شكراً للرئيس الأميركي دونالد ترامب على إسقاطه ورقة التوت الأميركية ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم.
فقد جاء إعلان الرئيس ترامب باعتبار القدس عاصمة لـ«إسرائيل» وبدء التحضيرات لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ليثبت إنحياز إدارته لصالح الكيان الصهيوني، حيث تزامن ذلك مع قرار مجلس النواب الأميركي وقف دفع المساعدات للسلطة الوطنية الفلسطينية.
وإذا كانت الأجهزة الأميركية والصهيونية تخططان منذ سنوات لفتنة سنية - شيعية، بعد إنهاء فكرة الصراع العربي - الإسرائيلي وحصره بالجانب الفلسطيني، فإن قرار الرئيس الـ45 للولايات المتحدة، وحد الموقف العربي والإسلامي والمسيحي - ولو إعلامياً - رداً على القرار الزلزال، الذي لم يتجرأ أي رئيس أميركي على اتخاذه منذ احتلال أول عاصمة عربية في العام 1967.
وينذر هذا القرار الأرعن في تاريخ الإدارة الأميركية، بعواقب وخيمة، ستكون له تداعيات سلبية تتجاوز المصالح الأميركية والإسرائيلية إلى إشعال فتيل توترات في المنطقة والعالم، لأن القدس لا تعني الفلسطينيين وحدهم، بل العرب والمسلمين والمسيحيين والأحرار في العالم.
وقد استشعرت دول أجنبية خطورة الخطوة الآحادية للبيت الأبيض، ما قد تؤدي إلى نتائج وخيمة، على الرغم من أن تجارب سابقة مرت وتركت للأيام أن تمحو ندوبها، لكن قضية أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، حيث المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، مغايرة كلياً عن القرارات الأخرى.
وأثبتت التجارب أن الشعب الفلسطيني لا ينام على ضيم، بل أن الظلم الذي يتعرض له يفجر ثورة.
وتجاهل الرئيس الأميركي، ردود الفعل العربية والدولية المحذّرة من عواقب قراره الذي يعارضه العالم.
فقد اعترف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وبدء التحضيرات لنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس والإعتراف بالمدينة عاصمة لـ»إسرائيل».
فقد وقّع الرئيس الأميركي، أمس، على القرار، قائلاً: «إنّ الوقت حان للإعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل».
وتوجّه إلى العالم في خطابه من البيت الأبيض قائلاً: «أوفيت بالوعد الذي قطعته، ولـ«إسرائيل» الحق في تحديد عاصمتها»، مشيراً إلى أنّه «لأكثر من 20 عاماً رفض الرؤساء الأميركيون الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل»، واصفاً «الإستراتيجيات التي اتبعت حول الشرق الأوسط في الماضي فاشلة».
وطلب الرئيس ترامب «وزارة الخارجية الأميركية، بدء التحضيرات لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس»، مشيراً إلى أنّ «قرار نقل السفارة لا يعني وقف التزامنا بالتوصّل لسلام دائم».
وأوضح أن «الولايات المتحدة ملتزمة تسهيل اتفاق سلام مقبول للفلسطينيين والإسرائيليين، وسوف ندعم حلّ الدولتين إذا اتفق على ذلك الفلسطينيون والإسرائيليون، ونحن ملتزمون بالإبقاء على الوضع الحالي في القدس».
وحث على «الهدوء» و»التسامح»، مشيراً إلى أنّ نائبه مايك بنس «سيتوجه إلى الشرق الأوسط خلال الأيّام القليلة المقبلة».
وقال: «اليوم ندعو إلى الهدوء والإعتدال، ولكي تعلو أصوات التسامح على أصوات الكراهية، ونطلب من قادة المنطقة الدينيين والسياسيين الإنضمام إلى الولايات المتحدة لإحلال السلام».
وأشار قائلاً: «هناك رؤساء عديدون كانوا يريدون القيام بشيء ولم يفعلوا، سواء تعلق الأمر بشجاعتهم أو أنّهم غيّروا رأيهم، لا يمكنني أن أقول لكم»، معتبراً نفسه أنه «رئيس يجرؤ على تنفيذ وعود أحجم عنها رؤساء سابقون»، مشدداً على أنّ «الأمر تأخّر كثيراً».
وفي أول رد فعل على قرار الرئيس الأميركي، اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن «الإدارة الأميركية بإعلانها القدس عاصمة لـ»إسرائيل»، قد اختارت أن تخالف جميع القرارات والاتفاقات الدولية والثنائية وفضلت أن تتجاهل، وأن تناقض الإجماع الدولي الذي عبرت عنه مواقف مختلف دول وزعماء العالم وقياداته الروحية والمنظمات الإقليمية خلال الأيام القليلة الماضية حول موضوع القدس».
ورأى في خطاب ألقاه من رام الله أن «هذه الإجراءات تمثل مكافأة لـ«إسرائيل» على تنكرها للاتفاقات وتحديها للشرعية الدولية، وتشجيعاً لها على مواصلة سياسة الإحتلال والإستيطان و«الأبارتهايد» والتطهير العرقي».
وشدد على أن «هذه الإجراءات تصب في خدمة الجماعات المتطرفة التي تحاول تحويل الصراع في منطقتنا إلى حرب دينية، تجر المنطقة التي تعيش أوضاعاً حرجة في أتون صراعات دولية وحروب لا تنتهي، وهو ما حذرنا منه على الدوام وأكدنا حرصنا على رفضه ومحاربته».
وختم الرئيس الفلسطيني بالقول: «إن هذه الإجراءات المستنكرة والمرفوضة، تشكل تقويضاً متعمداً لجميع الجهود المبذولة من أجل تحقيق السلام، وتمثل إعلاناً بانسحاب الولايات المتحدة من ممارسة الدور الذي كانت تلعبه خلال العقود الماضية في رعاية عملية السلام، وهذا القرار لن يعطي أية شرعية لـ«إسرائيل» كون القدس مدينة فلسطينية عربية مسيحية إسلامية وعاصمة دولة فلسطين الأبدية».
وجاء الترحيب الإسرائيلي سريعاً على لسان رئيس وزراء حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو، الذي رحب بقرار ترامب، واصفاً إياه بأنّه «تاريخي، وقرار شجاع وعادل».
وتعهّد نتنياهو أيضاً «بعدم إجراء أيّ تغييرات على الوضع القائم في الأماكن المقدسة في القدس»، مشيراً إلى أنّ «القرار الأميركي لن يغير أيّ شيء في ما يتعلق بوضع الأماكن المقدسة للأديان السماوية الثلاثة».
وفي إطار الخشية من ردود الفعل على هذا القرار، نشرت السلطات الأميركية قوات «مكافحة الإرهاب» من مشاة البحرية «المارينز» لحماية عدد من سفاراتها في الشرق الأوسط، كإجراء احترازي، لضمان أمن وسلامة بعثاتها الدبلوماسية.
من جهتها، نفذت قوات الإحتلال الإسرائيلي خطة لمواجهة أية تطورات في القدس والضفة الغربية، بعدما كانت قد أجرت تقييماً جديداً للموقف، تقرر إثره زيادة الجهوزية والاستعداد، لمواجهات من المتوقع أن يشارك فيها أعداد كبيرة من المتظاهرين خلال الأيام المقبلة، خاصة مع رصد ارتفاع كبير «بالتحريض» عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية.
هذا، فيما عمت التظاهرات الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والأراضي المحتلة منذ العام 1948، وأماكن الشتات الفلسطيني احتجاجاً وشجباً واستنكاراً لقرار الرئيس الأميركي.
وخلال تنفيذ تظاهرات ومسيرات ووقفات احتجاجية، رفعت الأعلام الفلسطينية، فيما جرى في أكثر من تحرك حرق العلم الأميركي وصور للرئيس ترامب.
وانطلق العشرات من المواطنين، مساء أمس، في مسيرة عفوية غاضبة من دوار المنارة - وسط رام الله، معربين عن رفضهم المطلق لتوقيع الرئيس الأميركي، وقد أطلق مسلحون النار في الهواء، وهم يهددون ويتوعدون بالتصعيد.
كما أطلق مسلحون فلسطينيون النار على حاجز قلنديا العسكري الإسرائيلي.
وأعلنت فصائل العمل الوطني والإسلامي اليوم (الخميس) إضراباً شاملاً في فلسطين، يشمل المدارس.
ودعت القوى والفصائل الوطنية الفلسطينية إلى اعتبار يومي الخميس والجمعة «أيام غضب شعبي شامل في كل أنحاء الوطن والتجمع في كل مراكز المدن والاعتصام أمام السفارات والقنصليات الأميركية، وتركيز خطب الجمعة والأحد في المساجد والكنائس على التأكيد على رفض السياسة الأميركية المعادية».
وبعد إعلان ترامب قراره، أطفأت الأنوار في المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس، وكذلك أطفئت شجرة الميلاد في «مدينة الميلاد» بيت لحم.
وسبق الإعلان، قيام شركة البحث العالمية «غوغل» بتوصيف القدس «عاصمة لإسرائيل»، حيث ظهرت التسمية الأخيرة على الخرائط الموجودة داخل شبكة البحث «غوغل».
ومساءً دعت 8 دول مجلس الأمن إلى جلسة طارئة لبحث تداعيات القرار الأميركي، وكان قد سبق ذلك دعوات لعقد اجتماعات طارئة للمؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية.