السبت 14 تشرين الأول 2017 10:23 ص

عز الدين زارت مقر اليونيفيل: الحفاظ على استقرار الجنوب لا يكون بغض النظر عن الانتهاكات بل بموقف فعال وجدي من الامم المتحدة


* جنوبيات

أكدت وزيرة الدولة لشوؤن التنمية الادارية عناية عز الدين خلال زيارة للمقر العام ل"اليونيفيل" في الناقورة، أنه "رغم أن الجنوب ينعم منذ حرب 2006 باستقرار نسبي وبازدهار ونشاط في كل قراه، من الحدود الى نهر الأولي شمالا، لا يزال الجنوبيون يشعرون بالتهديد الدائم نتيجة السلوك الاسرائيلي المعادي".

وقالت: "بداية، اسمحوا لي ان اعبر عن شكري الجزيل للفرصة التي اتحتموها لي بان اتواجد معكم هنا في هذا اليوم الطويل وفي الجنوب الارض التي تؤكد كل يوم ان عليها ما يستحق الحياة. نعم، أيتها السيدات والسادة أعتقد أن من يسكن الجنوب ويقيم فيه ويتفاعل مع مكوناته الاجتماعية والثقافية والانسانية يشاطرني هذه القناعة".

أضافت: "في أرض الجنوب ناس مزروعون كأشجار الزيتون متمكسون بكل حبة تراب، وهم استطاعوا على مدى سنوات طويلة أن يحدثوا نهضة نوعية اجتماعيا وتربويا وتعليميا وثقافيا ليصبحوا رافدا من روافد الحراك التطوري، الذي شهده لبنان منذ منتصف القرن الماضي، والذي أصيب بنكسة بفعل الحرب الاهلية، إلا أن اللافت أن الجنوب ورغم الثمن الكبير الذي دفعه من جراء الاحتلال الاسرائيلي والاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة استطاع ان يحقق مستويات انمائية مقبولة وجيدة إذا ما قيست بالامكانات المتوافرة، والأهم أنه استطاع ان يبقى نموذجا للعيش المشترك، لا بل الحياة المشتركة بين مختلف مكوناته الطائفية والمذهبية والاجتماعية والحزبية، واستطاع ان يحافظ على وحدته المجتمعية، وهذا ما نعتبره ثروة كبيرة للبنان ونموذجا للمنطقة التي أشعلتها نيران الارهاب والتطرف بشقيه الاسرائيلي والتكفيري. وهنا، لا بد من الاشارة إلى الجهود الكبيرة التي بذلها دولة الرئيس نبيه بري، الذي حمل مشعل التنمية والتحرير والحفاظ على العيش المشترك في الجنوب وكل لبنان".

وتابعت: "الحق يقال إن سبب هذه الحالة، إضافة إلى جهود دولة الرئيس بري، هو ميل متجذر وراسخ في شخصية أبناء هذه الارض نحو السلام وقبول الآخر، السلام هو جزء أساسي من ثقافتنا. تحيتنا سلام، وفي اعياد الميلاد المجيد نردد جميعنا مسلمون ومسيحيون ترنيمة: المجد لله في العلا وعلى الارض السلام. انها سمة في ابناء الجنوب توازي الاحساس العالي لديهم بالكرامة والعنفوان، وبالتالي رفض أي اعتداء على حقوقهم أو أرضهم واستعدادهم لمقاومة الظلم والعدوان والاحتلال حتى الاستشهاد، هذا ما جعلهم أصحاب الانجاز التاريخي على مستوى العالم العربي حين استطاعوا تحرير ارضهم من الاحتلال الاسرائيلي من دون قيد او شرط في عام 2000، ثم منعهم العدو من تحقيق اهدافه في عام 2006".

وأردفت: "طبعا، أنا لا أرى أي تناقض بين القيمتين السلام والمقاومة، هما مكملتان لبعضهما البعض، وهذا ما يفهم من أدبيات الأمم المتحدة نفسها، فلا يمكن منع نشوب النزاعات أو صنع السلام أو إنفاذ السلام أو بنائه، إلا بإقامة العدل وإحقاق الحق، الحق بالأرض وبالعيش الكريم الآمن. وكما ورد في أدبيات الأمم المتحدة وأثبتت التجربة، ينبغي النظر إلي هذه العمليات باعتبارها عمليات تعزز إحداها الأخرى، إذ أنها إذا استخدمت متجزئة أو منفصلة تفشل في توفير النهج الشامل اللازم لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وبالتالي الحد من خطر تكرر نشوب النزاع، وهذا ما تحتاج إليه منطقتنا، عمل دؤوب تتشارك فيه مكوناتها الأصلية من أجل الوصول إلى مرحلة بناء السلام التي تهدف إلى الحد من خطر الانزلاق إلى نزاع أو العودة إلى النزاع، وذلك عن طريق تعزيز القدرات الوطنية على كل المستويات، وإرساء الأساس لسلام وتنمية مستدامين. وتسعى تدابير بناء السلام إلى تعزيز قدرة الدولة على الاضطلاع بمهامها الأساسية بصورة فعالة وشرعية. وهذا طبعا ما نلمسه بقوة في اعمال اليونيفيل في لبنان، وقد شاهدت وعاينت خلال هذا اليوم الطويل الجهود الكبيرة المبذولة من قبلكم للمساهمة في تنمية مستدامة تساهم في تعزيز قدرات الدولة اللبنانية وتمكين المجتمعات المحلية".

وقالت عز الدين: "رغم أن الجنوب ينعم منذ حرب 2006 باستقرار نسبي، وبازدهار ونشاط في كامل قراه من الحدود الى نهر الاولي شمالا، إلا أن الجنوبيين لا يزالون يشعرون بالتهديد الدائم نتيجة السلوك الاسرائيلي المعادي كخرق الاجواء اللبنانية والجنوبية وسماع ذلك الصوت المزعج والكريه لطائرات التجسس تحلق في الليل والنهار فوق قراه ودساكره ومدنه، كذلك الخروقات البحرية والاعتداء على حق لبنان في مياهه وما يحتويه بحره من نفط وغاز، إضافة إلى الخروقات البرية التي تتمثل تارة بزرع أجهزة تجسس ضمن الأراضي اللبنانية أو بالتعرض للرعاة والمدنيين عند السياج الحدودي. كل هذا يدعوني لأتوجه الى الامم المتحدة ممثلة بقوات اليونيفيل، التي أحسن الجنوبيون استضافتها، ونسجوا مع جنودها وافرادها علاقات مودة واحترام لأدعوها لكي تأخذ دورها، ولا تكتفي بأن تكون مجرد شاهد".

أضافت: "هذه الخروقات يجب أن تتوقف، إسرائيل عودتنا على أن تكون مارقة تجاه القرارات الدولية، وقد ساهم في تكريس هذا الوضع ضعف المجتمع الدولي والامم المتحدة امامها وعدم اتخاذ المواقف الجدية والحاسمة. ان الحفاظ على الاستقرار الذي يعيشه الجنوب اليوم، لا يكون بغض النظر عن هذه الانتهاكات، بل بموقف فعال وجدي من قبل الامم المتحدة. ان ما يهدد اليوم السلم والامن في الاقليم هو التصرفات والاعتداءات والممارسات الاسرائيلية فقط. لقد سمعنا في الأيام الاخيرة تهديدات خطيرة جدا من قبل مسؤولين اسرائيليين مختلفين من بينهم وزير الحرب، الذي وضع الجيش اللبناني والدولة اللبنانية كهدف لاي حرب مقبلة. إن هذا التصعيد يتطلب جدية وعدم تهاون، خصوصا أن الجيش اللبناني الذي تهدده اسرائيل هو شريك القوات الدولية العاملة في لبنان ومساعد لها".

وختمت: "نحن أبناء الجنوب، الذين مررنا بكل الصعاب، لا نخاف هذه التهديدات والتهويل، وكما تحملنا المسؤوليات وصنعنا الانتصارات والتحرير، نحن جاهزون لتحمل المسؤوليات عند أي خطر يتهدد جنوبنا العزيز، الا اننا عندما نحذر ونلفت لهذه المخاطر انما ننبه ونحذر لتجنيب المنطقة الانزلاقات والتوتر والتهور التي لا يتأتى منه سوى الدمار والخراب. مرة جديدة شكرا لدعوتكم وللفرصة الجميلة التي منحتموني اياها، وكل التمنيات لكم بالنجاح في إحدى أنبل المهمات في العالم، وهي حفظ السلام وصنعه وبناؤه".

بيري
والتقت عزالدين خلال زيارتها قائد "اليونيفيل" الجنرال مايكل بيري، وتركزت المناقشات على سبل التعاون بين الوزارة و"اليونيفيل"، وأشادت ب"المشاريع التنموية التي يقوم بها قسم الشؤون المدنية في البعثة، والتي تهدف الى تعزيز التنمية المستدامة من خلال مشاريع صغيرة على علاقة مباشرة بالمجتمعات المحلية، تنفذ من خلال المجالس البلدية بما يتطابق مع مستلزمات تطبيق القرار 1701".

لقاء مع نساء اعضاء في المجالس البلدية
وتخلل الزيارة لقاء مع نساء أعضاء في المجالس البلدية في منطقة الجنوب، في حضور رئيسة وحدة النوع الاجتماعي في "اليونيفيل".

وفي المناسبة، قالت عز الدين: "إنه لمن دواعي سروري أن أكون اليوم بين اخواتي العاملات في الشأن العام، الأعضاء في بلديات جنوبنا الحبيب، معكن تم بناء وتقدم المجتمع الاهلي الجنوبي. هذا الجنوب الذي قدم الكثير من التضحيات، وكانت لنسائه على مدى التاريخ مواقف مشعة ورائدة في الفكر والتضحية والوعي والبطولة، حيث كنا نشاهد الامهات الصابرات المحتسبات أمام شهادة أبنائهن في طريق المقاومة والتحرير، وكيف كن مربيات صالحات يعززن الوعي المتقدم في ابنائهن حول اهمية الاستقلال والسيادة، هن الحاضرات ايضا لتخفيف آلام الهجرة والتهجير الدائم نتيجة الاعتداءات المتكررة، وفي رعاية الايتام والجرحى والمحرومين على مدى سنوات طويلة. نساء الجنوب كن ايضا الشريكات في الاسر والاعتقال والتظاهر والقتال، فكانت من بينهن الشهيدات والجريحات والاسيرات".

أضافت: "كانت المرأة الجنوبية في صميم عملية التحرير، ولما أتى دور التنمية لم تتخلف عن الركب وخوض غمار العمل المؤسساتي المختلف. حضرت المرأة في ميادين التعليم والطبابة والهندسة والادب وبرزت رائدات وقامات. ولذا، كان من الطبيعي أن تشارك ايضا في المجالس البلدية وتقدم في هذا الاطار نموذجا جديدا لكفاح المرأة الجنوبية المتميز. وإني على قناعة شديدة بأن العمل البلدي من أكثر نشاطات العمل العام فعالية وتأثيرا، هذا ما تؤكده تجارب العالم، فأحزاب كثيرة في دول عديدة وصلت الى السلطة انطلاقا من تجربتها الناجحة في العمل البلدي، شخصيات عديدة وصلت الى رئاسة الدولة بعد نجاحها في رئاسة بلديات مدن رئيسية".

وتابعت: "في العمل البلدي نكون على تماس مع الناس وحاجاتهم ومتطلبات التنمية الحقيقية، نكون امام فرصة ممارسة الشأن العام والادارة العامة من خلال خدمة الناس، وهذا ما وصلت اليه أحدث النظريات في العالم حول الادارة العامة التي اعطيت تعريف الخدمة العامة. ومن هنا، أهمية النجاح في خوض هذه التجربة، فالنجاح سيكون للجهة السياسية التي نمثل وللفرد نفسه وللسيدة نفسها، وايضا للمجتمع المحلي الذي يكسب مشاريع وإنجازات تظهر نتائجها بشكل مباشر".

وتطرقت إلى "خصوصية وجود النساء في البلديات"، وقالت: "لدي قناعة بأن العنصر النسائي أكثر قدرة على تحسس مشاكل الناس، خصوصا ذات الطابع الاجتماعي والانساني والانمائي. وانا على يقين أن المرأة، وهي ربة منزل وأم، أقدر على تقديم الحلول الناجعة لقضية النفايات مثلا أو تجميل الارياف والقرى والبلدات، وغيرها من العناوين الاساسية في العمل البلدي. كما أن اعطاء الافكار الابداعية في هذه المجالات يتناسب وطبيعة المرأة". 


وتحدثت عز الدين عن مسألة "تعزيز الوضع الاقتصادي للمرأة كمقدمة ضرورية لتعزيز انخراطها في مختلف أنشطة الشأن العام"، وقالت: "طبعا، هذه قضية اجتماعية كبيرة، ولكن اعتقد أن النساء الاعضاء في المجالس البلدية يمكنهن ان يساهمن من خلال اقتراح مشاريع تصب في هذا الهدف، الاستقلالية الاقتصادية للمرأة بما لا يؤثر طبعا على دورها التربوي داخل الاسرة أمر مهم. واليوم، يشهد العالم ظاهرة العمل من البيت في الولايات المتحدة الاميركية، وصدرت كتب حول هذه الظاهرة تتحدث عن نساء اخترن العمل من داخل بيوتهن لعدم إحداث خلل في دورهن التربوي والأسري ولتحقيق الاستقلالية المالية، في ظل ثورة الاتصالات، وهذا ينسجم الى حد كبير مع نمط حياتنا لأنه على عكس السائد فالمرأة الجنوبية لم تكن يوما غير عاملة، وكانت شريكة الرجل، خصوصا في العمل الزراعي الذي كان لفترة طويلة القطاع الاقتصادي الاساسي في المنطقة. واليوم، بإمكان للسيدات في البلديات تقديم اقتراحات تتناسب والتطور في القطاعات الاقتصادية وفي مجال التكنولوجيا لمساعدة النساء على التمكين الاقتصادي".

وعن العمل البلدي النسائي، قالت: "هذه التجربة هي التي ستحدد في درجة كبيرة وضع التمثيل النسائي في مواقع القرار النيابية والوزارية، تعلمون جميعا ان أحد أهم التحديات التي تواجهها النساء هي التمثيل السياسي، وهذا تحد كبير نحتاج فيه إلى تضامن كل النساء ونحتاج إلى أساليب اقناع جديدة للوصول الى الكوتا، وأهم حجة يمكن طرحها بعيدا عن التنظير، تقديم النساء لتجربة عملية ناجحة، وهذا الامر يقع على عاتقكن. نجاحكن في العمل البلدي ليس ترفا، بل هو ضرورة ورسالة عملية على أن المرأة تستطيع أن تنجح وتبدع وتساهم في ايجاد الحلول، وتطوير المجتمعات وتمكينها هو اللبنة الاساسية لتمكين المجتمع".

ورأت أن "زمن التحديات لم ينته بعد"، مشيرة إلى أن "الاستحقاقات المقبلة لا تقل أهمية عما مضى"، وقالت: "أمام أهالي الجنوب مشوار طويل ومستمر للحفاظ على المكتسبات والانجازات التي حققناها. اليوم، وأمام الاوضاع الاقتصادية المتأزمة لاسباب عديدة يطول شرحها من الفساد والهدر والسياسات المالية الخاطئة التي اعتمدت في السنوات الماضية، اضافة الى الركود المالي العالمي والأزمات المحيطة بنا، كل ذلك يجعلنا أكثر تمسكا بدور البلديات للتعويض والعمل على الحفاظ على مستوى من التنمية من خلال تأمين عيش كريم لاهلنا الاعزاء. وهذا الوضع والهدف يتطلبان معالجة مشكلات عديدة كموضوع النفايات وتلوث مجرى الانهار والبيئة الشجرية وتأمين الكهرباء والبنى التحتية. كل هذه المسائل مهمة ويجب السعي الجدي لايجاد الحلول لها من خلال التعاون والشراكة بين ثلاث جهات رئيسية، هي الدولة والمجتمع الاهلي والادارات المحلية المتمثلة بالبلديات، وفي الجنوب يمكن الحديث عن اليونيفيل كشريك اضافي. وحده تعاون بناء ونشط بين هذه المستويات الثلاثة كفيل بإيجاد الحلول والمعالجات الناجحة لمشاكل معقدة مثل تلك التي نعاني منها".

أضافت عز الدين: "إن أزمة كأزمة النفايات، التي ما زلنا نعيش تداعياتها، كانت خطرة لدرجة التحول الى ازمة وطنية شاملة. وكذلك، حال التلوث الخطير لمجرى نهر الليطاني وما له من نتائج على صعيد المياه الجوفية ومياه الشفة والري والبيئة، إضافة إلى الآثار السياحية والاقتصادية الأخرى. وهنا في محضر اليونيفيل، نحن ننظر إلى تعاون إيجابي وبناء مع الدول المشاركة في القوات الدولية، التي لا يقتصر وجودها على الحضور الامني، بل الى المشاركة في تقديم المساعدة مع الدولة والبلديات لتعزيز التنمية والمجالات المختلفة، ونحن نقدر لها المبادرات في هذا المجال وما تقدم كمساهمات وهبات على الصعيد التعليمي وغيره من المجالات، ونتطلع الى المزيد من المبادرات بالاستناد الى تجارب بلدانها. وأود أيضا أن أقدم بعض الافكار لمشاريع يمكن ان تحدث فرقا بالتعاون مع جمعيات عملنا معها في الوزارة من خلال مشروع افكار، فمثلا هناك جمعية درب الجبل، التي أقامت مشاريع في أكثر من منطقة لتشجيع السياحة الريفية البيئية، وهناك مشروع لانارة الطرق مع جمعية لطلاب في الجامعة الاميركية".

وختمت: "نحن في الوزارة على استعداد لوصلكن مع هذه الجمعيات وتقديم المساعدة الممكنة للتعاون بينكما، ونأمل الوصول إلى تحقيق المصلحة العامة. انتن عنوان اضافي لهذا الجنوب المتألق، وأدعو لكن بالتوفيق ودوام النجاح في أعمالكن وأنشطتكن ليبقى الجنوب شعلة حرية ونهوض".

واختتمت الزيارة بتبادل الدروع التكريمية بين عزالدين وبيري. 

المصدر : جنوبيات