تواصل قوّات الإحتلال الإسرائيلي ممارساتها التعسّفية واعتداءاتها القمعية ضد الفلسطينيين، من خلال الإعتداء المباشر عليهم وإعدامهم بدم بارد، أو اعتقالهم وزجّهم في السجون، ومواصلة التضييق عليهم داخل زنازينهم، أو عبر إصدار القوانين والتشريعات التي تسعى إلى شرعنة بناء المستوطنات والسلب والاستيلاء على القدس والأراضي الفلسطينية المقدّسة، وصولاً إلى المصادقة على قانون إعدام منفّذي العمليات الاستشهادية.
كل ذلك مدعوم من الإدارة الأميركية وقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي تجرّأ على اتخاذ قرار لم يسبقه إليه أيٌّ من الرؤساء الأميركيين السابقين، بإعلانه القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها، وهو ما جوبه بإدانة وشجب دولي.
وبات واضحاً أنّ الإدارة الأميركية وحكومة اليمين الصهيونية المتطرّفة تسعيان إلى أنْ يكون أي حديث في ضوء الواقع الذي سعيا إليه – أي دون الغوص في قضية القدس، على اعتبار أنّها أصبحت خلف الظهور، وأنّ النقاش يكون حول كيفية تأمين تواجد الفلسطينيين كرعايا من الدرجة الثانية دون مواطنية في الكيان الإسرائيلي، الذي يتخذ قرارات ويعمل على السيطرة على فلسطين التاريخية.
وبعدما أقدم الإحتلال على إعدام الفتى مصعب فراس التميمي (17 عاماً) في بلدته دير نظام – شمال غرب رام الله، أمس الأول، أقدمت أمس قوّة كبيرة من جيش الإحتلال على اقتحام القرية، تزامناً مع موكب تشييع جثمانه.
وأدّى ذلك إلى مواجهات عنيفة بين الشبّان وقوّات الإحتلال التي أطلقت الرصاص الحي نحو المشيّعين، الذين حملوا الأعلام الفلسطينية ورايات حركة "فتح"، ما أدّى إلى إصابة شاب برصاص في الرأس، نُقِلَ إلى "مجمّع فلسطين الطبي"، ووُصِفَتْ إصابته بالحرجة.
ومع اعتداء قوّات الإحتلال على المشيّعين، كان يتزايد عدد الشبان الذين هبّوا لصد اقتحام قوّات الإحتلال، الذي استمرَّ بإطلاق الرصاص الحي والرصاص المعدني المغلف بالمطاط بكثافة باتجاههم.
وكان الشهيد مصعب مع والديه وآخرين يحاولون إنقاذ الطفل مصطفى عيد التميمي (من ذوي الإعاقة)، من قبضة جنود الإحتلال، قبل أنْ يتم إطلاق النار على مصعب من مسافة قريبة جداً ما أدّى إلى استشهاده.
وقد اتصل الرئيس محمود عباس بوالد الفتى مصعب التميمي، معزياً باستشهاده.
وأعرب الرئيس عن أصدق تعازيه ومواساته القلبية لوالد الشهيد، وأسرته باستشهاد نجلهم، مؤكداً أنّ "هذه الجرائم لن تفتَّ من عضد شعبنا وعزيمته في مواصلة طريق الحرية والإستقلال حتى إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها الأبدية القدس الشريف".
وأمس، استشهد الشاب الفلسطيني رامي عيسى خليل أسعد (38 عاماً) من قرية أرطاس - جنوب بيت لحم، بعدما صدمته حافلة ركاب تابعة للمستوطنين، على الشارع التفافي رقم 60 الواصل ما بين القدس والخليل، وتحديداً قرب بلدة الخضر - جنوب المحافظة، حيث تبين أنّ إصابته مباشرة في الرأس ما أدّى إلى تناثر المخ.
إلى ذلك، اقتحمت قوّات الإحتلال ترافقتها وحدات مستعربة، عند السابعة من صباح أمس، مخيّم الدهيشة - جنوب بيت لحم، حين كان المواطنون يهمّون بالتوجّه إلى أماكن عملهم أو مدارسهم، فباغتتهم رصاصات جنود الإحتلال التي اقتحمت المخيّم صباحا.
وأطلق جنود الإحتلال وقوّات المستعربين الرصاص الحي والمعدني المغلّف بالمطاط على مدى 10 دقائق، ما أدّى إلى إصابة 10 مواطنين بإصابات ما بين المتوسّطة والخطيرة، وصفت اثنتان بالخطيرة.
هذا، وقرّرت "محكمة عسكرية" تابعة للإحتلال، مساء أمس، الإفراج عن الأسيرة نور التميمي من قرية النبي صالح - شمال غربي رام الله، بكفالة مالية قدرها 5 آلاف شيكل.
وردّت المحكمة الإستئناف الذي قدّمته النيابة العسكرية، بعد اعتقالها منذ أسبوعين مع إبنة زوجة عمّها نور التميمي وإبنتها عهد التميمي.
في غضون ذلك، ما زالت الإدانات تلاحق قوّات الإحتلال على جرائمها، وبينها اغتيال الشاب المقعد إبراهيم أبو ثريا (الجمعة 15 كانون الأول الماضي)، حين أطلقت النار باتجاهه، ما أدّى إلى إصابته قبل استشهاده خلال مواجهات عقب صلاة الجمعة في شرق حي الشجاعية في مدينة غزّة.
وفي محاولة لتزييف الحقائق، فتح الإحتلال تحقيقاً حول ملابسات استشهاد أبو ثريا، مدّعياً بأنّ التحقيق الأوّلي بيّن أنّه لم يتم إطلاق النار على الشاب، حيث قرّرت شرطة الإحتلال العسكرية فتح تحقيق جديد استناداً إلى معلومات من هيئات حقوقية.
وكان جيش الإحتلال قد قرّر فتح تحقيق في ظروف استشهاد أبو ثريا (17 كانون الأول الماضي)، بشأن ما إذا كان الجيش قد أطلق النار بشكل متعمّد من عدمه!
وكان الشهيد أبو ثريا قد أُصيب خلال العدوان الإسرائيلي في العام 2008 أثناء تواجده في شرق البريج في القطاع، ما أدّى إلى بتر قدميه، لكن لم يمنعه ذلك من الاستمرار بالخروج بالتظاهرات نصرة للقدس وفلسطين.
وفي إطار ردود الفعل على القرارات الأميركية توجّه أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" وكبير المفاوضين الفلسطينيين الدكتور صائب عريقات إلى الرئيس ترامب قائلاً: "أنت جزء من المشكلة، ولست جزءاً من الحل، ولن تكون وسيطاً في عملية السلام على الإطلاق، وأميركا اختارت عزلة نفسها".
ورأى عريقات أنّ "القرارات التي ستصدر عن اجتماع المجلس المركزي لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية" يومَيْ 14 و15 كانون الثاني الجاري في رام الله، مصيرية، حيث إنّ المجلس سيؤسّس لمرحلة جديدة، سيتم فيها إسقاط المحاولات الأميركية والإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية".
وقد أنجزت كافة التحضيرات لعقد جلسة المجلس المركزي الفلسطيني التي تعقد تحت إسم "القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين"، حيث وجّه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون "أبو الأديب" دعوات إلى حركتَيْ "حماس" و"الجهاد الإسلامي" لحضور الاجتماع الذي سيعقد في رام الله.
ويتضمّن جدول أعمال الاجتماع:
- تقرير الرئيس عباس، وتقرير اللجنة التنفيذية لـ"منظّمة التحرير الفلسطينية".
- دراسة سُبُل التصدّي للقرار الأميركي بشأن القدس.
- مراجعة المرحلة السابقة، التي بدأت منذ توقيع "اتفاق أوسلو" في العام 1993 بكافة جوانبها.
- دراسة آليات تسريع تنفيذ خطوات المصالحة الوطنية الفلسطينية.
- دراسة آليات تفعيل المقاومة الشعبية الفلسطينية.
- دراسة آليات تفعيل دور المجلس المركزي.
- وما يستجد من أعمال.
هذا في وقت أقامت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي حفل استقبال لممثلي الدول التي دعمت واشنطن خلال التصويت الذي جرى في الجمعية العامة للأمم المتحدة (21 كانون الأول الماضي) على قرار يُدين اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي.
وشكرت هايلي (64 دولة) صوّتت ضد القرار أو امتنعت عن التصويت أو تغيّبت عن جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، معتبرة أنّ الدول الـ(21) التي تغيّبت عن الجلسة شركاء، علماً بأنّه أيّدت القرار (128 دولة) بينها عدد من حلفاء واشنطن، مثل: فرنسا وبريطانيا، وصوتت ضده (9 دول) بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتنعت عن التصويت (35 دولة) بينها كندا والمكسيك وبولندا والمجر.