيمات الارهابية على امتداد الاراضي اللبنانية، وسط تصدعات داخلية في الساحة الفلسطينية، تُتَرجم مع كل اشتباك مسلح يشهده المخيم، بحال من ارباك يجعل القيادات الفلسطينية عاجزة عن الامساك بالوضع الامني في احياء المخيم.
وتتحمس اوساط قيادية فلسطينية للاجواء المحيطة بالمتابعة اللبنانية - الفلسطينية للملف الامني، للوصول الى صيغة ستجمع بالتأكيد الجانبين اللبناني والفلسطيني، انطلاقا من ان الحل العسكري للجيش اللبناني ليس المفضل لبنانيا ولا فلسطينيا، وتداعياته لا قدرة لاحد على تحملها، لجهة مصير الوجود الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية والاضرار بالعلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية وانعكاس ذلك على المستوى الوطني، فلا احد، ترى الاوساط، يميل الى استنساخ تجربة مخيم نهر البارد، وان كانت الجماعات الاسلامية المتطرفة التي ارتبطت على مدى السنوات الست الماضية بالتنظيمات الارهابية، من خلال «امبراطورية» الجرود في السلسلة الشرقية عند الحدود مع سوريا، قد دفعت لخلق مناخات امنية لفرض «نهر بارد» جديد، لكن لكل مخيم حالته الخاصة ولكل مرحلة ظروفها، ولان في مخيم عين الحلوة اوراق لم تُستنفد بعد، ولان الفصائل والقوى الفلسطينية التي باتت في موقع المتضرر الاول من التأزم الامني المتواصل في المخيم، ما تزال تملك من اوراق القوة، ما يمكنها من لعب دور بارز في «تنظيف» بعض احياء المخيم من المطلوبين اللبنانيين والفلسطينيين الذين تورطوا في عمليات ارهابية، وهؤلاء، يشكلون عبأ امنيا واجتماعيا ثقيلا على المخيم وسكانه، فضلا عن الاعباء الامنية والحياتية للمناطق المجاورة في صيدا وفي محيطها، والاهم في كل ذلك ان هناك تعاونا وتنسيقا بين القيادات الفلسطينية والجيش اللبناني والقيادات السياسية اللبنانية، وهو تعاون يشكل الاساس لحل حل لازمة المخيم الامنية.
مخيم عين الحلوة، القائم منذ العام 1949 على كيلومتر مربع واحد، يشكل البقعة الاكثر ازدحاما للسـكان، حيث يقطن فيه قرابة الـ 70 ألف من اللاجئين الفلسطيـنيين، اُضيف اليهم بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا من المخيمات الفلسـطينية في سوريا، ومئات العـائلات السورية النازحة، التي اقامت في المخيم هربا من اعباء المعيشة والملاحقة من مخالفة قوانين «الاقامة» او «الدخول الى البلاد خلسة»، ويشكل المخيم كوكتيلا من التيارات والفصائل والجماعات والفصائل والهيئات، المتنـوعة الانتماءات والمتعددة الثقافات والايديولوجيات، تبدأ باليسار المتطرف.. ولا تنتهي بالاسلاميين المتطرفين، وما بينهما من تشكيلات حزبية وسياسية، ابرزها مرتبط بمرجعية السلطة الفلسطينية في رام الله ..وآخر مرتبط بمرجعية حكومة غزة «الحمساوية»، فيما هناك الحركات الاسلامية المعتدلة التي بقيت طوال سنوات «الربيع العربي» تحافظ على خطابها الفلسطيني، وجماعات اسلامية متطرفة، اقامت في احياء داخل المخيم لتُلصق عليها شكل «الامارة» التي تُخرِّح شبكات ارهابية تورطت بعمليات في الداخل اللبناني.
المخيم الذي تخيم عليه حال من السبات الامني، بعد جولة دموية جديدة لم تُغيِّر من الواقع الامني بشيء، بل ان تعقيدات مستجدة تركتها معارك الايام السبعة في حي الطيرة، اضيفت الى جعبة التعقيدات الامنية التي يحملها فلسطينيو المخيم منذ سنوات طويلة، من دون اي افق لمعالجة جادة تُخرج المخيم من دائرة التوتير، سيما وان سمة العصر باتت محاربة الارهاب اينما وُجد، كي لا تتكرر تجربة الجرود... وانكسار الدولة التي وجدت نفسها عاجزة امام عملية خطف جنود من الجيش اللبناني، لـتأتي معارك الجرود لتعوِّض بعضا من نكسات الحكومة. 
كما في كل الحسابات الامنية والعسكرية، فان اي حل... لاي قضية، يرتكز الى قاعدة تحقيق الهدف باقل الخسائر، والخسائر هنا على الجميع، وتُقلل الاوساط القيادية الفلسطينية من تصوير الوضع وكأن ساحة الحسم دخلت في العد العكسي ، وتقول.. لا يكفي تشكيل لجان فلسطينية من الفصائل لمتابعة الوضع، لان التجارب تؤكد عقم هذه الطريقة من العمل، المطلوب قرار جدي وجريء يشكل اجماعا فلسطينيا للمعالجة، من خلال ملاحقة المطلوبين بملفات ذات طابع ارهابي، وهم معروفون بالاسم والاقامة، وهناك مطلوبون لبنانيون لجأوا الى المخيم، ليزيدوا من حجم الضغط الامني على المخيم، وهؤلاء ينتمون الى جماعة الشيخ احمد الاسير، وجميعهم شارك في اطلاق النار على الجيش اللبناني في معركة عبرا في حزيران العام 2013، وهناك فضل شاكر المطلوب للقضاء اللبناني على الخلفية نفسها، فضلا عن الارهابي شادي المولوي صاحب الملف الحافل بالتفجيرات الامنية التي استهدفت الجيش اللبناني في طرابلس والشمال، ومع اندلاع الحرب في سوريا، لجأ عدد من السوريين ينتمون الى «جبهة النصرة» اقاموا داخل المربعات الامنية للجماعات الاسلامية المتطرفة، حيث تؤمن لهؤلاء الحماية الامنية.
سياسات «التطنيش» الذي مارسته القوى والفصائل الفلسطينية مع النهج الارهابي للجماعات الاسلامية المتطرفة داخل المخيم، برأي قيادي فلسطيني رفيع، شجع تنامي المجموعات الارهابية في معاقلها داخل المخيم، بعد ان عجزت القيادات الفلسطينية عن وضع حد لها، وتشهد مساجد المخيم عشرات وهي تُبَث عبر مكبرات الصوت بيانات النعي لعشرات من ابناء المخيم، قتلوا وهم يقاتلون في صفوف التنظيمات الارهابية، و«طنَّشت» على فتح جبهات قتالية في «حي الطوارىء» في المخيم، لارباك وحدات الجيش اللبناني خلال معركة عبرا في العام 2013، وعلى مسلسل طويل من الاغتيالات والتفجيرات حصلت داخل المخيم، استهدفت قياديين وكوادر من حركة «فتح»، وعمليات اطلاق النار التي كانت تسجل مع كل عودة لـ «مجاهد» من جبهات القتال الى المخيم، وتعاملت بخفة مع كل جولة اشتباكات تحول احياء المخيم... اليوم، لم يعد بمقدور احد ان يمرِّر «مأثرة» ارهابية جديدة في سجلها الحافل.
ثمة من بات يتعامل مع الملف الامني لمخيم عين الحلوة، انطلاقا من حقيقة ان الهامش يضيق امام اي نوع من انواع المناورة، والجميع امام الامتحان الصعب لانقاذ «عاصمة الشتات» الفلسطيني في عين الحلوة، من مشروع ارهابي جعل من المخيم اسير اجندته، وبالتالي حماية الامن الوطني اللبناني... في محيط بدأ يشهد آخر فصول ارهاب دُمِغ بـ«الربيع العربي»!

المصدر :الديار - محمود زيات