غادر المطلوب شادي المولوي لبنان من ضمن صفقة تبادل، جرت الأسبوع الماضي، وتضمنت إفراج المجموعات المسلحة عن مجموعة من أبناء القرى الدرزية في ريف إدلب، في مقابل إطلاق معتقلين من هذه المجموعات لدى السلطات السورية، إضافة الى المولوي وستة من رفاقه.
ورغم التكتم الشديد على الصفقة وأطرافها، إلا أن أحداً لم يدقق في كيفية مغادرة المولوي مخيم عين الحلوة، واستمرار تكتم رفاقه في المخيم عن الصفقة، في انتظار أن ينشر المولوي شريط فيديو إثر وصوله الى «المكان الآمن في سوريا».
ماذا حصل خلال الأسبوعين الماضيين؟
في 11 تشرين الأول الجاري، أقدم تنظيم «داعش»على خطف 26 مدنياً سورياً كانوا في طريقهم من دمشق الى إدلب، غالبيتهم من أبناء القرى الدرزية في جبل السماق في إدلب. وكان هؤلاء قد حصلوا من «جبهة النصرة» على إذن بالسفر للتواصل مع أهلهم في جرمانا بالقرب من دمشق.
إثر انقطاع أخبار القافلة، التي عبرت خطأً قرية في ريف حماة، كان تنظيم «داعش» قد استولى عليها قبل أيام بعد معارك مع «جبهة النصرة» (هيئة تحرير الشام)، سارع ذوو المخطوفين الى التواصل مع فاعليات ومشايخ من الطائفة الدرزية في دمشق. وبعد التثبت من مكان احتجازهم، بدأت اتصالات مع فاعليات في ريف حماة وإدلب، تبيّن بنتيجتها أن تنظيم «داعش» مستعد لمبادلة المخطوفين مع معتقلين لدى الحكومة السورية. وأطلق التنظيم ستة من المخطوفين، تبين أنهم من قرى ينتمي أبناؤها الى الطائفة السنية. وحمل هؤلاء رسالة تقول إن بقية المخطوفين أحياء، وإن التنظيم يريد إتمام عملية تبادل سريعة.
على الأثر، بوشرت اتصالات شارك فيها مشايخ من منطقة السويداء وفاعليات في جرمانا، وجرى التفاهم على أن تظل الأمور خارج إطار أي صفقة رسمية. وجرى بعد ذلك تسلم لائحة بأسماء معتقلين من المجموعات المسلحة، إضافة الى لائحة أخرى تخص «جبهة النصرة» التي أضافت فجأة لائحة تضم ستة أسماء، تبين أنهم موجودون في مخيم عين الحلوة في لبنان، في مقدمهم المولوي.
والأسماء تعود الى أشخاص كانت «النصرة» قد طالبت بإطلاقهم في مفاوضات ترحيل مقاتليها من جرود عرسال الصيف الماضي، لكن الحكومة اللبنانية رفضت الطلب يومها، وأُنجزت عملية الترحيل من دون لائحة مطلوبي عين الحلوة، والتي تردد أنها كانت تضم غالبية المطلوبين من الأجهزة الأمنية اللبنانية، وبعض القيادات السلفية الفلسطينية القريبة من تنظيم «القاعدة».
ولدى ظهور «عقدة عين الحلوة» في عملية الخطف الأخيرة، تسارعت الاتصالات مع بيروت. ولم يتضح فعلياً من هي الجهات التي شاركت في هذه الاتصالات ولا مروحتها. لكن النائب وليد جنبلاط كان أحد المعنيين إثر اتصالات تلقاها من دروز في إدلب. وكان لافتاً تغريد جنبلاط أمس وقوله «الحمد لله، انتهى موضوع المخطوفين على خير. وأتوجه بالشكر لكل من ساهم، وأخص بالذكر اللواء عباس ابراهيم». لكن الوزير السابق وئام وهاب عالجه بتغريدة أخرى شكر فيها اللواء ابراهيم، مضيفاً القيادة السورية التي أطلقت موقوفين في المقابل. وكان واضحاً أن جنبلاط يريد أن يتجنب شكر القيادة السورية، رغم علمه بأن الصفقة ما كانت لتتم لولا قرار القيادة السورية.
وكان الاتفاق، كما علمت «الأخبار»، حاسماً لجهة عدم الحديث عن صفقة أو ما شابه، بل كان عبارة عن عمليات إطلاق لمختطفين ومعتقلين من دون إعلام. حتى إن وكالة «سانا» السورية الرسمية للأنباء، قالت عند إذاعة خبر إطلاق المختطفين «إن وحدة من الجيش بالتعاون مع مجموعات الدفاع الشعبية تمكنت صباح اليوم من تحرير 19 مدنياً، بينهم 5 أطفال و8 نساء من قبضة إرهابيي داعش على أطراف بلدة السعن في ريف حماة، وإن المحررين جميعهم من محافظة إدلب واختطفهم إرهابيو داعش في الـ 11 من الشهر الجاري عندما هاجموا حافلة كانوا يستقلونها قرب بلدة السعن. وأشار المراسل إلى أن عناصر الجيش قاموا بنقل المحررين إلى مدينة سلمية».
في هذه الأثناء، لم يجر الحديث مطلقاً عن إطلاق الحكومة السورية سراح بعض المعتقلين وانتقالهم الى مناطق تحت سيطرة «داعش» أو «النصرة». لكن ما كان مفاجئاً، قبل أيام، الإعلان عن مغادرة المولوي مخيّم عين الحلوة، بطريقة غامضة، وإشاعة الأنباء عن وصوله الى منطقة إدلب.
ويوم الأربعاء الماضي، بدأت المعلومات الآتية من عين الحلوة تتحدّث عن أن المولوي خرج مع العريف المنشق عن الجيش اللبناني محمد عنتر (هو من طرابلس، انشق عن الجيش قبل ثلاث سنوات)، وربيع محمود نقوزي من مدينة صيدا (من مناصري أحمد الاسير). وأكدت مصادر من عين الحلوة لـ«الأخبار« أنّ المولوي غادر، وأنه بصدد نشر فيديو يؤكد خروجه من المخيم ووجوده في سوريا. وتردد أن أربعة آخرين رافقوه في رحلته الى سوريا.
وتضاربت الأنباء عن كيفية خروج المولوي. إذ تردد أنه حصل على ضمانات شملت نقله بسيارة الى منطقة قريبة من إدلب، فيما أشارت رواية أخرى الى أن إجراءات تعقبه تعطلت لنحو 24 ساعة، كانت كفيلة بمغادرته عين الحلوة ولبنان بالتعاون مع أنصار له. لكن الجهات المعنية في لبنان رفضت التعليق على هذه المعلومات.
وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قد رجح أن تكون الأنباء المتعلقة بمغادرة المولوي صحيحة، لافتاً إلى أن جمع المعلومات حول مغادرته لمخيّم عين الحلوة، «ما زال مستمراً»، مضيفاً «نحن ندقّق بالموضوع وستسمعون أخباراً جيدة قريباً».
يشار الى أنه في 11 تشرين الأول، أعلن عن اعتراض تنظيم «داعش» قافلة مدنية كانت تعبر من ريف حماة الشمالي الشرقي نحو ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وتقل نحو 40 مدنياً من منطقة جبل السماق (منطقة القرى الدرزية) في ريف إدلب وقرى أخرى مثل أرمناز وحربنوش، بينهم 3 من مشايخ من الطائفة الدرزية. وتم الخطف في منطقة الرهجان، التي سيطر تنظيم «داعش» عليها بعد مواجهات مع «جبهة النصرة». وتبين أن المدنيين كانوا قادمين من جرمانا بالقرب من دمشق، وهم يتوزعون على قرى وبلدات قلب لوزة ومعرة الإخوان وكفرمارس وكفربنة وكفتين وبنابل، في ريف إدلب.
وفي وقت لاحق، أطلق «داعش» سراح ستة من المدنيين هم من أبناء بلدتي أرمناز وحربنوش، وأعلن عن مقتل واحدة من المفرج عنهم برصاص «جبهة النصرة». وتدعى لميس علي قاسم، وهي زوجة الشيخ أنيس النمر. وقد وقع الحادث خلال مرورهم من مناطق «داعش» باتجاه مناطق «هيئة تحرير الشام». وفي صباح 29 تشرين الأول، تم إطلاق سراح المحتجزين، باستثناء شخصين لا يزال مصيرهما مجهولاً.