مُنذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية قبل شهر وعام من الآن، حيّر العالم من المواقف والقرارات التي يمكن أنْ يتّخذها.
وبرز ذلك بشكل واضح بعد تسلّمه مقاليد الحكم، حيث أربك العالم بقراراته داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، ونفّذ الكثير من التعهّدات التي كان قد أطلقها خلال الحملة الإنتخابية، لكن بقي بعضها مؤجّلاً بانتظار مناسبات ملائمة، وبين هذه القرارات وعده الإنتخابي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.
وإنْ كان قد وقّع خلال شهر حزيران الماضي، قرار تأجيل النقل، وهو ما درج علية الرؤساء الأميركيون بتأجيله لستة أشهر، منذ أنْ أصدر الكونغرس الأميركي قانوناً في العام 1995، لكن في الأيام الماضية كثر الحديث عن أنّ ترامب سيمتنع عن توقيع قرار تأجيل نقل السفارة، بل ذكر أنّه بصدد الإعتراف بالقدس عاصمة موحّدة لـ"إسرائيل"، وهو ما حُدِّدَ اليوم (الأربعاء) موعداً له.
وبات واضحاً أنّ الرئيس الأميركي الـ45، وبعدما أنهى عامه الأوّل بترتيب إدارته، بدأ العمل جاهداً على تحقيق صفقات، وإيجاد تسويات بشأن ما يخطّط له في خريطة العالم، وفي مقدّمة هذه الملفات الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي شكّل هاجساً وحلماً للرئيس ترامب بإيجاد حلّ له.
لكن ثبت انحيازه لصالح الكيان الإسرائيلي، و"ابتزازه" للجانب الفلسطيني والعربي والإسلامي، في ضوء ضبابية الرؤية إلى ما يمكن أنْ يتّخذه من قرارات تنطلق من عصبيته وتوتّره الزائدين.
وقد أثار الحديث عن نيّة الرئيس ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، موجة شجب واستنكار فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية.
وإذا كانت المواقف الفلسطينية والعربية والإسلامية ليست ذات تأثير فاعل، فإنّ المجتمع الدولي يخشى من خطورة التأثير السلبي لمثل هذا القرار، وهو ما عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إتصال هاتفي مع الرئيس الأميركي، مبدياً قلقه "من احتمال إعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" من جانب واحد".
وفي تطوّر لافت، تلقّى الرئيس محمود عباس، مساء أمس (الثلاثاء)، اتصالاً هاتفياً من الرئيس ترامب، جرى خلاله التطرّق إلى الوضع في القدس، ونيّته الإعتراف بها عاصمة لـ"إسرائيل" من جهة، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس من جهة أخرى".
وحذّر الرئيس عباس "من خطورة تداعيات مثل هذا القرار على عملية السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، والموقف الثابت والراسخ بأنّ لا دولة فلسطينية دون القدس الشرقية عاصمة لها، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية".
واتصل الرئيس الأميركي هاتفياً بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حيث جرى خلال الاتصال بحث العلاقات بين البلدين وتطورات الأوضاع في المنطقة والعالم.
وأكد خادم الحرمين الشريفين لترامب أنّ أي إعلان أميركي بشأن وضع القدس يسبق الوصول إلى تسوية نهائية سيضر بمفاوضات السلام ويزيد التوتّر بالمنطقة، موضحا أنّ سياسة المملكة كانت ولا تزال داعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية.
وشدّد على أنّ من شأن هذه الخطوة الخطيرة استفزاز مشاعر المسلمين كافة حول العالم نظراً إلى مكانة القدس العظيمة والمسجد الأقصى القبلة الأولى للمسلمين.
كما أجرى الرئيس ترامب اتصالات هاتفية برئيس وزراء الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
فيما جرى اتصال هاتفي بين الرئيس عباس ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تمّت خلاله مناقشة اتصالات الرئيس ماكرون وجهوده مع الرئيس الأميركي، حول ما يتردّد من خطوة أميركية مرتقبة.
وثمّن الرئيس عباس "الجهود التي يقوم بها الرئيس ماكرون، وموقف فرنسا الساعي للوصول إلى سلام عادل، وتحقيق الاستقرار في المنطقة".
وجاء تحرّك الرئيس الفرنسي عقب رسالة واتصال هاتفي من الرئيس عباس.
وكان الرئيس عباس قد أكد في لقاءات متعدّدة أنّ "القدس ليست أبو ديس، لكن أبو ديس جزء من القدس، وكلامنا مفهوم لأنّنا نسمع كلاماً كثيراً عن العاصمة هناك وهناك".
وشدّد على أنّ "العاصمة هي القدس وما حولها، وما لم تكن القدس مذكورة بالقلم العريض الواضح أنها عاصمة دولة فلسطين، لن يكون معهم سلام وليسمعوا هذا".
من جهته، أعلن الناطق بإسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أنّ "الرئيس سيواصل اتصالاته مع قادة وزعماء العالم من أجل الحيلولة دون اتخاذ مثل هذه الخطوة المرفوضة وغير المقبولة".
وأكد أنّ "القيادة الفلسطينية تدرس المطالبة بعقد قمة عربية طارئة وعاجلة، إذا ما تمّت الخطوة الأميركية للإعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" أو نقل السفارة إليها، لأنّ خطورة مثل هذه الخطوة تتطلّب أنْ يتحمّل الجميع مسؤولياته، تجاه أي مساس بالقدس عاصمة دولة فلسطين".
إلى ذلك، غادر أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" الدكتور صائب عريقات ورئيس المخابرات العامة اللواء ماجد فرج واشنطن على عجل، بعدما التقيا مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر ومبعوثه للشرق الأوسط جيسون غرينبلات ونائبه مستشار الأمن القومي دينا باول، حتى لا يشهدا على قرار الرئيس الأميركي، بعدما سلّما رسالة احتجاج رسمية للإدارة الأميركية تحذيراً "من الإقدام على هذه الخطوة، التي ستنسف العملية السلمية وأي فرصة حقيقية لعملية السلام إذا تمت".
وقال رئيس المفوضية العامة لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" لدى الولايات المتحدة الدكتور حسام زملط في صفحته الرسمية على "فايسبوك": "إنّ عريقات وفرج غادرا واشنطن عائدين إلى أرض الوطن".
في غضون ذلك، طلبت وزارة الخارجية الأميركية من كافة السفارات الأميركية في العالم "رفع حالة التأهّب الأمني، وذلك تحسّباً من أنّ قرار ترامب بشأن القدس قد يثير موجة احتجاجات في العالمين العربي والإسلامي".
كما أنّ الكيان الإسرائيلي وُضِعَ في حالة التأهّب خشية أي "سيناريوهات" تصعيد محتملة في أعقاب الإعلان المحتمل للرئيس الأميركي.
وخلال جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أكد رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو أنّ "الأجهزة الأمنية تستعد لسيناريو تصعيد، وقوّات الأمن تعرف جيداً ما الذي يتوجّب فعله، كما أنّه لا توجد أي معلومات تشير إلى تصعيد محتمل".
وفي ما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية، يواصل الوفد الأمني المصري تواجده في قطاع غزّة لتمكين "حكومة الوفاق الوطني" برئاسة الدكتور رامي الحمد الله من مهامها كاملة في القطاع، وذلك في ضوء النتائج الإيجابية التي تمَّ التوصّل إليها إثر الإجتماع الذي عُقِدَ بين وفدَيْ "فتح" و"حماس" برئاسة عزام الأحمد ويحيى السنوار مع الراعي المصري، لحلحلة بعض العُقَد التي واجهت تنفيذ ما كان قد اتُّفِقَ عليه سابقاً في القاهرة، بعدما تمَّ تمديد فترة تسلّم الحكومة لمدّة 10 أيام تنتهي في العاشر من الجاري بدلاً من بداية هذا الشهر.
وأبلغت القاهرة الوفدين بأنّ "تجاوز تاريخ تنفيذ الاتفاق والتلكؤ في المصالحة، لن يخدما سوى أعداء الشعب الفلسطيني"، ملوّحة بأنّها "ستكون مضطرة لإرجاء الحوارات والتفاهمات إلى أجل غير مسمّى، والتخلّي عن رعايتها للحوار إذا أصرَّ الأطراف على وضع العراقيل".