في يوم حقوق الإنسان العالمي، تُنتهك حقوقه في "عاصمة السلام" مدينة القدس، على أيدي قوّات الإحتلال الإسرائيلي، مدعومة بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، باعترافه بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب.
لم يكن قرار ترامب اعتباطياً، توقيتاً ومضموناً، بل كان مدروساً لتكريسه أمراً واقعاً وجزءاً من عملية سلام جديدة يتم طرحها في أية مفاوضات، انطلاقاً من أنّ القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، مقدّمة ليهودية الدولة.
نفّذ الرئيس الأميركي الوعد الذي قطعه في حملته الانتخابية، انصياعاً لمصالحه الشخصية ليبقى في سدّة الرئاسة الأميركية، بعد كثافة الملفات التي تُهدّد استمرار وجوده في البيت الأبيض، فسعى إلى كسب ود "اللوبي الصهيوني".
وتسابق فريق عمل الرئيس ترامب المنحاز للفريق الصهيوني إلى حثّه على ضرورة الإسراع باتخاذ قرار الإعتراف ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وفي طليعتهم: نائب الرئيس مايك بينس والملياردير اليهودي شيلدون اديلسون والسفير الأميركي لدى الكيان الإسرائيلي ديفيد فريدمان، الذي شغل وظيفة محام لدى ترامب سابقاً.
هم يعوّلون على أنّ الأيام كفيلة بتنفيس الإحتقان والغضب الشعبين لكن "حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر"، فإذا بالغضب العارم يتفجّر مواجهات بطولية عنيفة داخل القدس والضفة الغربية وغزّة والأراضي المحتلة منذ العام 1948، بوحدة وطنية حقيقية، التحم فيها المُنتفضون يفتدون مهد الرسالات السماوية، رجالاً ونساءً، شيوخاً وأطفالاً وشباناً، يواجهون باللحم الحي آلة القتل والبطش الصهيونية.
يقدّمون الشهداء والجرحى، ويُعتقلون غير آبهين للمصير طالما أنّهم يتسابقون للدفاع عن المقدّسات الإسلامية والمسيحية، والأرض والعرض، في "انتفاضة القدس"، التي يُتوقّع لها أنْ تستمر لفترة طويلة، وأنْ ترتفع وتيرة حراكها، مع احتمالات تنفيذ عمليات فدائية، وبينها نوعية، على اعتبار أنّ قوّات الإحتلال الإسرائيلي وأيضاً الأميركان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، هم هدف مشروع للمناضلين، بما في ذلك اعتبار السفارة الأميركية في القدس أرضاً محتلة واجب تحريرها.
وما زال الرئيس الأرعن ترامب، يُهدّد ويتوعّد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لرفضه استقبال نائبه مايك بينس الذي سيزور المنطقة، ويُلقي خطاباً في الكنيست خلال زيارته للكيان الإسرائيلي، والتي اعتُبِرَتْ استفزازية للشعب الفلسطيني والعالم، خلال النصف الثاني من الشهر الجاري، وأنّ هذا الرفض سيأتي بنتائج عكسية، حيث انسحب هذا الرفض أيضاً بإعلان بابا الكنيسة الأرثوذكسية القبطية في القاهرة تواضروس عن رفض استقباله نائب الرئيس الأميركي، وذلك بعدما سبقه إلى الرفض شيخ الأزهر أحمد الطيب.
وتواصل القيادة الفلسطينية اتصالاتها لتنسيق الخطوات مع الأطراف العربية والإسلامية والأصدقاء في العالم لمواجهة الغطرسة الأميركية والهمجية الصهيونية.
وأكد سفير دولة فلسطين بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية دياب اللوح لـ"اللـواء" أنّ "الرئيس محمود عباس وصل إلى القاهرة مساء أمس (الأحد) في زيارة لمدّة يومين، بناء على دعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي للتباحث حول آخر التطوّرات والمستجدات".
ولدى القيادة الفلسطينية أوراق عدّة يمكن استخدامها في مواجهة التفرّد والإنحياز الأميركي، ومنها التقدم بشكوى إلى "مجلس الأمن الدولي" ضد الولايات المتحدة الأميركية.
وبتوجيهات من الرئيس "أبو مازن"، من المقرر أن يتقدم مندوب فلسطين الدائم في "الأمم المتحدة" الدكتور رياض منصور اليوم (الاثنين) بالشكوى ضد القرار الأميركي التعسّفي، وإجبار الحكومة الأميركية على التراجع عنه،لتكون سابقة تاريخية، حيث لا يمكن للولايات المتحدة وضع "فيتو" لأنّها طرف بالنزاع.
وأيضاً الانضمام إلى العديد من المنظّمات والمعاهدات التي بإمكان فلسطين الانضمام إليها.
وكذلك دعوة اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" وتفعيل دورها، كما المجلس المركزي للمنظمة واللجنة المركزية لحركة "فتح"، واعتبارهم في حالة انعقاد مستمر لمواكبة التطوّرات.
وإنْ كان القرار لا يزال حبراً على ورق، إلا أنّ الخشية من خطوات تتخذها حكومة الإحتلال للتضييق على المقدسيين، وبينها تخييرهم بين الهوية الإسرائيلية أو الهوية الأردنية التي يحملونها، في محاولة للتطهير العرقي، قبل اتخاذ قرارات بإبعادهم عن المدينة المقدّسة، مع مضاعفة الإستيطان، حيث أعلن الإحتلال عن بناء 14 ألف وحدة سكنية في القدس، منها 7 آلاف في مستوطنات شرق المدينة المقدّسة.
هذا، وصادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع، مساء أمس، على مشروع قانون يمنح المجلس الوزاري المصغّر لشؤون الخارجية والأمن "الكابينت"، الصلاحية باتخاذ قرار إعلان الحرب أو شن أي عملية عسكرية قد تؤدي إلى حرب، دون الرجوع إلى الحكومة كما كان متبّعاً في السابق.
ومن المرجّح أنْ تصادق الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلية على مشروع القانون بالقراءات الثلاث بأغلبية، بفضل تصويت الإئتلاف، دون الإكتراث للأصوات المعارضة.
ودفع رئيس حكومة الإحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باقتراح القانون الذي يسمح له بإعلان حرب أو عملية عسكرية قد تؤدّي إلى حرب، دون الحاجة إلى موافقة الحكومة أو أغلبية أعضاء الكنيست، إذ تكون موافقة "الكابينيت" كافية، وفي أحيان معيّنة، دون الحاجة إلى حضور كافة أعضائه.
من جهته، كشف القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد، أمس، أنّ "قرار دونالد ترامب القاضي بالإعتراف بالقدس عاصمة لـ"إسرائيل" لا رجعة عنه"، مشيراً إلى "وجود مبادرة سلام جديدة مطلع العام المقبل".
من ناحيتها، شدّدت لجنة المتابعة في الداخل الفلسطيني وقوى وطنية ودينية في القدس على ضرورة مقاطعة المؤسّسات الأميركية بأكملها، ردّاً على قرار ترامب بإعلانه القدس عاصمة لـ"إسرائيل".
وعقدت شخصيات وقوى وطنية ودينية من القدس والداخل الفلسطيني أمس (الأحد) مؤتمراً في فندق الدار بمدينة القدس، الذي تواجد في محيطه العشرات من الضبّاط وقوّات الإحتلال وفرق الخيالة.
وأكدت أنّ "أميركا أنهت دورها بما يعرف بالمفاوضات، ولم تكن محايدة بقرارها".
وقال رئيس الهيئة الإسلامية العليا الشيخ عكرمة صبري: "إنّ استهداف مدينة القدس، هو استهداف لكل فلسطيني ولمقدساتها الإسلامية والمسيحية، وإعلان ترامب يدل على أن أميركا رفعت يديها عن ما يعرف بالمفاوضات، وقالت بصراحة لا سلام وأعلن الحرب علينا".
ميدانياً، استمرّت المواجهات في الغليان بالشارع الفلسطيني، حيث تصدّى الفلسطينيون باللحم الحي لجنود الإحتلال المدجّجين بأعتى الأسلحة والذخائر، ولم يمنع استخدام الإحتلال للرصاص الحي والمغلّف بالمطاط والقنابل الدخانية والغازية والمسيّلة للدموع والمياه العادمة إلى مغادرة المتظاهرين الشوارع والساحات ونقاط التماس مع مراكز ومواقع الإحتلال.
ولم يستثنِ الإحتلال في ممارساته القمعية صغيراً أو كبيراً، رجلاً أو إمرأة، بل عمد إلى التنكيل من خلال الضرب أو محاولات الخنق وتكسير العظام في محاولة لبث الرعب في قلوب المتظاهرين.
وأقدمت قوّاته بعد ظهر السبت، على اعتقال النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني وعضو المجلس الثوري لحركة "فتح" جهاد أبو زنيد، خلال مشاركتها أبناء المدينة المقدّسة في الدفاع عنها بتظاهرة وسط شارع صلاح الدين.
وهدف الإحتلال من ذلك إلى محاولة تفريغ الساحة من القادة الميدانيين، لإحباط مخطّطات التحرّك والتأثير على المتظاهرين وكسر عزيمة المعتقلين.
وعلى الرغم من مطاردة قوات "اليسام" وخيّالة وشرطة الإحتلال للمناضلة جهاد، إلا أنّها لم تترك الميدان، فكانت "لبؤة" تواجه المحتلين صارخة بوجههم: "أنا هنا في القدس عاصمتي.. أنا فداء للقدس، لن يتحقق حلمكم، وسأقاضيكم"، قبل أنْ تلتفت إلى المقدسيين قائلة: "قولوا الله يا رجال".
تلك المرأة الأسطورة تثبت التمسّك بالحق الفلسطيني دون انتظار دعم وقرارات قد لا تُسمِن ولا تغني من جوع.
وسُجّلت، أمس، أوّل عملية طعن، منذ قرار الرئيس الأميركي، حين أقدم الشاب الفلسطيني ياسين يوسف حافظ أبو القرعة (24 عاماً من سكان الفارعة - شمال مدينة نابلس)، على طعن حارس أمن في محطة الحافلات المركزية الإسرائيلية في القدس، فأُصيب بجروح خطيرة، حيث وصفت حالته بالميؤوس منها.
ولا يوجد ماضٍ أمني لدى قوّات الإحتلال لمنفّذ العملية، الذي هرب باتجاه شارع يافا، حيث تمكّن شرطي ومستوطن من إمساكه واعتقاله بعد إطلاق النار عليه، قبل الإقدام على تجريده من ملابسه واقتياده مكبّل اليدين، فيما أعلنت حالة الاستنفار في المكان.
وأعلن جيش الإحتلال عن تعرّض حافلة إسرائيلية لإطلاق نار قرب وادي الحرمية - عين يبرود – شمال رام الله، دون وقوع إصابات، لأنّ حافلة المستوطنين مصفّحة.
وقام جنود الإحتلال بدهس المتظاهرين بوحشية والاعتداء على فرق الإسعاف لمنع نقل الجرحى، وعلى الصحافيين لمنعهم من نقل وقائع ما يجري، حيث عرقلوا عمل الصحافية ديالا جويجان أثناء تغطيتها مواجهات القدس.
هذا، في وقت شُيّعت جثامين 4 شهداء في قطاع غزّة، حيث حُمِلوا على الأكف بعدما لُفّوا بالعلم الفلسطيني الذي رفرف فوق آلاف المشاركين، الذين أطلقوا هتافات تُدين قرار ترامب، وتدعو لنصرة القدس.