عَكَسَتْ المواقف التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عشية وصوله اليوم الى بيروت سقف المحادثات التي سيُجريها مع كبار المسؤولين اللبنانيين والتي تتشابك عناوينها وإن كان «حزب الله» يشكّل نقطة التقاطع الرئيسية فيها باعتباره «الذراع الأقوى» لإيران في مشروعها التمدُّدي في المنطقة.
ففي المؤتمر الصحافي لتيلرسون في الأردن أمس كما في مقابلته مع قناة «الحرة»، بدا واضحاً، حسب دوائر مراقبة في بيروت، أن واشنطن العازمة على التصدّي لنفوذ إيران على قاعدة «أن وجودها في دول مثل سورية واليمن ولبنان والعراق لا يجلب الاستقرار ولا الأمن، وقد طلبنا من طهران مجدداً إعادة قواتها إلى إيران، وهذا المسار الصحيح الذي نراه للمستقبل»، تسعى في مقاربتها للواقع اللبناني إلى المواءمة بين مقتضيات قرار وقف «الانفلاش» الإيراني على خريطة المنطقة وتالياً الحدّ من تأثيرها في ساحات نفوذها الراهنة ومن ضمنها لبنان (عبر «حزب الله») وبين عدم تعريض استقرار هذا البلد لمخاطر السقوط بما يفتحه على «العصف الكبير» الذي تتراكم «رياحه» من حوله، مع رهانٍ على موقف رسمي لبناني أكثر تَقدُماً في «الابتعاد» عن «حزب الله» ومحاولة تطبيق سياسة «النأي بالنفس» عن أزمات المنطقة التي عاد بموجبها رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته قبل أقل من 3 أشهر.
وفي هذا السياق، قرأت هذه الدوائر كلام تيلرسون عن «ان (حزب الله) يتأثّر بإيران وهذا ليس مجدياً لمستقبل لبنان على المدى الطويل»، وقوله ان «لبنان يتخذ خطوات إيجابية بشأن عدم مشاركة (حزب الله) بالنزاعات الدولية»، وإعلانه «يجب الاعتراف بأن (حزب الله) هو جزء من العملية السياسية في لبنان»، لافتة الى ان هذا الموقف يعكس إشارة الى «التركيبة المعقّدة» لدور «حزب الله» (الذي تصنّفه واشنطن منظمة إرهابية) كجسْر لتوسيع رقعة النفوذ الإيراني الذي يشكّل منْعُه «هدفاً أول» لواشنطن كما تل أبيب، وفي الوقت نفسه كلاعب أساسي في اللعبة السياسية الداخلية حيث يتمثّل في الحكومة والبرلمان.
وأشارت الدوائر نفسها الى أن رئيس الديبلوماسية الأميركية الذي اعتبر أيضاً ان «واشنطن تأخذ التهديدات التي تواجهها إسرائيل على محمل الجد، من (حزب الله) في لبنان، ومن سورية» بدا كمَن يحمّل الحكومة اللبنانية عبء احتواء أدوار الحزب الخارجية على وقع وضْع اسرائيل خيار الحرب الشاملة «على الطاولة»، من خلال عنوانيْ النزاع البري والبحري مع لبنان، والأهمّ «مضبطة الاتهام» للحزب بتطوير ترسانته العسكرية وبناء مصانع صواريخ في مناطق لبنانية عدة تحدث عنها وكيفية «تمويهها» الديبلوماسي الأميركي ديفيد ساترفيلد خلال زيارته لبيروت قبل أيام وتستفيض الصحافة الاسرائيلية في الإضاءة على جغرافية وجودها «واحد قرب الهرمل وآخر بين صيدا وصور»، وذلك في موازاة «معركة» الولايات المتحدة وتل أبيب لمنْع وجودٍ إيراني في سورية أقلّه بما يشكّل تهديداً للدولة العبرية.
وكانت بارزة إشارة تيلرسون في هذا الإطار الى «أن مشكلة الولايات المتحدة ليست مع الشعب اللبناني أو الحكومة اللبنانية، بل مع (حزب الله)»، مضيفاً: «نحاول ان نكون دقيقين في الاجراءات التي نتخذها حتى لا نلحق الضرر بالشعب اللبناني، لكننا نحتاج الى دعم من الحكومة اللبنانية للتعامل بكل وضوح وحزم مع هذه الأنشطة التي يقوم بها (حزب الله) والتي هي غير مقبولة لبقية العالم».
وهذه المواقف ستكون في صلب محادثات تيلرسون مع كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ثم رئيس البرلمان نبيه بري فرئيس الحكومة قبل عقد مؤتمر صحافي، وسط معلومات عن انه إضافة الى تشديده على وجوب ان يميّز لبنان الرسمي نفسه عن«حزب الله» ومخاطر استمرار الأخير في انخراطه بأزمات المنطقة في لحظة بالغة الدقة، سيثير وزير الخارجية الاميركي مسألة العقوبات المالية على الحزب وسبل احتواء الخلاف البري والبحري مع اسرائيل مع تأكيد الدعم الكبير للجيش اللبناني.
وعشية وصول تيلرسون الذي سيعقب انتهاء زيارته جلسة لمجلس الوزراء عصر اليوم، استوقفت أوساطاً سياسية «رسالةُ وحدةِ الجبهات» الجديدة (بعد زيارة قائد «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي لجنوب لبنان) التي شكّلتْها إطلالة أمين عام «حركة النجباء» (من أبرز فصائل الحشد الشعبي في العراق) أكرم الكعبي من الضاحية الجنوبية لبيروت ومن على ضريح القائد العسكري لـ(حزب الله) عماد مغنية مؤكداً «وقوف الحركة الى جانب الحزب» في أي مواجهة مع إسرائيل.