الاثنين 14 آذار 2016 13:27 م

البرية متنفس الفقير وكل باحث عن التأمل


مغامرة "برية" بسيطة قد تعيشها في احضان الطبيعة، هناك حيث تتعرف الى ثقافة واحدة ولغة حوار بعيدة من التكلف. فالى البرية در، الى حيث الهرب من روتين الاماكن الصاخبة، هناك حيث مل الناس الزحمة، فإذ بهم ينشدون جلسات من التأمل في الطبيعة.

يمارسون هواية المشي، وجمع السليقة ولعب التنس، وما اطيب من نرجيلة وجنبها فنجان من القهوة على الحطب. هنا تجد شبابا يصطادون السمك، واطفالا يلعبون وسيدات يتسلقن الجبال بحثا عن قرص عنة وصعتر. كثر هربوا للطبيعة بحثا عن راحة موقتة، فالبرية تشبه الوطن تجذب اليها كل الناس مع فارق بسيط ان لا مكان للسياسة في حدودها الجبلية، بل تحضر سياسة المزح والقهوة والذكريات، والاهم انها مجانية لا رسوم ولا ضرائب تخضع لها، ولا تمارس فيها قيود او قوانين مهترئة، ما جعلها محط سفر كل مواطن يريد ان يتنزه مجانا اي انها بلغة المواطن "متنفس الفقير".

مسرح تفاعلي
تحولت البرية الى مسرح تفاعلي مجاني لكل مواطن يريد نسيان بعض من مشاكله اليومية، دفع الطقس الربيعي العديد من ابناء المنطقة لارتياد الحقول بحثا عن "راحة البال" الموقتة، وطمعا بأخذ "جرعة" قوة تساعدهم في مواجهة يومياتهم المثقلة بمشاكل وهموم قد لا يكفي بحر لبنان لها. لم يعد ابن الجنوب قادرا على لملمة همومه المتزايدة ولا حتى تنفيس احتقان ظروفه كما يريد، فالوضع المعيشي الضيق بالنسبة الى عدد كبير من عائلات الجنوب يدفعهم للبحث عن متنفس "مجاني" يجلس في كنفه يدخن نرجيلته المعبأة "بهم الحياة" ويمارس نشاطه الرياضي وان لبضع ساعات، بعيدا عن خطابات الساسة ومشكلة النفايات التي اطلت برأسها مع جراثيم وفيروسات خطيرة تصيبهم، مضافا اليها "قرقعة" الانتخابات البلدية الزاحفة نحوهم مع ما تحمله من "تباعد" كبير بين المواطن الرافض لتركيبات "معلبة" واحزاب تنشغل في اتمام صفقات انتخابية ضيقة.

نرجيلة وقهوة
وحدها البرية تجذب المواطن اليها، تحيي لغة الحوار وتبادل الثقافات والعادات اذ تجمع ابناء العديد من القرى الذين يهربون اليها بحثا عن "طاقة" تغيير مختلفة. هنا تتعرف على واقع المجتمع وأرضيته المتصدعة، هنا تجد عائلات من مختلف الطبقات، كل له سببه الخاص في ارتياد الحقول، وحدها "بساطة" الجلسة وعفويتها تجمعانهم، ووحدها ايضا النرجيلة توحدهم في حوار قد لا يتخطى حدود الطبيعة.
ام علي فياض من بلدة انصار واحدة من مئات الناس تقصد مع اولادها حقول الجرمق، يجتمعون حول "منقل" اللحم يفترشون الارض، يتسامرون في كل شيء الا بما يزعجهم اذ تقول "نستغل كل لحظة لنعيشها، الطبيعة جزء من علاج نفسي لكل منّا، كل اسبوع نقصد منطقة من الوادي الاخضر الى الجرمق والريحان وجزين وغيرها، لاننا تعبنا من التفكير في مشاكل لا حلول لها في لبنان" بقربها تجلس ابنتها لارا تحمل كتابا تقرؤه فهي من عشاق المطالعة رغم تدني نسبة المطالعة بشكل خطير في لبنان، تعتبر لارا "الكتاب جزءا من صقل شخصية الانسان، مصدر قوة ويساعد في رفع نسبة الوعي والتفكير السليم، فعلاج مشاكلنا يبدأ من داخلنا".
الا ان لعلي رأيا آخر "يرى في البرية مساحة تواصل مباشرة بعيدا عن التواصل الافتراضي الذي تحول الى ادمان خطير يهدد قوة مجتمعاتنا" دون ان تفوته الاشارة الى أن "مشاكلنا صناعتنا، لاننا لا نعترض، لا نملك جرأة اتخاذ قرار نهادن الواقع فحولنا الى لعبة والنتيجة ما نعيشه هي مشاكلنا التي تلاحقنا في كل مكان ربما البرية لا تزال بمنأى عنها لذا نقصدها".

موقع خلاب
يعد سهل الميذنة والجرمق حتى نهر زريقون واحدا من اجمل المناطق الطبيعية، يتميز بموقع خلاب بين جبلين، ويشكل بوابة عبور الى فيلم واقعي بسيط تحضر معه المجدرة على الحطب والسلطة والنرجيلة، داخله يرسم كل زائر رزمة احلام متصارعة مع اتون المشاكل التي تحول دون تحققها، ويحتوي على مشاهد جذّابة تجعله مقصدا لعشاق التصوير والكتابة والمشي و"البكنك"، فكل عابر يترجل لبعض الوقت، يلتقط صورا للرعيان، وسلفي له ويستمع الى اغاني ابي جورج وابي يوسف العفوية وهما يعملان في حقولهما، تحت احدى شجرات الزيتون المعمر في زريقون اتخذ يوسف عبدالله وعائلته استراحتهما، فيوسف يعيش في بيروت يهرب اسبوعيا الى الخيام، كورقة تغيير تمكنه من استيلاد قوة وافكار جديدة غير مبتذلة، تستجمع العائلة قوتها في البرية تقول سلوى زوجته، مللنا مما نعيشه، الفقر والمخدرات التي تتوسع رقعتها بين الشباب، الروتين، الزبالة، مجتمع بيروت ضيق هنا تختلف الصورة، حتى للحم بعجين نكهة مختلفة تأكله وانت تمتع نظرك في الجبال والحقول وتراقب المزارعين وتشاهد الاطفال يلعبون، ربما نفتقد الى مساحات تعبير متحررة من قيود المجتمع، ونحتاج الى نزهات في البرية لنتعلم معنى الحرية وكيفية مواجهة الظروف بعناد".
تستقطب الطبيعة جيل الشباب، تروضهم لممارسة هواياتهم، لارتشاف كوب شاي مصنوع على الحطب، للابتعاد قليلا عن "كماليات" الحياة ووجاهتها حسب شادي "نعيش لحظة تلاق مع الآخر غالبا ما نتعرف على اصدقاء جدد لا نعرفهم نلعب معا ونطير طيارة في الهواء العاب تعطينا جرعة اوكسيجين لنتفوق، نبدع، الطبيعة صمام امان لنقرأ ونتعلم صياغة سياسة شبابية تشبه احلامنا لا احلام زعماء باعوا ابداعنا في مجالسهم".

متنفس حر
تعتبر ريما ن "البرية متنفس متحرر من ملوثات بيروت وضجيجها، نلعب التنس ونلهو بعيدا عن الروتين الذي يجعل يومياتنا ثقيلة، والاهم اننا نهرب من نشرات الاخبار التي تلازم حياتنا في المدينة"، اما شقيقها حسين فيؤكد نظرية "الطبيعة نصف الحياة، لانك تنسى كل شيء، تعيش راحة موقتة لا يخترقها ضجيج وروائح النفايات السامة، استعيد روحي هنا، تستمد طاقة وقوة لتستمر"بين ضحكاتهم العفوية ولعب الطفولة تكمن حقيقة خطيرة بدأت تخرج للعلن "هروب المواطن" من آفاته اليومية، وبحثه عن نفسه في اماكن لا تُعرج اليها السياسة بكافة تفاصيلها الضيقة، يرسم شادي وفادي وعبدالله ويوسف سياسة خاصة لهم يحلمون بوطن يؤمن لهم وظيفة ومنزلا واستقرارا، على ضفاف نهر زريقون يحمل كل منهم صنارته ويرميها، علّه يصطاد حلمه، كل منهم من بلدة جنوبية جمعتهم بيروت، وصيد السمك "هواية" المرة الاولى وفق تأكيدهم "نريد ان نعيش الفرحة"، خلف صنارته التي اخرجت سمكة صغيرة تقف احلام فادي ابن بلدة الطيبة، "الصيد يريح تفكيرنا، اعمل ميكانيكيا، ولكن لا يوجد شغل، لا اعرف كيف نواجه متطلبات الحياة، لجأت للصيد لانه يشبه حياتي، احاول ان اصطاد في ظروف افضل ولكن السلة تبقى فارغة، ازمتنا عتيقة، حلمنا اكبر من واقع عجوز سرق كل شيء منا"، يؤكد الشباب ان السياسة الحالية دمرت احلامهم، سرقت طموحهم، ويشددون على اننا "نحاول ان نتعلم صيد السمك علّنا نتعلم كيف نصطاد سمك الزعماء"، برأي شادي "المغامرة في البرية اهم من مغامرات الحياة، اقله انت تصنع مغامرتك، تعيش لحظاتها عكس واقعنا المحكوم بأنظمة وسياسة مستبدة وزعامة اقطاعية"، قصد الشباب النهر ليمارسوا هواية الصيد وليستجمعوا قواهم، ليفكروا بعمق في ازمة نخرت يومياتهم وحولتهم عاطلين عن العمل، وفق هادي "انسى كل شيء في الصيد، اعيش خلوة، احيانا احمل كتابا واطالعه، نناقش مشاكلنا بصوت عال، نبحث عن حلول، صحيح انها تصطدم بجدار السياسة الملتوئة في لبنان لكننا نسجل محاولات قد تسجل يوما هدفا لصالحنا".

سليقة وصعتر
في الطبيعة تتكشف لك حقائق مبطنة عن افكار شباب ملوا وكلوا من ترقب متغير قادم من البعيد. في البرية تعيش لحظة ابتعاد عن ارهاصات الواقع بضحكة وذكريات مع سيدات التقين صدفة، على "السليقة" وانتقاء الاعشاب البرية والصعتر والعنة، هنا تتعرف على قوة مجتمع يضعف بسبب ما يعيشه، عند ملتقى الوادي الاخضر تتعرف على منحوتة طبيعية باتت مقصد عشاق الطبيعة ومتنفس كل باحث عن فسحة تأمل لممارسة هواية التأمل والمشي وفق ما تقول ياسمين التي تقصد الوادي من صور اسبوعيا "لنقلب الطاولة على الروتين، فالوادي لوحة تعبر عن اسرار الطبيعة ونقطة التقاء للعديد من الاهالي فنتعرف على ثقافات وعادات قرى وبلدات عديدة تلتقي في نفس المكان". على طفولة تبحث عن نفسها في ركوب الدراجة والسباق ولعب كرة القدم، في براري الجنوب تتعرف على خلل التركيبة المجتمعية "لجهة ضعف الثقافة، المراكز الانمائية، الانشطة"، على بحث عن فضاء لا تدخله لا السياسة ولا مشاكلها، فيها فقط رائحة التبولة واللحم المشوي تخترق البراري.

المصدر :رنا جوني - البلد