هزّت عملية "نمر القدس" الكيان الإسرائيلي، بمصرع 3 من شرطة حرس الحدود وحرّاس أمن إسرائيليين وإصابة رابع بجراح خطيرة، بإطلاق نار وقع صباح أمس (الثلاثاء) داخل مستوطنة "هار أدار" المُقامة على أراضي بلدتَيْ بدو وبيت سوريك، قرب بلدة قطنة - شمال غرب القدس المحتلة، واستشهد منفّذها الشاب الفلسطيني نمر محمود أحمد الجمل (37 عاماً، من بيت سوريك - شمال غرب القدس) برصاص الإحتلال.
فقد وقعت العملية عند الساعة 07:14 من صباح أمس، حين وصل الجمل إلى البوابة الخلفية للمستوطنة، وكان قد أخفى مسدّساً داخل قميصه، حيث كان يتواجد حرس الحدود وحرّاس الأمن الأربعة، وتأكد إثنان منهم من سريان مفعول تصريح العمل الذي بحوزته، وما أنْ فرغا من ذلك حتى انتشل الجمل مسدسه، وأطلق 10 رصاصات باتجاههم، فقتل ثلاثة على الفور، وأطلق جنود الإحتلال النار باتجاهه، فاستُشهد، فيما أصاب رصاصهم الجندي الرابع بجراح، وهو عربي الأصل، وعلى الفور هرعت إلى المكان قوّات كبيرة من شرطة وجيش الإحتلال وسيارات الإسعاف.
وطرحت العملية ودقّة تنفيذها، تساؤلات حول كيف استطاع فلسطيني واحد أنْ يقتل 3 جنود إسرائيليين بمسدّس قديم صدئ، كان قد سُرِق قبل 10 سنوات من معسكر للإحتلال؟
وأظهرت عملية القدس أنّها كانت على مستوى عالٍ من التخطيط والتنفيذ، ونُفّذت بشكل خاطف استغرقت بين 4-5 ثوانِ، من مسافة صفر، حيث أطلق رصاصات مسدسه من مسافة 3 أمتار فقط باتجاه القلب، ولم يرتبك بتاتاً خلال ذلك، بل قام بطعن الجنود، ما يُظهِر أنّه ذو مهارة عالية.
وفتحت هذه العملية باباً واسعاً من التساؤلات حول احتمال ارتفاع وتيرتها جرّاء الممارسات التعسّفية الإسرائيلية، وتوغّل المستوطنين، وفشل كافة الإجراءات الأمنية التي اتُّخِذَتْ بالحد من تنفيذ العمليات الفدائية، التي يقرّر فيها الفلسطيني موعد وطريقة وأسلوب ومكان التنفيذ، حتى لو لم تكن له أي ارتباطات حزبية، وهو ما اعترف به العدو بأنّ الشهيد الجمل غير منتمٍ إلى أي تنظيم، ولم يكن إسمه مدرجاً على لوائح "الشاباك"، وهذا يؤكد أنّ جذوة النضال الفلسطيني مستمرة بأساليب متعدّدة، حيث يفتدي الشباب وطنه وشعبه، وهو يعلم تماماً أنّ الإحتلال سيمارس شتى أنواع الاعتداء والاعتقال والتضييق على عائلته، وهدم منزله، ورغم ذلك يمضي قدماً في الفداء من أجل فلسطين.
وكشفت مصادر إسرائيلية عن هوية اثنين من قتلى العملية أحدهما يُدعى سليمان غباريا (أثيوبي الأصل، ويبلغ 20 عاماً) وهو ضابط في حرس الحدود الإسرائيلي، ومن سكان بئر يعقوب، والآخر يدعى يوسف عثمان (من قرية أبو غوش)، فيما نُقِلَ الجريح إلى "مستشفى هداسا"، وخضع لعملية جراحية.
وإثر العملية، استنفرت قوّات الإحتلال في موقعها بالقدس، وأغلقت المنطقة المحيطة بالمستوطنة، وأقدمت على اقتحام قرية بيت سوريك، وداهمت منزل منفّذ العملية، وسط إطلاق قنابل الغاز والصوت في البلدة، حيث اعتقلت شقيقه مدحت، ونقلته إلى التحقيق لدى جهاز المخابرات، كما اعتقلت شقيقين آخرين للشهيد يعملان في المستوطنة، وأوقفت جميع أبناء القرية الذين يعملون في المستوطنة، وأخضعتهم للتحقيق، مانعة خروجهم منها.
وأخضعت عائلة الشهيد للتحقيق، فيما عاثت خراباً ودماراً في المنزل، وحطمت الأثاث، واندلعت مواجهات بين الشبّان وقوّات الإحتلال في قرية بدّو- شمال غرب القدس، التي قدم منها منفّذ العملية،
كما اعتقل جهاز "الشاباك" 3 فلسطينيين على علاقة بمنفِّذ العملية، وأجرى تحقيقات معهم لمعرفة ما إذا كانت لهم علاقة بها.
وقامت قوّات الإحتلال باعتقال 17 مواطناً فلسطينياً من محافظات الضفة فجر أمس بعد عملية دهم وتفتيش.
وفي ردّه على العملية، هدّد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو "بهدم منزل عائلة (الشهيد) منفّذ عملية القدس، حيث توجّه الجيش إلى قريته لهدم المنزل، وسيتم سحب تصاريح العمل من كافة أفراد عائلته الممتدة".
واتهم نتنياهو، في مستهل الاجتماع الوزاري الأسبوعي "السلطة الفلسطينية بأنّها السبب وراء هذه العملية"، نتيجة ما وصفه بـ"التحريض الممنهج"، قائلاً: "أتوقع من الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" أنْ يُدين العملية".
وأشار نتنياهو بالقول: "سنستعد لاحتمال أن يكون هذا نمط جديد من العمليات".
من جهته، أوضح وزير الأمن الإسرائيلي جلعاد أردان أنّ "الاستنتاجات الأولية تشير إلى أنّ منفّذ العملية لا ينتمي لتنظيم، وأنه لم يكن لدى "الشاباك" معرفة بنيته تنفيذ العملية".
وقال: "سنستمر في تقييم الوضع في ما يتعلق باستمرارية منح العمال الفلسطينيين تصاريح عمل في "إسرائيل" من عدمه".
بدورها، دعت نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي نافا بوكر، لإلقاء جثمان منفّذ العملية الشهيد نمر أحمد في البحر.
وقالت: "يجب أنْ نمنع دفن جثمانه، ويجب إلقاء الجثمان بالبحر، وهدم منزله وطرد عائلته، وبهذه الطريقة سنرى أنه سيتم منع الأسر الفلسطينية من تشجيع أبنائها على تنفيذ عمليات"، مشيرة إلى أنه "تم تقديم مشروع قانون خاص يقضي بـطرد عائلات منفذي العمليات، وسيصدر القرار قريباً".
وأشادت الفصائل والقوى الفلسطينية بالعملية البطولية، مؤكدة أنّها "تفتح مرحلة جديدة في مسيرة انتفاضة القدس، وأنّ دماء الشهيد هي رسالة بأن القدس ودماء الشهداء توحدنا والمقاومة هي خيار شعبنا للثأر وكنس الإحتلال".
والشهيد نمر متزوّج وأب لأربعة أطفال أكبرهم براء ويبلغ من العمر (10 أعوام)، أما أصغرهم فيبلغ من العمر (4 أعوام)، ومعروف عنه بهدوئه وأدبه.
وهو لاعب كمال أجسام، ومن الرياضيين المعروفين في بلدة بيت سوريك، ويحظى بحب واحترام أهالي البلدة، وتُعرف عنه مساعدته للناس، كما أنّ وضعه الاقتصادي يعتبر ممتازاً جداً، فهو يعمل منذ سنوات طويلة.
وكان نمر قد أرسل رسالة إلى زوجته من هاتفه الخلوي، يطالبها فيها بـ"ضرورة العودة إلى أرض الوطن"، مؤكداً أنه "يعتزم القيام بأمر ما"، دون تبيان هدفه، وطالب في الرسالة الجميع "مسامحته".
وحاولت وسائل إعلام العدو الإيحاء بأنّ الشهيد الجمل "يائس" وهناك خلافات مع زوجته، لكن أقاربه وجيرانه، نفوا صحة الشائعات، مؤكدين أنّ "الزوجة غادرت إلى الأردن لزيارة أحد أقاربها المرضى، وأن العلاقة بين الزوجين كانت عادية جداً، وأن سلطات الإحتلال تسعى إلى تشويه صورة الشهيد، وتشويه عمليته الفدائية".
ولعل الرد الأبرز على ذلك، هو الرسالة التي وجّهتها له ابنته لين، أعربت فيها عن حبها له "لأنّه الأب الحنون"، وأظهرت وعياً وثقافة وبلاغة حين خاطبت رئيس وزراء العدو بالقول: "أيها النتنياهو، أتعتقد بأنّ أباً حنوناً يهوى الموت؟، لولا أنّكم أرغمتموه على قتلكم بظلمكم وقتلكم ووحشيتكم، الحرية لا تتجزّأ، والحنون حنون على أرضه وشعبه قبل عياله، رحمة الله عليك يا حنون، فأنت اليوم عند الحنّان عند رب العزّة في الجنان".
منفِّذ العملية الشهيد نمر الجمل