بكثير من السخرية، يتحدث رجل دين مرموق داخل الطائفة السنية في صيدا عن مفارقة هجينة سينتجها تحالف انتخابي يمكن ان يقوم بين «الجماعة الاسلامية» و«القوات اللبنانية»، ليقول: «غدا ستحصد «القوات» بضعة آلاف من اصوات الصيداويين، وهذا الامر بحد ذاته سيُسجل في خانة الانتصارات السياسية التي سيفاخر بها رئيس القوات الدكتور سمير جعجع امام حليفيه السابقَين، «التيار الوطني الحر» و«تيار المستقبل» المتحالفين معا في انتخابات صيدا ـ جزين.
بالمقابل، فان حياديين في المدينة فوجئوا بـ«المتفاجئين» من لقاء «الجماعة» ومرشح «القوات»، ويشيرون الى ان الجماعة تموضعت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، الى جانب معسكر قوى الرابع عشر من آذار التي شكلت «القوات» فيها عنصرا هاما من عناصرها، وان كانت بصورة غير رسمية، وهي خاضت انتخابات جامعية الى جانب «القوات اللبنانية»، وفتحت منابرها في ندوات تحدث فيها قياديو «القوات»، ويرى هؤلاء انه قد تكون «الجماعة» استعجلت اللقاء، فيما الجمهور الصيداوي لم يتآلف بعد مع محاولات تسويق «القوات» صيداويا.
هل هي رسائل لـ«تيار المستقبل»؟، تلك الخطوات «الانفتاحية» التي قامت بها الجماعة الاسلامية بـ«دوز عال»، كترجمة للشعار الذي رفعه قياديوها مؤخرا على خط الانتخابات النيابية، حين اعلنوا «ان كل الخيارات مفتوحة»، بعدما أوصدت ابواب «بيت الوسط» امام اي صيغة لتحالف انتخابي، فطرقت ابواب «التيار الوطني الحر» من بوابة النائب زياد اسود، وحلَّت «ضيفة» للمرة الاولى في دارة النائب السابق ادمون رزق، لتعود الى صيدا وتُشَرِّع ابوابها لمرشح «القوات» عن المقعد الكاثولكي عجاج جرجي الحداد، بتنسيق الدكتور سمير جعجع الذي يتعامل مع الانفتاح على «الجماعة الاسلامية» على انها حاجة، وسيُنظر اليها بعد الانتخابات على انها انجاز سياسي داخل مدينة كانت مقفلة... وسنسمع من يردد لقد دخلت «القوات» الى عاصمة الجنوب... من بوابة «لا اله الا الله».
ثمة من يسأل في الصالونات السياسية في صيدا... ماذا ارادت الجماعة الاسلامية، التي كانت حتى الامس القريب حليفا استراتيجيا لـ «المستقبل»، في كل الاستحقاقات الانتخابية، النيابية والبلدية ؟، وهل الانفتاح الانتخابي على «القوات» محاولة لكسر الحصار «المستقبلي» عليها، والتعامل معها على انها لم تعد في سلم الاولويات الانتخابية للتيار، في ظل قانون «النسبية» و«الصوت التفضيلي»، وقبلهما لضرورات التحالف المتوقع مع «التيار الوطني الحر»، فلم يعد لـ«المستقبل» مصلحة في التحالف مع مرشح سني ثان في صيدا، فاللقاء ـ «الصدمة» بين مرشح «القوات» ونائب رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية في لبنان الدكتور بسام حمود، شكل خرقا للحظر الصيداوي على «القوات»، في سابقة غير متوقعة، بالرغم من محاولات تسويق للقوات غير ناجحة، قام بها «تيار المستقبل» في المدينة سيما وان اسم «القوات اللبنانية» يربطه الصيداويون بمسلسل من الاحداث الامنية جرت في مدينة صيدا، خلال مرحلة الاحتلال الاسرائيلي للمدينة (من حزيران 1982 وحتى 16 شباط 1985) وتلتها «حرب شرق صيدا» التي اعقبت تحرير صيدا من الاحتلال، حتى «الخرق» الذي قام به الشيخ احمد الاسير، خلال «الثورة الصيداوية» التي قادها ضد سلاح المقاومة، قبل ان تنتهي في السجن، حين فتح ابواب مسجد بلال بن رباح لنائب قواتي زار المربع الامني للمجموعات المسلحة التابعة للاسير في عبرا، قبل المعركة التي دارت بين الجيش اللبناني وجماعة الاسير في حزيران العام 2013، وهو خرق بقي يومها داخل اسوار المربع.
ويرى متابعون للشأن الصيداوي... ان خطوة «الجماعة الاسلامية» قد تكون فرضتها حالة الحصار السياسي والانتخابي المفروض على التنظيم الاسلامي «الرسمي» للطائفة السنية في لبنان الذي ينطلق من مفاهيم ومبادىء «الاخوان المسلمين»، بالرغم من العلاقة الاستراتيجية التي ربطته بـ «تيار المستقبل»، الذي يسلك منحى يُبعده عنها في ملف الانتخابات النيابية المقررة في ايار المقبل، فـ «تيار المستقبل» دائما ما كان يضع حدا لطموح «الجماعة» في تمثيل نيابي في صيدا، من خلال شراكة انتخابية حقيقية، وكان غالبا ما ترضى بحصة داخل المجالس البلدية التي كانت تفوز بتحالف بين الطرفين، بعد ان كانت «الجماعة» تلتزم بالاتفاقيات التي تتوصل اليها مع «المستقبل» كسلة واحدة تعطيها مقعدا نيابيا في بيروت، مقابل تجيير اصـوات «الجماعة» في كل الدوائر ومنها صيدا، هذا ما كـان يجـري في الانتخابات الماضية، يضيف المتابعون، اما اليوم فان لـ «الجماعة» حسابـاتها السياسيـة والنيابية، حتى ولو كلفـها الامر اتخاذ خطـوات سياسيـة مكلفة سياسيا لكنها مُربحة انتخابيا، من دون استبعاد الوصول الى تحالف انتخابي بين الجماعة و«القوات» قد يجمعها معها الشعور بالحصار الانتـخابي الذي تُرجم بتحالفات انقلابية يخطط لها «تيار المستقبل» على جبهة «الجماعة الاسلامية» الشريـك الانتخابي الدائم، و«التيار الوطني الحر» على جبهة «القوات اللبنانية»... الشريك في «تفـاهم معـراب».
امكانية قيام تحالف بين القوات اللبنانية والجماعة الاسلامية ممكنة، وفق ما يرى قياديون في «التيار الوطني الحر» في جزين، وكل شيء وارد في هذا السياق، في عالم الانتخابات النيابية، يسقط الكثير مما يقال انه محظورات، فيما تلقَّت القوى والتيارات السياسية والحزبية بما فيها «تيار المستقبل»، ومعهم هيئات دينية داخل الطائفة السنية، انفتاح «الجماعة» الانتخابي على «القوات».. بكثير من الريبة... في حين يرى متابعون انه تعبير طبيعي لـ «الجماعة» عن ارتفاع منسوب خيبتها من «تيار المستقبل»، منطلقة بذلك من ان «النسبية» فرضت على الحلفاء التخلي عنها، وحان وقت البحث عن المصلحة السياسية من خلال اباحة كل المحظورات، وكسر كل الجدران المغلقة، ما دام ان الجميع يبحث عن فرص لتحسين واقعه السياسي والانتخابي.