الثلاثاء 15 آذار 2016 22:40 م

"جمعية رعاية اليتيم" - صيدا تتلمّس الحاجات وتحوّلها إلى طاقات


* سامر زعيتر

ضاقت عليهم الدنيا بضغوطاتها الاجتماعية والاقتصادية، فوجدوا في كنفها الرعاية والاحتضان للمحتاجين والأيتام... لأجل هؤلاء، يأتي دور الجمعيات المدنية، التي تسهم في إيجاد حلول لا تلحظها الدولة ضمن برامجها، فتحوّل الحالات الاجتماعية من عالة إلى طاقات منتجة تسهم في تنمية المجتمع وإستعادة عافيته...
فها هي "جمعية رعاية اليتيم" في صيدا، تحوّل الدور الرعائي إلى تنموي، وتعمل ضمن مراكزها المتخصصة على إعادة تأهيل وبناء الطاقات البشرية، لتفتح "مدرسة أجيال صيدا" أبوابها بخدماتها المجانية للمحتاجين والأيتام، فيما "مراكز تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة" من عقلية وسمعية، تتلمّس مع العيادات المتخصّصة حاجات جديدة تُشاد لها مراكز متخصّصة لاحتضانها، في الوقت الذي لم يقتصر التأهيل المهني المعجّل على الأسوياء بل مكّن ذوي الاحتياجات الإضافية من إيجاد فرص عمل بعد تخرّجهم مباشرة، لتستحق الجمعية لقب الأم المثالية...
"لـواء صيدا والجنوب" يسلِّط الضوء على دور رعاية اليتيم في تلمّس حاجات المجتمع...


التحوّل من الرعاية إلى التنمية


رئيس "جمعية رعاية اليتيم" في صيدا الدكتور سعيد المكاوي أشار إلى "أن الجمعية بدأت عملها في العام 1952، بعد الحرب العالمية الثانية، إنطلاقاً من الحاجة إلى رعاية الأيتام والمحتاجين، فكان الدور الأساسي هو الرعاية من خلال استقطاب الأيتام وتأمين المأوى والمأكل والملبس لهم مع ما يتاح من تعليم. وفي أواخر السبعينيات بدأت الجمعية بنهضة من نوع آخر في رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، فتم تشييد "المركز النموذجي للتأهيل"، وكانت الفكرة منه الاهتمام بالشق الرعائي لذوي الحاجات الخاصة السمعية والعقلية، فضلاً عن إنشاء مركز للأطراف الاصطناعية والعلاج الفيزيائي لعلاج حالات الإعاقة الجسدية، لكن في التسعينيات ومن خلال الدراسة للواقع، برزت الحاجة إلى العمل على تأهيل الحالات وتحويلها إلى عنصر فاعل في المجتمع عبر التأهيل والتعليم، لذلك جرى إعادة تأهيل البنية الأساسية للجمعية".
وقال: "بهمّة أهل الخير، نجحت الجمعية في إعادة تطوير البنية الأساسية لها، سواء من خلال المنامات التي تستقطب أولاد القسم الداخلي من صيدا وسائر المناطق اللبنانية، وصولاً إلى تشييد "مدرسة أجيال صيدا" التي تستوعب 800 طالب من أبناء صيدا، الأيتام والحالات الاجتماعية لمجموعة من الأطفال الذين لا يستطيعون حتى الدخول إلى المدرسة الرسمية، فتقدّم الجمعية لهم كافة الخدمات دون مقابل، من القرطاسية والزي المدرسي والأكل مع تأمين نوعية تعليم بمستوى عالٍ، فضلاً عن الاختصاصيين في العلاج النفسي والنطق ومرشدات اجتماعيات يعملن على تأمين الدعم المدرسي والأسري، كي يتمكن الأولاد من متابعة تحصيلهم العلمي أو متابعة التأهيل المهني، كي تتحوّل هذه الفئات إلى عناصر فاعلة في المجتمع".
وأضاف: "بدعم من أبناء المرحوم الحاج أحمد مصباح البزري تم إعادة تأهيل مدرسة الحاجات الخاصة العقلية التي تستوعب حوالى 150 طالباً من ذوي الإعاقات العقلية البسيطة والمتوسطة، ومنذ 3 سنوات جرى العمل على التأهيل المهني لهذه الشريحة والتمكن من توظيف 30 خرّيجاً وخرّيجة من طلاب ذوي الحاجات الإضافية بعد تخرّجهم مباشرة، وهي خطوة نوعية لهذا القسم".
أوضح أنه "في "مدرسة الصم" وبدعم من الشهيد الرئيس رفيق الحريري، تم إعادة تأهيل المدرسة وتجهيزها، وكان العمل في البداية مع الطلاب كبار السن الذين يعانون من مشاكل سمعية، فجرى العمل معهم لدمجهم في المدارس الخاصة، ونتوقع الوصول إلى مستوى الشهادة المتوسطة خلال السنوات الثلاث المقبلة، لكن جرى بعد ذلك التركيز على الطلاب صغار السن، ضمن مرحلة التدخّل المبكر، لتأمين دمجهم في المدارس العادية خلال فترة قصيرة، لأن زرع القوقعة المبكر وتأهيل هذه الفئات يساعد على سرعة الدمج في المدارس".


تلمّس حاجات جديدة


وقال: "منذ 3 سنوات بدأ العمل ضمن العيادات التخصصية التي تستقبل 50 ولداً يومياً، وهي تهتم بتأهيل النطق والنفس حركي والنفسي، وقد بدأت هذه العيادات في اكتشاف حالات صعوبات التواصل والتوحّد، لذلك تم إنشاء "مركز الدكتور عبد القادر القطب" بمنحة من شقيقه محمد لمعالجة هذه الحالات، وهو يضم 60 تلميذاً يستقبل الطلاب من عمر عامين، وينتقل بعدها الطلاب إلى قسم الصعوبات التعليمية في "مدرسة أجيال صيدا"، ويستوعب هذا القسم حوالى 120 طالباً ضمن "مدرسة أجيال"، التي تقدّم خدماتها دون أي مقابل، وبعد اكتشاف حالات التوحّد، التي بلغت 28 حالة، بدأ العمل بمنحة من المحسن محمد زيدان على تشييد مشروع الحاج أحمد رياض الجوهري "أبو فاروق"، مؤسس الجمعية، وهو مختص بحالات التوحّد، حيث ينتهي العمل به خلال عام ويستوعب ما بين 50 إلى 75 طالباً".
وأضاف: "مع بداية العام الدراسي الحالي تم افتتاح "مبنى محمد زيدان للتعليم المهني المعجّل"، والذي يستوعب الأولاد الذين يتخرّجون من "مدرسة أجيال صيدا"، أو الذين لديهم مستوى تعليم دون صف الرابع متوسط، يحصلون من خلاله على شهادة معتمدة من الدولة في التخصص المهني، وقد رُعي في هذه التخصصات احتياجات سوق العمل، حيث استقبل المركز الطاقة القصوى القادر على إستيعابه، وهو 275 طالباً، ولم يعد بالإمكان إستيعاب المزيد، والمركز لا يكتفي بتعليم طلابه المهن المتخصصة التي تجعلهم طاقات منتجة، بل يعلّمهم مهارات متعددة مثل: الكومبيوتر، واللغات العربية والإنكليزية وطرق التعامل مع الآخرين، حيث يتم العمل على بناء شخصية الإنسان كي يصبح قادراً على خدمة المجتمع والعيش بكرامة".
وشدّد على "أن المشاريع الهامة في الجمعية حملت أسماء أهل الخير، الذين سارعوا إلى تقديم العون، سواء من أبناء صيدا أو من الخارج، وهنا نذكر أهلنا في الكويت، حيث قدّم آل الشايع مبنى "دار الفتاة"، فيما قدّم الصندوق الكويتي للتنمية منامات الصبيان، وجاءت "مدرسة أجيال صيدا" بهبة من عبد الرحمن السعيد وأشقائه من دولة الكويت، فنشكر اخواننا العرب على هذا الدعم".


لدعم أهل الخير


وقال: "بعد تطوير البنية الأساسية والفروع التي تهتم بالأيتام والمحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة، أصبحت خدمات الجمعية تقدّم إلى ما يزيد عن 1500 طفل وطفلة من أصحاب الحالات الاجتماعية الصعبة، الأمر الذي زاد الضغط على الجمعية، من هنا جاء التوجّه إلى أهلنا ضمن مشروع كفالات، والذي يساهم في الحفاظ على نوعية التقديمات، وعلى سبيل المثال فإن كلفة تعليم طالب في "مدرسة أجيال صيدا" تبلغ حوالى 1500 دولار أميركي سنوياً، وبما أن الطلاب لا يدفعون شيئاً، لذلك كانت كفالة طالب بمبلغ ألف دولار سنوياً والجمعية تتحمّل الباقي، وفي قسم الحاجات الخاصة فإن كلفة الطالب تتراوح ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف دولار سنويا،ً فكانت كفالة طالب من ذوي الحاجات الخاصة 3 آلاف دولار والجمعية تتحمّل الباقي، ونأمل مساهمة الناس في مشروع الكفالات، الذي يمكننا من مواصلة دعم الشرائح المحتاجة في مجتمعنا بخدمات لائقة، لأن الجمعية تصرُّ على أن تقديم خدمات نوعية للفئات المهمّشة والمحتاجة والأيتام، وتحويلها إلى مصدر خير وعطاء للمجتمع، وتجربتنا مع أهل الخير في صيدا جيدة، ونطمع بأن يواصل أهل الخير حمل هذه الرسالة في الطريق الصحيح والحفاظ على المستوى المرتفع للخدمات التي تحمي المجتمع من الانحراف والإرهاب".
وختم المكاوي: "لا شك أن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الضاغط يزيد حالات الفقر واليتم والأوضاع الاجتماعية الصعبة، ما يجعلنا نقف أمام تحدّيات جديدة لخدمة حالات أصعب، ولدينا قناعة بأننا لا نستطيع حل جميع المشاكل، ولكن لدينا قناعة بأن حل جزء من المشكلة يجب أن يكون بالطريقة الصحيحة والسليمة والتي تمكّننا من التوصل إلى نتيجة جيدة، وهذا أمر مكلف، وفي ظل غياب الدولة فإن المجتمع المدني يحمل هموم الناس، والحمد لله تجربتنا في مدينة صيدا تثبت بأن المجتمع الأهلي وأهل الخير في البلد لا يزالون يتكاتفون مع المؤسسات التي تعمل لخدمة المجتمع، ونحن نتوجه إلى جميع الناس، سواء القادر منهم أم غير القادر، بأن التعليم والتأهيل هما الحل لمشاكل المجتمع، لأن دور الدولة قاصر، فرغم تقديماتها للمدارس الرسمية، لكن هناك شرائح تعجز حتى عن الدخول إلى المدرسة الرسمية، كما أن تلاميذ الصعوبات التعليمية والحاجات الخاصة لا يستفيدون من تقديمات الدولة، لذلك فإن الجمعيات الأهلية هي التي تساهم في علاج هذه المشكلة، فالحاجة إلى رعايتها وتأهيلها مكلفة، لكن نراهن دائماً على أن مجتمعنا بخير، والناس بألف خير رغم الصعوبات التي نراها، وعلى دعم أهلنا لمشروع كفالات طلاب "جمعية رعاية اليتيم"، الذي يسهم في استمرار وتطوير نوعية الخدمات للشرائح المحتاجة في مجتمعنا".

د. سعيد المكاوي: التعليم والتأهيل هما الحل لمشاكل المجتمع

يزرعون الأمل لغدٍ أفضل

مواكبة التطوّر في أعداد التلاميذ

 

 

 

 

 

 

 

المصدر : جنوبيات