الأربعاء 29 تشرين الثاني 2017 21:59 م

رسالة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الى اللبنانيين بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف


وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف الاتي نصها:

       الحمدُ للهِ القائلِ : ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ .

       وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ ، وحدَه لا شريكَ لهُ ، له المُلكُ وله الحَمْدُ وهو على كلِّ شيءٍ قَدِير.

       وأشهدُ أنَّ سيِّدَنَا ونبيَّنَا محمداً عبْدُهُ ورسولُهُ، القائل : (إنَّمَا أنا رَحْمَةٌ مُهْدَاة) ، أرسَلَهُ تعالى بالهدَى والنُّورِ والخيرِ والرَّحمة ، وأزالَ به الجهلَ، وأضاءَ به الظلامَ.

اللهم صلِّ وسلِّم وباركْ عليه وعلى آلِهِ وأصحابهِ، ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.  وبعد :

       يقولُ المولى تباركَ وتعالى في مُحكَمِ تنزيلِه :

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً* وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً* وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً﴾.

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :

       تَحُلُّ علينا الذِّكرى العَطِرَةُ لِمَولِدِ نَبِيِّنا محمَّد ، صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه ، وهي ذِكْرَى غاليةٌ وعَزِيزةٌ على قلبِ وعقلِ كلِّ عَربيٍّ وَمُسْلِم . فهذا القُرشِيُّ اليتيم ، اِبنُ المرأةِ التي كانتْ تأكُلُ القَدِيدَ بِمَكَّة ، اِختارَهُ اللهُ سبحانَه، واصطفاهُ رسولاً لِلعَالَمِين ، رَحمةً مِنْهُ وفَضْلاً : قَالَ تَعَالى : ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ . وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ الذي نَحْتَفِي بِذِكرَى مَولِدِه ، صَلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه ، أنشأَ الأمَّةَ ، وأقامَ الدَّولة ، فغَيَّرَ وَجهَ العَالَم، وتَرَكَنَا على المَحَجَّةِ البَيضاءِ الواضِحَة ، لا يَضِلُّ عنها إلا هالِك.

       يَصِفُهُ جَلَّ وعَلا في القُرآنِ الكريمِ فيقول : ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ، ويقولُ واصِفاً تَعامُلَهُ مَعَ أصحابِه : ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾، فالرَّحمَةُ التي أُنزِلَ بها، صلواتُ ربِّي وسلاماتُهُ عليه ، اِنْتَشَرَتْ وَعُرِفَتْ بَرَكاتُها بالأمَانَةِ والأَخْلاق، في صِغَارِ الأمورِ وكِبَارِها . ومَنْ يَزعُمُ أنَّ سياسةَ الدُّنيا بالأخلاقِ الحَسَنة ، والقِيَمِ الفائقةِ القائمةِ على الصِّدقِ مَعَ النَّفْسِ والآخَرين ، تتنافى مَعَ الحقوق ، يُخطئُ خطًأً كبيراً . فالأخْلاقُ هي الحُقوقُ بِحدِّ ذاتِها ، وهي اعتقاداتٌ وسلوكٌ ومبادئ . فَمِنَ الأخلاقِ تعامُلُهُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه مَعَ أصحابِه ، ومَعَ النِّساءِ والأطفال ، وتواضُعُهُ وحُبُّهُ لِبَنِي البشَر . وَمِنَ الأخلاقِ القِيَمِيَّةِ الكُبرى، ودائمًا بِمُقتضَى مِظلَّةِ الرَّحمةِ والعنايةِ الإلهِيَّة: مبدأُ المُساواة. فقد قالَ اللهُ تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾، وعلى هذا الأساس، أساسِ التَّساوي بين البشرِ في الإنسانيَّةِ والحُقوق ، أمامَ مُجتمعِ المَدِينةِ الأَوَّل، وَلِماذا لا يكونُ الأمرُ كذلك ، وقدِ اعتبَرَ اللهُ سُبحانَه وتَعالى في القرآنِ العَلاقاتِ بين البشر، قائمةً على التَّعارُف: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ ، أي إنَّ الأكرمَ والأقربَ إلى اللهِ منكُم ، مَنِ آمَنَ بِهِ تَعَالى واتَّقَاه ، واتَّبَعَ مَبدأَ الرَّحمةِ ، ومارَسَهُ في سُلُوكِه ، وفي عَلائقِهِ بالقريبِ والبعيد 

       أيها المسلمون :عندما نَحتفِي بِذِكرى مَولِدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم ، إنَّما نَحتفِي بهذا الخُلُقِ العَظِيم ، خُلُقِ الرَّحمةِ والمُساواةِ ، والعَدَالةِ والوُدِّ بينَ بَنِي البَشَر : خُلُقُ إلقاءِ السَّلامِ على مَنْ تَعْرِفُ ومَنْ لا تَعْرِف ؛ وكَمَا قَالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في خُطبةِ الوَدَاع : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ : أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى) . ولذلكَ أيضاً وأيضاً يُؤَكِّدُ القرآنُ الكريمُ في عَشَراتِ الآيات، أنَّ الإيمانَ لا بُدَّ مِنْ أنْ يرتَبِطَ بالعَمَلِ الصَالِح، قَالَ تَعَالى : ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ .

       وعندَما نَحتفِي بِمَولِدِهِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه، فلِأنَّهُ بِحَسَبِ القرآن، وبِحَسَبِ أحادِيثِهِ الصَّحيحَة ، ما كانَ بِدْعاً مِنَ الرُّسُل ، فهوَ الرسُولُ الذِي خُتِمَتْ بِهِ الرِّسَالات ، وأَتَمَّ اللهُ بهِ الدِّين ،  قَالَ تَعَالى : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ ،  وفي ذَلِك يَقُولُ صلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عليه : (مَثَلِى وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِى ، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَاناً ، فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ ، وَيَقُولُونَ : هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) . وَلْنَسْمَعْ مِصداقَ ذلِكَ في قولِهِ تَعَالى : ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ .

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :

       في ذِكرَى مَولِدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم ، نَتَعَلَّمُ مِنهُ أنَّ قِيَمَ الرَّحمةِ والعِنايةِ والتَّعارُف ، تَتَجلَّى عَمَلِيّاً في مَفهومِ المَعروف . والمَعروفُ فضائلُ وَكَرَمُ نَفْسٍ ، وإحسانٌ وَخَيْر . المَعروفُ هو ما يَتَعَارَفُ عليه النَّاسُ في عَيشِهِمُ المُشترَك، وفي تَعامُلِهمِ ، وفي تربيةِ أولادِهِم ، وفي علائقِهِم بِجِوارِهِم ، وفي رُؤيَتِهِم لِلعَالَمِ مِنْ حَولِهِم . والمُنكَرُ هو مَجموعةُ الأفكارِ والمُمارساتِ السَّيِّئة ، وهي قد تكونُ في التَّعامُلاتِ التِّجارِيَّة ، وفي الاعتِداءِ على حُرُماتِ النَّاس ، وفي العَمَلِ السِّياسِيِّ والوَطَنِيّ .

       إنَّ الذي نُريدُ أنْ نُنَبِّهَ إليهِ في ذِكرى مَولِدِ نَبِيِّ الهُدَى ، أنَّنَا في حَياتِنَا الخاصَّةِ والعَامَّة ، وحياتِنَا الوطنِيَّة ، وفي تعامُلاتِنا فيمَا بَينَنا ، وفي تَعَامُلِنَا مَعَ جِوارِنا العربِيّ، إنَّمَا نُعاني أزمَةً. يسألُ أحدُنا عَن حقوقِهِ وَمَطَامِحِهِ وَمَطَامِعِه ، لكِنَّهُ لا يَسألُ عَنْ وَاجِبَاتِهِ والتِزَامَاتِه. ويَسألُ عَمَّا يُمكِنُهُ أخذُهُ والإسْتِئْثَارُ بِه ، ولا يَسألُ عَمَّا يَنَالُ مُحِيطَهُ وَوَطَنَهُ وبني قومِهِ مِنْ جرَّاءِ ذلِك.

       ثلاثةُ مُفرداتٍ أو كلماتٍ أو مَفاهيمَ ، تَتَكَرَّرُ كثيراً في كلامِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم ، وهي: الرَّحمةُ والمَعروفُ والأمانة . ورسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم يَعتبِرُ الأمانةَ تارةً جُزءاً مِنَ المَعروف ، وتارةً أُخرى جُزءاً مِنَ الرَّحمة . وهكذا ، فهي رأسٌ مِنْ رُؤوسِ القِيَمِ الأخلاقِيَّةِ التي إذا غابتْ أو تَضاءَلتْ ، نَزَلَ ضَررٌ كبيرٌ في الحَيَاتَيْن الاجتِماعيَّةِ والوطَنِيَّة.

       إنَّ مِنَ الأمانةِ لِلرِسالةِ التي نَتَحَمَّلُها بِمُقتَضَى الدِّينِ والأخلاقِ والوطنِيَّة، القول: إنَّ إخوانَنَا العرب ، وليسَ مُنذُ الأزمَةِ الأخيرة ، يَشكُونَ مُرَّ الشَّكوى مِنْ إيذائِنَا، أو إيذاءِ فئةٍ مِنَّا لأمنِهِم واستِقرارِ بُلدَانِهِم ، وَسْطَ الأحداثِ الطَّاحِنَةِ التي غَصَّتْ بها مَنطِقتُنا العربيَّةُ في السَّنواتِ الماضية. ولا يُمْكِنُ القَوْل : إِنَّنَا لا نستطيعُ أنْ نَفعَلَ شيئاً إزاءَ ذلك، لأنَّه يَفوقُ قُدُراتِنا ، فَهَذَا القَولُ غيرُ صحيح ، وغيرُ ملائمٍ في تَصرُّفاتِ الأفراد ، فكيفَ في تَصرُّفاتِ الدُّول؟

       إنَّ الذي يَتَسبَّبُ بالضَّررِ لِلآخَرِين ، يَكونُ عليهِ أنْ يَتَوَقَّعَ نُزُولَ الضَّرَرِ بهِ هوَ أيضاً.. كُنَّا قد قرَّرْنَا وبالإجماع ، مُنذُ العام 2011 النَّأيَ بالنَّفْسِ أوِ الحِيادِ إزاءَ ما يَحدُثُ بالجِوار. وكان يُمكِنُ الالتِزَامُ بِه ، ونحن اليوم بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى الالتزامِ الكاملِ بسياسةِ النَّأْيِ بالنَّفْسِ ، حِرصاً على أنفُسِنا وعلى وَطَنِنَا ، ولِتَقليلِ الأضرارِ إنْ لم يُمْكِنْ دَفْعُ الضَّررِ كُلِّه .

أيها المسلمون أيها اللبنانيون أيها العرب :

       إنَّ هذا الخَرابَ الذي حَصَلَ ويَحصُلُ في حواضرِنا العربية ، هُوَ هَوْلٌ هَائِل، وإنَّ المَطلوبَ مِنَّا بِمُقتضى الأمانةِ والمسؤولِيَّة ، أنْ نُنكِرَ المُنكَرَ في الحدِّ الأَدْنى بقلوبِنا، وفي الحدِّ الأوسَطِ بألسِنَتِنا. وها نحنُ نُشهِدُكَ يا اللهُ أنَّنا لم نَرضَ ، ولا نَقبلُ بهذا القتلِ والتَّهجير ، وفَجَائعِ النِّساءِ والأطفالِ والشُّيوخ . وهل يَعْرِفُ جُمهورُنا أنَّ ثمانين بالمئةِ مِنَ المُهجَّرين السُّوريِّين في لبنان، هم مِنَ النِّساءِ الأطفالِ؟

       وفي ذِكرى مولِدِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم، نَذكُرُ الفاجِعَةَ الهائلةَ التي نَزَلتْ بِمِصر؛  كِنانةِ اللهِ في أرضِه ، باستشهادِ مئاتِ المُصلِّين في جامِعٍ للجُمُعةِ والجَمَاَعةِ بِسَيناء . قلوبُنا وعقولُنا مَعَ إخوتِنا وأطفالِنا بِمِصرَ الغَالية . في سورةِ قريش، جاءَ قولُ اللهِ تعالى: ﴿الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾  ، وفي ليالي مَعركَةِ الخَندق، بالمدينةِ المُنوَّرة ، التي كانتْ مُحَاصَرَة، كان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم يَقِفُ في ظُلُماتِ البردِ والخَوفِ بينَ المُدافعينَ عَنْ مَدينَتِهِم ، مُبَشِّراً بِمُستَقبلٍ آمِنٍ لا خَوفَ فيه . نعم ، نحن العربُ مُستَهدَفون ، فاللهُمَّ في ذِكرى مولِدِ نبِيِّك ، النَّبِيِّ العربِيِّ ، نبيِّ الرَّحمةِ والمَلحَمة ، آمِنْ رَوعاتِنَا، وكُنْ لنا ولا تَكُنْ علينا، واشْمَلْنَا بِعَطفِكَ وَرَحْمَتِكَ وَمَعروفِك ؛ غُفرانَكَ رَبَّنَا وإليكَ المصير.

 

 أيها المسلمون؛ أيها اللبنانيّون:

       نَحْنُ مَرَرْنَا بأزمةٍ وَطَنِيَّةٍ مُقْلِقَة بعدَ استِقالةِ الرَّئيس سعد الحريري ، ونحن مَعَهُ فيما يُحاوِلُهُ مِنْ إحداثِ توازُنٍ في السِّياساتِ الوطنِيَّة . وكما توَحَّدَ اللبنانيُّونَ مِنْ حَولِ الرَّئيسِ الشَّهيد رفيق الحريري ، هم مُوَحَّدونَ اليومَ مِنْ حَولِ الرَّئيس سعد الحريري للنهوضِ بالدولةِ وتفعيلِ مؤسَّسَاتِها.

       إنَّ سياسة لا ضَررَ ولا ضِرار هي مِن تمامِ الحِكمةِ والعَدلِ والمَنطِقِ الذي ينبغي أن نُعالِجَ بها قضايانا ، لِتَقوَى وَحدَتُنا الوَطَنِيَّة، ولكي لا يَتَعرَّضَ وَطَنُنَا وأمنُنُا وعَيشُنا لِلأخطار، نريد أن يكونَ لبنانُ آمِناً مُطمَئناً مُستقِراً مُوَحَّداً نائياً بِنفسِه عمَّا يَجرِي في المَنطِقة ، وَحَذارِ مِنَ التَّدخُّلِ في قضايا غيرِنا مِنْ أشقائِنا العَرَب . يَكفِينَا ما فيه وَطَنُنا مِنْ أزَمَات .

       إننا نتوسَّمُ خيراً بالمشاوراتِ التي أُجرِيتْ وَتَجري في قصرِ بعبدا ، والتي نَأمُلُ أنْ تَظهَرَ إيجابِيَّاتُها في الأيامِ المقبلة ، بانفتاحِ الجميعِ على التَّعاوُن، لِلخُرُوجِ مِنَ الأزمَةِ التي دَفَعَتِ الرئيس سعد الحريري إلى الاستقالةِ ثم التَّرَيُّثِ بها، إِفْسَاحاً في المَجالِ لِلحِوار، مِنْ أجلِ إنقاذِ لبنان ، بِتَفَاهُمٍ وَطَنِيّ ، يُعِيدُ استئنافَ عَمَلِ الحكومة ، التي نحن بأَمَسِّ الحَاجَةِ إليها، خصوصاً أنَّنا على أبوابِ إجراءِ الانتخاباتِ النيابية، التي يَنتظِرُها اللبنانيون بفارِغِ الصَّبر، لانتظامِ الحياةِ الدستوريةِ في لبنان.

       في ذِكرَى مَولِدِكَ يا رسولَ الله ، صلواتُ ربِّي وسَلامَاتُه عليك ، نَعرِفُ أنَّكَ يا نَبيَّ الرَّحمة ، وُلِدتَ بَعدَ مَوتِ والِدِك ، وَفَقدْتَ أُمَّكَ صغيراً ، ثمَّ فقَدتَ الجَدَّ الذي كانَ يَرعاك . لكِنَّكَ يا مُحَمَّدُ ، أيُّها الطِّفلُ اليَتِيم ، مِنْ تِلكَ البلدَةِ غيرِ ذاتِ الزَّرع، خَرَجْتَ ، فَغَيَّرتَ العَالَم ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ . صَدَقَ اللهُ العَظِيم . وكلُّ عامٍ وأنتم بخير .

المصدر :جنوبيات