صُدِمَ الشارع الصيداوي خصوصاً واللبناني عموماً، بفداحة الفوضى التي شهدتها مدينة صيدا، والتي ظهر فيها السلاح المتفلّت بكثافة، وجرأة الشلل "المافياوية" التي تتقاسم نفوذ المصالح والمنافع، على حساب هيبة الدولة وسلطة القانون وأمن واستقرار وسلامة أرواح وممتلكات أهالي عاصمة الجنوب الآمنين.
إشكال سبقه آخر منذ أشهر عدّة أدّى إلى سقوط جرحى، لكن ليلة أمس الأوّل، تطوّر الإشكال إلى إقدام مجموعة مسلّحة على استباحة الأمن وإزهاق أرواح مواطنين، وترويع الأطفال والنساء والشيوخ وكشف حجم الاحتقان الخطير الذي تعيشه مدينة صيدا، والتي بدت كأنّها تعيش فوق "فوهة بركان" يغلي من الاحتقان السياسي والأمني والاجتماعي.
توتّر كشف "هشاشة الأمن" المتراخي في مدينة حسّاسة مثل صيدا، حيث كان من المفترض التنبّه إلى مثل هذه الإشكالات بالإجراءات الاستباقية التي يتغنّى بها المسؤولون الأمنيون، وعدم تدخّل بعض السياسيين بواسطة لإطلاق سراح موقوفين أو تأمين الحماية لمطلوبين.
في طرفة عين تحوّلت شوارع المدينة إلى ساحة حرب حقيقية، بين شلل وعصابات مسلّحة، أحرقت الأخضر واليابس، وجعلت الناس تُبدي خشية الأمل بدولة حقيقية يشعر فيها الناس أنّهم آمنون على أرواحهم وأرزاقهم.
ميدانياً، عاد الهدوء إلى أحياء مدينة صيدا بعد الحادث الأمني الذي شهدته ليل أمس الاول، بين عدد من أصحاب مولّدات الاشتراكات الكهربائية، والذي أسفر عن سقوط الضحيتين إبراهيم الجنزوري وسراج الأسود وعدد من الجرحى وإحراق مقاهٍ ومحلات تجارية وخلق حالة ذعر.
فقد استفاقت مدينة صيدا صباحاً على انتشار عناصر قوى الأمن الداخلي في الساحات العامة، مسيّرة دوريات راجلة ومؤللة في شوارع المدينة، ولوحظ تأثّر الحركة التجارية سلباً وتراجعاً في حركة المتسوّقين فيما بدت حركة الشوارع والسيارات خفيفة جداً.
وعزّزت القوى الأمنية إجراءاتها في أحياء صيدا القديمة وعند مداخلها لجهة باب السراي، لحفظ الأمن، مع تشييع الضحيتين الجنزوري والأسود، حيث صُلِّيَ على جثمانيهما في المسجد العمري الكبير، قبل أنْ يواريا الثرى في مقبرة صيدا الجديدة في سيروب.
وقضائياً، تابع النائب العام الإستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان القضية، فطلب من الأجهزة الأمنية ملاحقة المتورّطين بإطلاق النار والفوضى وتوقيفهم تمهيداً لإحالتهم على القضاء المختص.
وألقت مخابرات الجيش القبض على جميع المتسبّبين بالإشكال والمتهمين بإطلاق النار ومن بينهم عمر شحاده.
ووزّعت مديرية التوجيه في قيادة الجيش اللبناني، بياناً جاء فيه إنّه "نتيجة الإشكال الّذي حصل ليل أمس (أمس الأول) في مدينة صيدا، والذي أدّى إلى مقتل شخصين وجرح آخرين، أوقفت مديرية المخابرات مطلق النار الفلسطيني عمر أحمد شحادة، والمشاركين: المواطن عبد الحسين صالح، والفلسطينيين: مصطفى شحادة وشقيقه أحمد، محمود أبو راشد، ابراهيم الفران، أياد وهبة".
وأشارت مديرية التوجيه في البيان إلى أنّه "تمّ ضبط عدد من الأجهزة الخليوية وكاميرا، بالإضافة إلى ذخائر وأعتدة عسكرية مختلفة"، لافتةً إلى أنّ "الموقوفون أُحيلوا مع المضبوطات إلى المراجع المختصّة".
مجلس الأمن الفرعي
* وعقد مجلس الأمن الفرعي لمحافظة لبنان الجنوبي اجتماعاً استثنائياً في قاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري بالسراي الحكومي بصيدا، برئاسة محافظ الجنوب منصور ضو، وحضور النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان والقادة الأمنيين والعسكريين ورئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي، وجرى بحث "قضية السلاح المتفلّت إثر الإشكال الذي حصل في مدينة صيدا ليل أمس الأول، وفي تنظيم عمل المولّدات ووضع ضوابط قانونية حرصاً على عدم تكرار ما حدث.
وأصدر المجلس بياناً أكد فيه "توقيف مفتعلي أعمال الشغب التي حصلت بعد ارتكاب الجريمة وملاحقتهم واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، والطلب الى المواطنين الى عدم الإنجرار في ردات الفعل وترك الموضوع الى الأجهزة الأمنية المختصة".
ودعا المجلس "بلدية صيدا لإعادة النظر في آلية عمل المولدات الكهربائية الخاصة وفقا لقواعد وإجراءات جديدة من شأنها أنْ تمنع في المستقبل حدوث أي إشكال أو نزاع".
وأبقى المجلس اجتماعاته مفتوحة لمواكبة أي تطوّر أمني قد يحدث.
النائب الحريري
وقامت النائب بهية الحريري بسلسلة لقاءات واتصالات مع فاعليات روحية ورسمية وأمنية وعسكرية وبلدية، فزارت مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان في دار الإفتاء، وأكدا "استنكار ما جرى، ورفضا ظاهرة السلاح المتفلت التي بات تفاقمها يهدّد أمن وسلامة القاطنين في المدينة"، منوّهين "بجهود القوى الأمنية والعسكرية في توقيف مطلقي النار والمتسببين بالإشكال".
وقال المفتي سوسان: "إنّ صيدا كانت وما زالت تراهن على قيام الدولة القوية العادلة التي تحقّق للمواطن الأمن والاستقرار وتساعده في صعوبة الحياة وتحميه من كل اعتداء، المدينة تشعر الآن نتيجة ما حصل وما يمكن ان يحصل بأن الدولة بعيدة عنها وان المواطن فعلاً يحتاح الى الحماية لنفسه ولأولاده ولممتلكاته ولعرضه"، مؤكداً أنّ "صيدا ما غابت يوما عن أداء واجبها، وهي تطالب اليوم كل المسؤولين بأن يشعروا مع الناس الذين يعيشون بقلق وخوف وعدم استقرار، فالسلاح يتواجد بكثرة في الشوارع عند أي حادثة صغيرة او كبيرة وهذا غير مقبول، ويحتاج الى ان تشد الدولة أمرها وتكون موجودة في الساحات والميادين حتى يتحقق الاستقرار وللناس جميعاً الذين اذا سألتهم قالوا لك اننا نعيش في بلد لا تحكمه دولة".
وزارت النائب الحريري مركز "الجماعة الإسلامية" في المدينة والتقت نائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الدكتور بسام حمود والمسؤول التنظيمي في الجنوب الشيخ مصطفى الحريري، وطالب المجتمعون "الأجهزة الأمنية والعسكرية بوضع حد للسلاح غير الشرعي وفرض الأمن والنظام الذي يتساوى تحت مظلته الجميع".
وانضمّت النائب الحريري إلى اجتماع عُقِدَ في مكتب قائد منطقة الجنوب الإقليمية في الدرك العميد سمير شحادة، ضمّه إلى محافظ الجنوب منصور ضو، ورئيس بلدية صيدا المهندس محمد السعودي، وعدد من القادة الأمنيين، خصص لتدارس أوضاع المدينة في ضوء ما جرى.
وأجرت النائب الحريري اتصالات بكل من رئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد فوزي حمادي، ورئيس مكتب مخابرات الجيش في صيدا العميد ممدوح صعب، ورئيس "جمعية تجار صيدا وضواحيها" علي الشريف.
وقالت النائب الحريري في بيان لها: "لا يمكن النظر الى ما شهدته صيدا على أنّه إشكال عابر أو حادث فردي تطوّر إلى أحداث، بل هو اعتداء سافر وخطير على امن المدينة من قبل حفنة من "المافيات" المسلحة التي باتت تستبيح أحياءها في لياليها ونهارها، وتتحدى إرادة أهلها بالحياة والعيش بأمان وطمأنينة"، معتبرة "ما جرى يظهر مدى تفشي ظاهرتين متلازمتين، هما: السلاح المتفلت الملتبس التسمية والوظيفة والدور، والخارج على سلطة الدولة والذي لم يكن يوماً ولن يكون إلا مصدر تهديد وترهيب وأداة لتعميم الفوضى والتعرض لأرواح وسلامة المواطنين، متستراً بعناوين وتسميات تمنحه الغطاء والحماية والإفلات من أي ضوابط، والظاهرة الثانية هي "مافيا" بعض أصحاب المولدات الذين يحاولون فرض سطوتهم ومولداتهم على المواطنين وتقاسم النفوذ الكهربائي في هذا الحي او ذاك".
وأعلنت عن "أنّنا كنّا ولا نزال وسنبقى رافضين لأخذ المدينة رهينة في امنها واستقرارها لأي سلاح متفلت من هنا أو نفوذ متفلت من هناك، ونقول ان صيدا لن تقبل بعد اليوم باستمرار هذه الظاهرة ونطالب القوى الأمنية والعسكرية والقضاء المختص بملاحقة وضبط وتوقيف كل من يستسهل حمل السلاح واطلاق النار والاستهانة بحياة المواطنين".
السنيورة
*وأبدى رئيس كتلة "المستقبل" النيابية الرئيس فؤاد السنيورة استنكاره وألمه الشديد للأحداث الأمنية العبثية والمدمرة التي سقط بنتيجتها قتلى وجرحى، في بعض شوارع مدينة صيدا، والتي تُدلِّلُ على مدى الاستخفاف في استباحة أمن المدينة وفي تهديد حياة أبنائها من قبل جماعات، أصبحت تستسهل اللجوء إلى العنف، وتتعمد استعمال السلاح، وارتكاب جرائم القتل، والاعتداء على أمن سكان المدينة، وتستند إلى من يحميها وتعتمد على من يقف من ورائِها".
وكان الرئيس السنيورة أجرى سلسلة اتصالات لمتابعةٍ مستمرة ودقيقة لتطور الأوضاع ومع العميد شحادة والمهندس السعودي، والمحافظ ضو، والمفتي سوسان، لعودة الامور الى طبيعتها، ومنع تكرار مثل هذه الأحداث المخلّة بأمن وسمعة المدينة".
النائب عسيران
* واعتبر عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب علي عسيران أن "السلاح المتفلت أخذ بقتل المجتمع، وان أحداثا كالتي حصلت في صيدا ومختلف انحاء البلاد، ما هي الا قتل للمجتمع"، داعيا الى "الاحتكام الى العقل والابتعاد عن فوضى السلاح المتفلت، لاننا نعيش في دولة وفي ظل القانون وليس في شريعة غاب".
وقال النائب عسيران: "لم يعد يجدي الكلام بان المطلوب رفع الغطاء عمن يحمل السلاح وعن اي كان، بل ان تطبيق القانون هو الاساس وهو ملح الارض، واذا لم نقم بترتيب بيتنا الداخلي، فإننا ذاهبون للمزيد من الخراب والدمار الاقتصادي والاجتماعي والعمراني".
مواقف مندّدة
*كما استنكر الأمين العام لـ"التنظيم الشعبي الناصري" الدكتور أسامة سعد، وإمام "مسجد القدس" في صيدا الشيخ ماهر حمود الحادث المؤسف وإطلاق النار وسقوط ضحايا، طالباً "الجيش والقوى الأمنية بضبط الوضع والقبض على المتسببين الجناة".
* وأصدرت "الجماعة الإسلامية" بياناً اعتبرت فيه أنّ "فلتان وانتشار الشلل المسلحة واستباحة شوارع المدينة وترويع للناس الآمنين ، يطرح التساؤلات عن المستفيد من حالة الانفلات الامني والتهاون في انتشار السرايا المسلحة ومن يغطيها ومن يمولها ومن يحميها!!! حتى بات اصحاب السوابق والخارجون عن القانون و"المافيات" يصولون ويجولون ويعتدون ويمارسون عمليات البلطجة وكأنهم فوق القانون والمحاسبة والمساءلة!
ودعت "الجماعة" القوى الامنية والعسكرية والاجهزة القضائية "لتقوم بدورها في حماية المواطنين وفرض الأمن وتوقيف كل المتورطين وإنهاء ظاهرة فلتان السلاح والتساهل مع حامليه قبل وصول الناس الى مرحلة اليأس والانفجار".
*وأكد منسق عام "تيار المستقبل" في الجنوب الدكتور ناصر حمود في بيان "أن ما جرى هو نتيجة السلاح غير الشرعي المتفلت بأيدي مجموعات تقوم بترويع المواطنين من اجل تنافس على فرض نفوذها في المدينة"، مطالباً "بتوقيف مفتعلي الأشكال وتكثيف جهودها بملاحقة وتوقيف كل من يثبت تورطهم بإطلاق النار، ورفع الغطاء عنهم وهم معروفون بالأسماء، والضرب بيد من حديد من اجل تثبيت الأمن والاستقرار في مدينة صيدا وردع كل من تخول له نفسه العبث بأمنها...
* ودعا "تيار الفجر" الجهات اﻷمنية المعنية الى "اتخاذ اﻻجراءات الكفيلة بضبط الوضع اﻷمني وعدم السماح بتكرار مثل هذا الحادث المؤسف، لقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر".
النائب الحريري ملتقية المفتي سوسان
المحافظ ضو مترئساً اجتماع مجلس الأمن الفرعي في الجنوب
خلال تشييع جثمانَيْ الجنزوري والأسود في صيدا القديمة
إقفال شهدته بعض أحياء مدينة صيدا