منذ ظهور شبكة الإنترنت والساحة الإعلامية تشهد متغيرات كثيرة، تجسدت في وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة. وعليه باتت مواقع التواصل المصدر الأول للأخبار بالنسبة للشباب، وبفضل الثورة المتسارعة في عالم الهواتف الذكية فقد تضاعفت الساعات التي يفردها الإنسان لتصفح مواقع الإنترنت، فالأخبار باتت حاضرة في الهاتف الجوال، ولم يعد لزاماً علينا أن نتسمّر أمام شاشات التلفزة لنعرف ماذا يجري من حولنا، بل بات بإمكاننا التحرك والتواصل في آن واحد.
ربيع المخ (14 عاماً)، قال إنه يُشاهد برامج ترفيه وألعاب عبر التلفاز من وقت لآخر، لكنه خلال مشاهدته يتواصل عبر جواله مع الآخرين عبر مواقع التواصل، «ثم ألقي نظرة على «فيسبوك» ثم «تويتر» أو أدخل صفحات «يوتيوب»، وإذا اضطررت للاختيار بين شاشة التلفاز والمحمول، أختار المحمول ولا أتخلى عنه».
واعتبرت رنى (18 عاماً)، أن الإنترنت يغني عن التلفاز والإذاعة، «لا أملك في غرفتي تلفازاً لكنني لا أستطيع الاستغناء عن الإنترنت؛ لأنه يساعدني في دراستي الجامعية وأبحاثي، والتــــواصــــــل مــــع زمــــلائي. هـو مــــسلٍ ومفيد».
وقالت مايا عباس (16 عاماً)، إنها تشاهد برامج تلفزيونية مع باقي أفراد أسرتها، لكنها لا تطيل المكوث أمام الشاشة، كذلك الحال بالنسبة للهاتف المحمول فهي تتصفحه، لكنها ليست مدمنة عليه، ومن بين عموم الخدمات التـــي يقدمــهــــا، تفـــضل «يــــوتيـــوب» و«سناب شات».
وأشار جمال منصور (21 عاماً)، إلى مواكبة مواقع التواصل لكل جديد، «فعندما أكون في جامعتي أتحيّـن الفرصة بين الحصة والأخرى، حتى ألقي نظرة على مواقع التواصل التي تزوّدنا بآخر الأخبار. نحن في بلد نحتاج أن نعلم فيه ماذا يجري من حولنا، والأوضاع الأمنية تجبرنا على تتبع الأحداث».
وكشف غسان مراد، أستاذ اللسانيات الحاسوبية والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانية، عن مجموعة من شاشات تتيح خدمات إعلامية وتواصلية، وقال: «الشاشات وإن اختلفت في أحجامها بين الهاتف والمحمول والتلفاز؛ إلا أنها وسائط للإعلام والمعرفة والتواصل، والحصول على المعلومة والخبر ومشاهدة الأفلام وقراءة القصص وغيرها.
من هنا لا أرى تخوفاً من أن تحتل شاشة واحدة الأولوية بين الجميع، بل الأمر مرهون بالخيارات الفردية وبحسب الفئات العمرية، هناك جيل الشباب الذين ولدوا على لوحة المفاتيح لا يستمتعون بالمشاهدة التلفزيونية والمشاركة العائلية، بل يفضلون «اليوتيوب» وهو كالتلفاز المتنقل، يسمح بالاختيارات الفردية ويعزز حرية الانتقاء الشخصي».
وأضاف : «الشباب بنوا جسوراً قوية في عالم التواصل، والمتغيرات طالت حياتهم اليومية فأصبحت لديهم رموز ومصطلحات تواصلية واجتماعية وإعلامية خاصة بهم، وليس في الأمر أية أضرار طالما أنهم لم يقطعوا جسور البناء مع اللغة العربية الفصحى، والعائلة واجتماعاتها والمجتمع».
وأكد أن «اليوتيوب» أخذ الشباب من التلفزيون لأنه متاح أكثر، لكن هناك فئة عمرية ما زالت تعتمد على التلفاز؛ إضافة إلى ذلك، فالمستقبل سيتيح مشاهدة البرامج التلفزيونية من خلال الهواتف، كما أن مواقع التواصل ستفيد التلفزيونات في سرعة الحصول على الخبر. من «هنا لا يمكننا الجزم مطلقاً لمن ستكون الغلبة، بل إن التواصل مستمر والإعلام متواصل، وإن اختلفت أشكاله وطرقه، وعلينا أن نحترف استخدام التكنولوجيا لتحقيق أهداف التنمية، ثم لابُدّ من الحرص على خصوصية كل وسيلة إعلامية، فالمواقع التواصلية تتميز بالسرعة في نقل الخبر، في حين أن التلفاز يقدم البرامج والأفلام والتحاليل.
أما «اليوتيوب» فهو ينقل أو يستعيد ما تقدمه الشاشة الفضية، وفي الوقت الذي نريده نحن، لكن تبعاً لعملية بحث نجريها.
إذاً بناء على ما تقدم فإنني لا أتوقع أن يحدث أي نوع من الانفصال بين الشاشة والشباب في الوقت الراهن، خصوصاً في البلدان التي لا تتوافر فيها خدمات الإنترنت بالسرعة المطلوبة».
الدقة والسرعة
وأوضحت ثريا الحسن، صاحبة موقع جنوبيات الإخباري، «أن الموقع تأسس لمتابعة مجريات عدوان تموز/يوليو 2006، بهدف تزويد الناس بالأخبار، وإطلاعهم على كل ما يحدث على أرض الواقع، ومن حينها اعتمدنا الدقة والسرعة والمصداقية؛ لأن هذا النوع من الأخبار غاية في الدقة والحساسية.
ولأجل ذلك اقترن نجاح موقعنا بمصداقيته، واستطعنا كسب ثقة المعلنين والتفاعليين في آن واحد».
وقالت الحسن إنها وزوجها المحلل السياسي هيثم زعيتر، يعملان في الصحافة «ولسنا دخلاء على المهنة، ومن شروط نجاح المواقع توافر أُناس أكفاء يجيدون العمل الإعلامي، ويعرفون شروطه ويقدرون أثره وتأثيره على الناس».
وقد اعتمدت الموضوعية ورفضت الانتماء الحزبي، واستمرت في الإعلانات والاشتراكات والكلمة والصورة والصوت والفيديو، وكل ما يُتاح عبر الهواتف الذكية التي يعتمدها الناس، وتشكّل الأساس بالنسبة لإعلامنا الحديث، حسب تصريحها.
وفي مقارنة بين الإعلام القديم والحديث، حرصت الحسن على عدم الانتقاص من شأن أحد لحساب الآخر، فالتلفزيون يجذب العائلة عبر المسلسلات، و«اليوتيوب» يمكن مشاهدته في الوقت الذي نختاره، أما الجرائد فصارت لها مواقع تواصلية خاصة بها، والإذاعات تناسب الناس في تنقلاتهم وأثناء القيادة، أما المواقع الإخبارية الإلكترونية فهي رفيق الناس أينما كانوا، لذا فإنني لا أتوقع أن تحمل الأيام القادمة انفصالاً بين الجمهور والشاشة، حتى بالنسبة للفئة العمرية الشابة، فالشباب يشاهدون الأفلام والبرامج عبر التلفزيون.
أخبار كاذبة
وتؤكد باسكال شمالي، مقدمة برنامج يوم جديد، وأستاذة إعلام في قسم التربية والتكنولوجيا: «أنه لا يمكن الوصول إلى الشباب إلاّ عبر السوشيال ميديا، فهم يتمركزون حيث تتاح خدمات الإنترنت، لكنهم في ذات الوقت ليسوا منفصلين عما تقدمه شاشات التلفزة؛ لأنهم يتابعونها عبر شاشات الهواتف الذكية.
وأعتقد أن المحتوى الإعلامي تضخم والسبل تنوعت والشاشات تغيّـرت، ومواقع التواصل تحتل اليوم المرتبة الأولى في معيار المتابعة والتفاعل، وخلال مشاركتي في ورشة عمل في أمريكا، وزيارتي لـ «C.N.N» ضمن الورشة، لاحظت أن هذه المحطة تقيس اهتمامات الناس من خلال مواقع التواصل، وتقرر أي العناوين التي يجب أن تحظى بالأولوية، من خلال متابعتها لتفاعل الجمهور عبر مواقع السوشيال ميديا».
وأضافت شمالي: «في لبنان المواقع الإخبارية كثيرة وسريعة، وتمدنا بالأخبار لكن بعضها يفتقر إلى المصداقية، فالسرعة تتم على حساب الجودة ونتعرض للأخبار الكاذبة، الأمر الذي يفقدنا الثقة في المواقع، ويدفعنا لحث الجيل القادم على العمل بمهنية واحترافية، بالنسبة لطلابي في كلية الإعلام أعرف أنهم سبقونا في الإعلام الحديث، وأعلمهم كيف يمكنهم المزج بين الإعلام القديم وأصوله وقوانينه ونجاعته، والإعلام الحديث وسرعته وتفاعله وتقنياته، وما يتاح اليوم من تقنيات يحث الكادر التعليمي، على مواكبة كل جديد كي لا تصير علومنا بعيدة عنا».
وختمت شمالي بالإشارة إلى ضيق وقتها، فإنها تتابع الأخبار عبر السوشيال ميديا؛ لكنها لا تستغني عن وسائل الإعلام القديم، وتقول إن الغالبية تعتمد السوشيال ميديا؛ لكنها لا تستغني عن متعة مشاهدة التلفاز، والاستماع إلى الراديو، عندما يتوفر لها الوقت اللازم.
سرعة نقل الخبر
تقول رندة المر (إنتاج وبرامج في OTV): «أن الشاشة البرتقالية تواكب التكنولوجيا، لدينا صفحات عبر «الإنستغرام» و«تويتر» و«الفيسبوك» والجيل الذي يتابع المعلومة عبر«السوشال ميديا» لم نخسره، بل إنه يتابعنا عبر هاتفه الجوال.
«اليوتيوب» يجذب الجمهور ويختلف عن الإعلام المرئي في سرعة نقل الخبر، وإمكانية المتابعة أينما كنّا، وفي الوقت الذي نريد، وأنا من مشاهدي «اليوتيوب» وأتابعه لأنني بحكم عملي في التلفاز فإنه لا يتسنى لي متابعة برنامجي إلاّ في الإعادة عبر «اليوتيوب» ومن خلال رصد تفاعل الجمهور مع الإعلام القديم والحديث فإن الناس تتابع أجزاء من المسلسلات ومن دون إعلانات عبر «اليوتيوب»، أما برامج «التوك شو» فتتم عبر التلفاز، كذلك برامج الألعاب والبرامج الفنية.
وأعتقد أنه مثلما تخوفت الناس أن تحل السينما محل التلفزيون ولم تستطع ذلك، ثم تخوفوا من المعركة بين الجرائد والتلفزيونات، ولم يلغِ أحدهما الآخر، كذلك نحن اليوم فإننا في المدى المنظور لن نشهد تخلي الناس ولا حتى الجيل الشاب عن أي من الوسائل الإعلامية، فلكل واحدة سحرها بالنسبة لهم، وربما يملّون من التماهي مع الصورة والصوت عبر «الفيسبوك» ويلجأون إلى «السناب شات» مثلاً، العملية عملية تبديل مؤقت ليس أكثر.
رهن القرارات
أشار زياد صابر مسؤول إنتاج في تلفزيون «الجديد» إلى دائرة التواصل الحي والمباشر و«الأون لاين» التي تتسع وتشمل عدداً كبيراً من جمهور الإعلام وقال: ارتفعت مشاهدة «اليوتيوب» لدى المراهقين الشباب فقط، أما الذين تتجاوز أعمارهم الأربعين سنة فهم على علاقة وثيقة مع التلفزيون ومع الإعلام التقليدي عموماً، كذلك حال «تويتر» فالناس تتابعه ويتفاعلون مع التغريدات لكن حجم «التويتر» الواحدة محدد بمساحة صغيرة لا تمكّن المعلم من الإعلام بكل ما يريده. وفي هذا الشأن فإنه لا يمكن أن ننكر أهمية التلفزيون في تشكيل الرأي العام واحتلاله مراتب جيدة في بلادنا العربية بالذات، في الغرب ربما يتغير الأمر حيث إن التلفزيون موصول بشبكات الإنترنت، حتى صار يمكن استخدام التلفاز كأنه شاشة كمبيوتر ويمكن بواسطتها أن يختار المشاهد ما يريد مشاهدته في الوقت الذي يريده. في بلادنا الأمر مازال رهن القرارات اللازمة من قبل الدولة وأصحاب الشركات والمحطات التلفزيونية لاعتماد التكنولوجيا بهذا الشكل. وأعتقد أن المسألة معقدة وتحتاج إلى الوقت، لذا فإن العام 2018 لن يكون عام الانفصال بين الشباب والشاشة ولن يحل «اليوتيوب» بدل «الفايسبوك» ولن تتحول كل الإعلانات والمعلنين إلى جهة واحدة تضمن بقاءها بل سيكون لكل جهة حصة تمكنها من البقاء والتنافس وإثبات حضورها لدى شريحة محددة من الناس، نحن في عالم الشاشات وكل شاشة لها سحر خاص بها.