الثلاثاء 8 آذار 2016 12:05 م

«نساء الحراك» في يومهن: نضال ونادين ونعمت يغيّرن المشهد


على الرغم من كل الجهود الدولية المبذولة لمحاربة سياسات التمييز ضد المرأة سواء عبر عقد المؤتمرات التوعوية أو توقيع المواثيق وعقد الاتفاقيات التي تضمن حقها في المساواة العادلة مع الرجل، كـ «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» و «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» وغيرها، لا نزال حتى اليوم نجد في وصول امرأة إلى سدة البرلمان خبراً عاجلاً! وننظر بعين «المُعجب» في حال «مُنح» الحق لإمرأة بحضانة أطفالها. ولا ننفك نُحصي أعداد النساء ضحايا العنف الأسري التي نُضيفها سنوياً إلى سجلاتنا الموسومة بالعار. ويكاد لا يمرّ يوم من دون أن نسمع عبارات تمييزية على شاكلة «إختُ الرجال» أو «أرجَلُ من الزِلم»، في «مدح» امرأة قوية، والتي تندرج ضمن باقة الموروثات الذكورية التي يُهيدها المجتمع بعضه لبعض.
ذلك كله، إن دلّ على شيء، فهو إشارة إلى أن استمرار النساء في نضالهن ليس أمراً كمالياً ولا ترفاً، بل إن إعادة بناء مجتمع أكثر نضجاً تتطلب الخوض في المزيد من الصراعات مع السلطة الذكورية الحاكمة سياسية كانت أو دينية.
إلا أنه تكريماً لجهود النسوة المناضلات في مختلف الميادين، ولمناسبة «يوم المرأة العالمي» اختارت «السفير» النظر إلى النصف الملآن من الكوب، واستعادة الوجه الجميل من العام المنصرم (2015)، المتمثل بـ «الحراك المدني» الذي عمّ شوارع العاصمة وأعطته النساء المشاركات جذباً وأهميةً مضاعفة، فلعبن دوراً أساسياً وكُنّ على خطوط المواجهة الأمامية وفي مراكز اتخاذ القرار.
نضال: من «الحراك» إلى الاعتقال فالحرية
في بحثٍ عبر المحرك الإلكتروني «غوغل» عن «صور الحراك المدني» تظهر الناشطة نضال أيوب في عددٍ كبير منها. في إحداها ترسم نضال ابتسامة. تمشي مكبّلة اليدين بشعر مبلول وتُمسك بها فتاتان من عناصر قوى الأمن الداخلي. وفي أخرى، تقترب الفتاة بجرأة واضحة من عنصر أمني يحاول اعتقال أحد المتظاهرين ويرفع عصاه استعداداً لتلقينه درساً. تبدو في الصورة على مسافة قريبة منه. يداها فوق بذته العسكرية متأهبتان لردعه كجناحيّ نسرٍ يتهيأ للإنقضاض على فريسة مشاغبة.
نضال واحدة من بين ناشطات كثرٍ واكبن «الحراك» من بدايته. كان دافعها الأساسي المطالبة بحقوق اللبنانيين المسلوبة، بعيداً عن تصنيفهم الجنسي. فبالنسبة لها «اللبناني مهان، رجل كان أم امرأة. إلا أن معاناة المرأة أكثر تفاقماً في بلدنا، فهي مثلاً لا يحق لها منح الجنسية لأطفالها، ولا ضمان حمايتها من التعرض للعنف الأسري»، مشددةً في الوقت نفسه، على أنه «بالرغم من ذلك، فإن المرأة ليست دائماً ضحية. فالكثير من النساء يخضن معارك في أكثر من اتجاه، وقضية العاملات الأجنبيات المهمشات اللواتي استطعن تأسيس نقابة للدفاع عن حقوقهن أكبر مثال».
ابنة الـ29 عاماً تعرضت للاعتقال غير مرّة. خبِرت بطش السلطة وأساليبها القمعية لإخضاع الناشطين والناشطات. وتنقل عن عدد من الفتيات تعرضهن للتحرش اللفظي والجسدي في ساحات الاعتصام، كاشفةً «لجوء بعض العناصر الأمنية إلى المسّ بأخلاق الفتيات واللعب على وترّ العصبيات لتشويه صورة الحراك والمشاركات فيه». كما تستنكر التعاطي الذكوري مع الناشطات من قبل بعض الناشطين أيضاً. تقول إن «أحد الذين رافقوني إلى التظاهرة عمد إلى إظهار نفسه كأنه معي ليحميني وليس ليتظاهر ضد السلطة، وكأنني مخلوق ضعيف وقاصر عن تدبير أموره. كذلك، كان يتكرر (الفرز الذكوري) عند قيام العناصر الأمنية باعتقال فتيات، حيث تعلو أصوات مستنكرة مرددة: (عم تعتقلوا بنات! عم تضربوا بنات!)، وكأن مشاركة النساء في معارك من هذا النوع حديثة العهد، في حين أنه ليس خافياً على أحد أن العديد من المناضلات أمضيّن حياتهن في أروقة السجون الباردة أو استشهدن في سبيل القضية».
لـنضال تاريخ طويل في «شوارع الغضب». على الرغم من اقتناعها بأن التغيير لا يتم فجأة، بل هو عملية تراكمية يبدأها جيل ويسلمها لأجيال أخرى من بعده، تصر على العودة إلى الشارع. تتحدث الناشطة بثقة عن عودة الناس للاحتشاد في ساحات بيروت، مشيرةً إلى أن «النظام المأزوم الذي نعيش فيه سيخلّف الأزمات تباعاً، وسنكون حاضرين لمواجهة أي مشروع من شأنه قضم المزيد من حقوقنا كمواطنين أولاً وكنساء ثانياً».
نادين: الأم والناشطة
مع انطلاق حملة «طلعت ريحتكم» برز اسم الناشطة والعاملة في الحقل الإنساني نادين الجوني. ابنة الـ25 عاماً كانت من بين مؤسسي صفحات الحملة على مواقع التواصل الإجتماعي.
في التظاهرات لم تكن نادين وحدها، إلى جانبها دائماً ابنها كرم. الصغير لم يكن يلفت الأنظار بحضوره المحبب فقط أو بتلك اللافتات الكرتونية التي كان يحملها بين يديه الناعمتين لتبدو أطول منه أحياناً، بل كان يستحوذ على اهتمام الحاضرين ويجذب عدسات الكاميرات عندما يبدأ الهتاف بحنجرته الطرية «14 و8 عملو البلد دكانة». من هنا، كانت تجربة نادين في «الحراك» مختلفة عن غيرها. كانت الأم والمواطنة في آن، وبرهنت أن «تنمية حسّ المواطنة لدى الأطفال يدخل من صلب العملية التربوية التي تقع في الجزء الأكبر منها على عاتق المرأة».
تؤكد نادين أن «القضية في «الحراك المدني» تخطت الرجل والمرأة، وباتت قضية مواطنين صحتهم مرهونة لعروض السمسرات»، مشيرةً إلى أن «وجود النساء في الخطوط الأمامية أثناء التظاهرات أو وقوع أعمال العنف هدف إلى كسر الكثير من المفاهيم الذكورية المتأصلة في أذهان الشباب ولاسيما الجيل الجديد، فإعادة التذكير بأن المرأة شريك في هذا المجتمع ولاعب أساسي يؤدي إلى الدفع باتجاه المطالبة لها بحقوقها من قبل مختلف شرائح المجتمع».
نعمت بدر الدين: وجه «بدنا نحاسب»
لا يمكن الحديث عن حملة «بدنا نحاسب» من دون المرور على ذكر ركنها الأبرز الناشطة نعمت بدر الدين، التي عُدت من أهم الوجوه النسوية المشاركة في اعتصامات «الحراك». تعرضت نعمت للضرب والاعتداء أحياناً وفقدت وعيها أحيانأً أخرى، وفي الكثير من الأوقات افترشت مع رفاقها ساحات الإعتصام ليالي طويلة، إلا أنها تعتبر أن «المرأة والرجل مظلومان في هذا البلد، فلا الرجل الكفوء يصل إلى مراكز القرار ولا المرأة باستطاعتها ذلك»، مشددة على أن «إعادة تشكيل السلطة وفق قانون انتخابات نسبي يضمن عدالة التمثيل هو مدخل الحلّ وفرض مساواة فعلية بين الجنسين».
تعود مسيرة الشابة الثلاثينية إلى العام 1998. منذ ذلك الحين عرفت نعمت صخب الساحات وألفت أصوات الاحتجاج في الشارع. في العام 2011 كانت من أبرز المشاركات في حملة «إسقاط النظام الطائفي»، وفي عامي 2013 و2014 شاركت في الإعتصامات ضد التمديد للمجلس النيابي والمطالبة بإقرار قانون حماية المرأة والطفل من العنف الأسري، بالإضافة إلى تظاهرات هيئة التنسيق النقابية وتظاهرات «لا 8 ولا 14»، والاعتصامات المطالبة بالدولة العلمانية وإقرار قانون الزواج المدني وغيرها، وصولاً إلى «الحراك». في مسيرة النضال تلك، لم يكن دافعها أنها امرأة بل لأنها مواطنة بالدرجة الأولى. هنا تعود نعمت بذاكرتها إلى تظاهرة 29 آب، مشيرةً إلى أن «يومها اعتقل عدد كبير من المتظاهرين ومن ضمنهم فتيات قاصرات وناشطات. على الفور بدأنا مع لجنة المحامين التنقل من مخفر إلى آخر للإطلاع على أحوال الموقوفين، واضطررنا مع عدد من المحاميات إلى النوم أمام ثكنة الحلو حتى صباح اليوم التالي. حينها، تجلت بوضوح النظرة الدنيوية التي ينتهجها عناصر الأمن ضد المتظاهرات»، مضيفة: «بدأوا مخاطبتنا بالقول (أنتو مش مربيات.. ما عنكن أهل يضبوكن بالبيت.. شو قاعدين عم تعملو على الطرقات)، للسيطرة معنوياً ونفسياً علينا وتشويه صورة المرأة والانتقاص من دورها في الحركة الاحتجاجية».
على الرغم من ذلك، طغت الإيجابية على مقاربة نعمت، فأشارت الى أن «مشاركة المرأة في (الحراك) ساهمت بكسر الصورة النمطية ولو بشكل جزئي، ما يُعد بقعة ضوء في آخر النفق الذي نغرق فيه منذ سنين».

المصدر :السفير