الخميس 17 آذار 2016 09:28 ص |
صحف عريقة تحتضر.. وداعاً للورق! |
تبدو الصحافة الورقية اليوم آخر ضحايا التكنولوجيا الحديثة، وإن كان نابليون عبّر عن خوفه من الصحافة أكثر من الحرب، حين قال: "أخاف من ثلاث صحف أكثر مما أخاف من مئات الآلاف من الطعنات بالرمح"، فإنه لو كان موجوداً اليوم لضحك بملء فيه لسماعه الأخبار السريعة والمضطردة عن دمار الصحافة الورقية وازدهار الإلكترونية، والكلام هنا لا ينتقص من قيمة الصحافة الإلكترونية، ولكن يصعب التأقلم مع فكرة وجودها كبديل للورقية بسرعة، عدا عن حاجتها للوقت لتصبح سلطة حقيقية تشبه سلطة المرحومة الصحافة الورقية التي بدأ نجمها يذبل. "إندبندنت" البريطانية أعلنت شركة "إي أس آي ميديا" المالكة لصحيفة "إندبندنت" البريطانية في 12 شباط الماضي، أن آخر طبعة ورقية للصحيفة ستكون في آذار المقبل، وأنها ستتحول بالكامل إلى جريدة إلكترونية، في خطوة تعد الأولى من نوعها بين الصحف البريطانية، وتهدف إلى تعزيز النمو الكبير الذي شهده موقع "إندبندنت" الإلكتروني، إضافة إلى تأمين مستقبل مربح ومستدام. وأوضح مالك الصحيفة إيفيغني ليبيدوف أن هذا القرار جاء ليتماشى مع التطور وتكنولوجيا المعلومات الحديثة، وقال إنه يعتقد بأهمية الصحافة العالية المستوى"، مؤكداً أن "الخطوة تؤمن مستقبل هذه القيم الصحافية المهمة"، إذ إن "القرار يحفظ سمعة إندبندنت، ويسمح لنا بالاستمرار في الاستثمار بالمحتوى التحريري الرفيع لدى الصحيفة، والذي يجذب المزيد من القراء عبر الإنترنت". وتحدد مستقبل الصحافة الورقية في بريطانيا منذ 2008، ليأتي عام 2009 مؤكداً على بداية موت كل ما يمت للصحافة الورقية بصلة تدريجياً، حيث توقف في 2009 صحيفة "ذي لندن بيبير" المسائية المجانية عن الصدور بعد ثلاث سنوات من انطلاقها وتوزيعها نصف مليون نسخة يومياً في مركز العاصمة البريطانية ومحطات القطارات، وكانت تتلقفها الأيادي من 700 موزع منتشرين في لندن مجاناً مساء كل يوم، فيما يتركها القراء في القطارات لغيرهم في تقليد عن شيوع القراءة بين المسافرين، وجاء إغلاق صحيفة "ذي لندن بيبير" بعد الإعلان عن إغلاق أكثر من مئة صحيفة محلية في بريطانيا، بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية والمنافسة الحادة مع الإعلام الإلكتروني. الصحافة الأميركية أعلنت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور منذ تشرين الاول عام 2008 إلغاء طبعتها الورقية والاكتفاء بنسخة إلكترونية بعد قرن كامل من الصدور، وتصنف الصحيفة أميركياً بأنها من أعرق الصحف هناك. ويبدو أن المعركة بين الصحف الورقية والإلكترونية في أميركا كانت الأعنف، وبدأت من سنوات عديدة، وذلك خلال الأزمة المالية التي عصفت بالعالم. وبعد صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور"، صدرت مجلتا "بي سي وورلد" و"انفو وورلد" في طبعات إلكترونية فقط. ومن بين أبرز وأشهر الإصدارات المطبوعة التي اختفت من العالم أخيراً مجلة "نيوزويك" الأميركية التي تحولت إلى مجلة إلكترونية فقط منذ بداية العام 2013، حيث أصدرت عددها المطبوع الأخير في 31 ديسمبر 2012، وتحولت إلى النشر الإلكتروني حصراً من بداية 2013. صحيفة عكس التيار وعلى اعتبار أنه دائما ثمة استثناءات وسباحة عكس التيار، فيبدو أن الإعلام لا يخرج عن القاعدة، إذ أطلقت صحيفة جديدة ""نيو داي" New Day اليومية، والصحيفة الجديدة التي تتألف من 40 صفحة، وستوزع في 40 ألف نقطة توزيع، لن يكون لها موقع إلكتروني، عكس كل التوقعات والتحذيرات من أن المستقبل القريب سيكون بلا صحف مطبوعة. ونقلت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، والتي اطلعت على الصحيفة الجديدة، عن رئيسة تحرير الصحيفة الجديدة، أليسون فيليبس، قولها إنّ "هناك كثيرين لا يشترون الصحف اليوم، ليس لأنها ما عادت تستهويهم، بل لأن الصحف المتوافرة حاليا في الأكشاك لا تلبي تطلعاتهم". صحافة مصر المطبوعة في خطر تواجه مصر أزمة حقيقية فيما يتعلق بمصير الصحف الورقية، ولكنها ليست أزمة عادية، ولا يمكن أن تمر مرور الكرام، لأنها "أي مصر" هي أول دولة عربية شهدت صدور صحيفة يومية مطبوعة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. وتواجه الصحف الخاصة في مصر أزمة كبيرة ظهرت آثارها في أكثر من جريدة، حيث أُغلقت في ايلول العام الماضي جريدة التحرير الجديد عقب خسائر مالية لم يتحملها المالك، وتم تحويلها إلى موقع إلكتروني، مع فصل وتسريح عدد كبير من الصحافيين. ولاستعراض بعض مظاهر بدء انهيار الصحافة المطبوعة والأزمات التي تتعرض لها، لابد من التوقف عند تحول صحيفة "المصريون" اليومية لإصدار أسبوعي، وبسبب الأزمات المالية بجريدة "المصري اليوم" أواخر العام الماضي، تم الإعلان حينها عن تقليص العمالة. وخفضت صحيفة "الوطن" رواتب صحافييها، ودخل صحافيو "الشروق" في إضراب عن العمل بعد تعثر الإدارة في صرف رواتبهم، بدا أن الصحف الخاصة في مصر تواجه مخاضا عسيرا. وحذر شريف الجندي، مدير تحرير جريدة "البوابة"، من أن الصحافة الورقية في مصر ستختفي قريباً، مؤكداً أن المستقبل لـ"للصحافة الإلكترونية" في مقابلة إذاعية قبل فترة قصيرة، واستند في كلامه إلى أرقام توزيع الصحف اليومية في السنوات الأخيرة . الصحف الأردنية تهتز لا تبدو صحف عَمّان أكثر استقراراً، حيث بدأت تلك الصحف بالاهتزاز والتراجع بقوة وبشكل سريع، إذ تبدو جريدة "الدستور" الصحيفة الأقدم في الأردن وواحدة من أهم 3 دوريات أردنية، فهي تتحضر للخروج من المشهد الإعلامي بشكل بسبب الأزمات المالية التي أثرت عليها. وأما صحيفة "الرأي" الأولى أردنياً بدأت تعاني – بحسب تقارير صحافية - أزمات مالية توقع محللون أن تتوسع وتصل لمستويات من الصعب حلها. وبالرغم من احتمال خروج أهم صحيفتين من السوق الأردني الإعلامي، لا يبدو أن ذلك سيشكل زلزالا إعلامياً في ظل انتشار المواقع الإخبارية الإلكترونية بكثافة في الأردن منذ عام 2006، إذ ناهز عددها (200) موقع إخباري، يتصارع نحو (180) منها على ما ينشره نحو (20) موقعا إخباريا أردنيا ناجحا. وفي العالم العربي تحول العديد من الصحف والمجلات إلى الإصدار الإلكتروني، حيث توقفت جريدة "التحرير" المصرية وتحولت إلى موقع إلكتروني فقط، إضافة إلى جريدة "البديل". وفي ليبيا توقف الإصدار الورقي لكل من جريدة "قورينا" وجريدة "أويا". وفي الإمارات توقفت صحيفة كانت تصدر بالإنجليزية عن حكومة دبي وتحمل اسم "Emirates Today" وتحولت إلى إصدار إلكتروني فقط. بيروت بلا "النهار" و"السفير" بيروت "عاصمة الصحافة العربية"، وأهم المدن العربية لجهة حرية الصحافة، تعيش صحفها الورقية أياماً غير سعيدة ببدء تحول ثلاث من أعرق تلك الصحف إلى إلكترونية بشكل كامل لتتخلى عن مكانها إلى جانب أخواتها من بقية الصحف، وليكون عددها الأخير الذكرى الأخيرة على وجودها مادياً بيد الناس. أول الصحف اللبنانية التي اتخذت قراراً بتحولها لإلكترونية بشكل كامل هي صحيفة "السفير"، حيث أرسلت الصحيفة كتاباً معمماً على الموظفين والصحافيين تبلغهم أن الظروف الصعبة التي تواجهها الصحيفة جعلت من الضرورة طرح كل الاحتمالات للنقاش بما فيها التوقف عن الصدور"، وتلك الظروف مرشحة أن تزداد صعوبة، في المرحلة المقبلة"، وتابع الكتاب: "كان من الطبيعي أن يبادر مجلس الإدارة وفي انتظار تبلور القرار تستمر "السفير" بالصدور حاملة شعاراتها ومواصلة التزاماتها". وحذت صحيفة "النهار" حذو جارتها "السفير"، وبدأت تمهيدات تتردد من هنا وهناك عن نية "النهار" التحول إلى صحيفة إلكترونية فقط، وبحسب المعروف من المعلومات والمتداولة في الوسط الصحافي اللبناني، يأتي هذا الكلام في وقت تأخرت المؤسسة ما لا يقل عن 7 أشهر عن دفع مستحقات موظفيها. وتأتي صحيفة "اللواء" ثالثاً في الزلزال الصحافي اللبناني، حيث أبلغت موظفيها، بمذكرة مطبوعة عن فتح باب الاستقالات، جاء فيها: "عطفاً على إجراءات التقشف الأخيرة، وإفساحاً للمجال أمام الزملاء لاتخاذ الخيار المناسب لكل منهم... تقرر فتح باب الاستقالة أمام من لا يستطيع الاستمرار في العمل في هذه الظروف القاسية". ويرجح إعلاميون أن مؤسسات "تيار المستقبل" الإعلامية ليست بعيدة عن إعلان العجز، ليصبح "تلفزيون المستقبل، جريدة المستقبل، إذاعة الشرق" تحت خطر الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها تلك المؤسسات منذ فترة ليست قصيرة. المصدر : جنوبيات |