الأربعاء 27 أيلول 2017 13:42 م |
بالصور.. فضيحة سد بلعة! |
عندما صدر قرار انشاء سد بلعة، أعلن وزير الطاقة جبران باسيل حينها أن الهدف منه تأمين المياه اللازمة للشرب والري والاستعمال المنزلي لقرى جرد البترون. فلماذا تبين أن هذا الهدف كان من اساسه غير قابل للتحقيق، ولماذا تحول مشروع بناء السد إلى كارثة بيئية؟ وما هي الأضرار الناجمة عنه بالأرقام. أثناء تحضير الدراسات اللازمة لمشروع السد، نبه المهندس الدكتور نزار يونس من حتمية فشل بنائه في الموقع المخصص له، لان منطقة البناء معروفة بمنطقة "بواليع بلعة" لكونها تحتوي على عدد من البواليع القائمة على مساحة كبيرة من المياه الجوفية. وبالتالي فإن الأرضية والتربة التي سيتم بناء السد عليها، هي تربة متحركة ومهما جرى تدعيمها بالصخور فإن أي حركة جيولوجبة لتلك الأرض ستؤدي حتما إلى تصدعها وفقدان منسوب المياه منها. وهذا ما يعني تحديدا استحالة إقامة السد في المنطقة المخصصة له. لم يستوقف كلام يونس هذا المسؤولين عن وزارة الطاقة الذين لم يعيروه اي اهتمام. بل ساروا قدما في تخصيص اعتمادات مالية لتنفيذه، وجرى استملاك الاراضي اللازمة له بأسعار عالية جدا. وكثر حينها الكلام عن تلك المنطقة المصابة بالشح في المياه، الأمر الذي يمنع استثمار الاراضي واستصلاحها، ويساهم بقوة في حركة النزوح من الريف إلى المدن الساحلية, كما يبقي تلك المنطقة في دائرة التخلف الإنمائي. تحت هذه العناوين التنموية والانسانية، تعامى المسؤولون عن عدم صلاحية الاراضي المذكورة لبناء السد، وساروا في طريق تنفيذه غير آبهين بالعواقب. وخلال مراحل التنفيذ بدأت محاولات إنقاذ بناء السد من الفشل. فتبين ان الحاجة إلى الصخور اللازمة لصلابة أرضية السد، ولحيلولتها دون إعادة تصدع القشرة الأرضية وتسرب المياه المخزنة إلى الجوف ضرورية. فبدأ المهندسون بصب ارضيات اسمنتية تعلوها طبقة من الحديد ثم طبقة من الصخور، ثم طبقة جديدة من الاسمنت تليها أيضا طبقة من الصخور. وتبين أن حاجة أرضية السد من الصخر تفوق المليون متر مكعب. كما أن نوعية الصخور المطلوبة غير متوفرة كميا في بقعة واحدة، ما يعني أن استخراجها سيكون من عدة أماكن. عند هذا الحد تعالت أصوات الناشطين البيئيين الحريصين على طبيعة المنطقة، بعدما تبين لهم ان استخراج المليون متر مكعب من الصخر سيتسبب بتشويه مساحة 700.000 متر مربع من الطبيعة. لكن إدارة السد اعتمدت خطة لاستخراج الصخر عبر شق طريق جديدة للسد في وسط الجبل المواجه له، اي بمحاذاة بالوع بلعة الرئيسي الذي يعتبر من اهم المعالم السياحية في لبنان. لكن الطريق المنشود شقها، تلحق ضررا بالحركة السياحية المرتبطة بالبالوع الأثري الكبير. وبالموازاة، لم يكن أمام بلدية شاتين التي تقع بلعة في نطاقها، إلا الموافقة على شق الطريق بهدف الاستفادة السياحية من السد الذي أصبح أمرا واقعا. بعض النظر عن نجاح بنائه أو عدمه. إزاء عدم كفاية كمية الصخر المطلوبة من منطقة بلعة، بدأت إدارة المشروع تبحث عن طريق شركة معوض واده للمقاولات، في شق طريق أخرى بغية الاستفادة من صخورها، في منطقة العاقورة وتحديدا في بقعة تسمى مرج ريما، لكن هذه الخطوة لم تسلم من اعتراض الناشطين البيئيين في البلدة، الذين تواجهوا مع بلدية العاقورة التي لم ترفض البحث في عرض شركة المقاولات. وبلغ الانقسام بينها وبين المعترضين على شق الطريق المذكورة حد اتخاذ تدابير قانونية بحق الصحفيين والأفراد الذين باتوا يطلقون مواقفهم الاعتراضية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. اما موقف بلدية تنورين من هذه القضية فكان الأسلم بيئيا من بين المواقف. فرئيسها المهندس بهاء حرب قارب الموضوع من زاوية مدى استفادة بلدته من شق الطريق، بالتلازم مع عدم السماح بالحاق اي ضرر بيئي بها. فاشترط على شركة المقاولات ان يتم شق الطريق في خراج الجرد بعيدا عن الاراضي الزراعية والأماكن السكنية، لتصل إلى السد من جهة اللقلوق. على ان تتقاضى البلدية مبلغ دولار ونصف عن كل متر من الصخر المستخرج. في المحصلة تمخضت تطورات وتعثرات بناء سد بلعة، عن مجموعة أسئلة وتساؤلات ينبغي على المعنيين ببناء السد الإجابة عليها: "اولا, لماذا تم انفاق 60 مليون دولار أميركي لغاية اليوم، لبناء سد يبلغ منسوب مياهه مليوني متر مكعب، فيما كان بالإمكان تأمين هذه الكمية من المياه عبر حفر خزان ترابي كبير بكلفة تعتبر رمزية أمام الكلفة الرسمية الباهظة جدا لبناء السد الاسمنتي الجديد. ثانيا, لماذا تجاهلت إدارة المشروع تحذيرات المهندسين من عدم قابلية الأراض المخصصة له، لبناء سد ناجح بمواصفات كاملة. ومعايير معتمدة دوليا. ثالثا, لماذا اخفت ادارة المشروع الرقم الحقيقي لمنسوب الري الناجم عن تخزين مياه السد، عن أبناء وبلديات قرى الجرد، فيما ان الكمية الحقيقية للتخزين لن تفوق المليوني متر مكعب، ما يعني عجزها عن اكفاء منطقة تنورين وحدها من الشرب والري. رابعا, ما هي نسبة الاستفادة التنموية لمنطقة جرد البترون من مشروع السد، مقابل الاستفادة السياسية الانتخابية للطرف المعني ببنائه. لا شك أن مجمل هذه التساؤلات استحوذت على اهتمام ابناء شاتين وتنورين والعاقورة، ولا شك أن مسارا اعتراضيا تصاعديا شعبيا بدأت ترتسم ملامحه في أجواء تلك القرى، والذي بدأت خطواته مع تنادي شباب بلدة العاقورة للتصدي لمشروع سيؤدي الى تشويه بيئة وطبيعة بلدتهم، من اي استفادة مقابلة لابناء العاقورة سواء زراعيا او سياحيا حتى تتم التضحية بمساحة 700 ألف متر مربع من جمال الطبيعة في العاقورة. وعقد ليل قبل امس اجتماع ضم ناشطين من بلعة وتنورين والعاقورة في منزل الدكتور غسان جرمانوس، وتم التداول بالخطوات اللازمة لحشد أبناء القرى الثلاث في حركة اعتراضية شعبية وإعلامية ضمن موقف موحد. كما تم تشكيل فريق لاثارة هذا الملف عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بغية تأمين المعلومات الخاصة به لكل أبناء القرى المذكورة.
المصدر :"ليبانون ديبايت" - انطون الخوري حرب: |