خلال مرحلة إعداد القانون الإنتخابي الجديد وفق مبدأ التصويت النسبي، وتقسيم المُحافظات إلى دوائر إنتخابيّة، وافق كل من «التيّار الوطني الحُرّ» و«تيّار المُستقبل» على جمع جزيّن وصيدا في دائرة إنتخابيّة واحدة، وفي ذهن كلّ منهما التحالف إنتخابياً للإحتفاظ بمقاعد كلّ منهما في هذين القضاءين. وما أنّ تأكّد «التيار البُرتقالي» أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي يعتزم خوض معركة المرشّح إبراهيم سمير عازار بكلّ جدّية وفعاليّة، حتى سارع إلى التوافق مبدئياً مع «التيّار الأزرق» على خوض المعركة الإنتخابيّة ضمن لائحة واحدة في هذه الدائرة. فما الذي حصل ليتحوّل التحالف المُفترض إلى إفتراق إنتخابي مرجّح بنسبة كبيرة بين الطرفين في هذه الدائرة، ما لم يُقدّم «التيّار الوطني الحُرّ» التنازل الذي يشترطه «تيّار المُستقبل» في اللحظة الأخيرة؟
بحسب مصدر سياسي مُطلع على أجواء المفاوضات الإنتخابية في دائرة «صيدا ـ جزين» إنّ سبب الإفتراق يعود إلى غياب مصلحة «التيّار الأزرق» من هذا التحالف، في حال أصرّ «التيار البرتقالي» على الإحتفاظ بالمقاعد الثلاثة في جزّين لنفسه. وأوضح أنّ دراسات الماكينة الإنتخابيّة التابعة للمُستقبل أظهرت أنّ التحالف مع «الوطني الحُرّ» سيؤدّي حُكمًا إلى رفع «الحاصل الإنتخابي» للائحة المُشتركة، وسيضمن لها ثلاثة مقاعد نيابيّة من أصل خمسة في هذه الدائرة، لكنّه لن يسفر عن منع خرقها، مع ترجيح حُصول خرقين أحدهما في صيدا حيث يوجد مقعدان للطائفة السنّية، والخرق الآخر في جزين حيث توجد ثلاثة مقاعد مسيحية (2 موارنة و1 كاثوليكي). وتابع المصدر السياسي أنّ «المُستقبل» الذي كان فاز في المقعدين السنّيين في صيدا في إنتخابات العام 2009 (فاز في حينه النائبان بهية الحريري (25460 صوتًا)، وفؤاد السنيورة (23041 صوتًا)، في مقابل نيل الخاسر الأوّل، الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري، أسامة سعد 13512 صوتاً)، يُدرك تمامًا أنّه يملك حاليًا حاصلين إنتخابيّين، لأنّه في حال إقتراع نحو 60 % من إجمالي الناخبين في دائرة الجنوب الأولى، والذين يبلغ عددهم نحو 120000 ناخب، فإنّ «الحاصل الإنتخابي» المتوقّع هو بحدود 14000 صوت، وبفعل إرتفاع عدد الناخبين عُمومًا وضم ناخبين من جزّين إلى صيدا، سيتمكّن «المُستقبل» بحسب تقديراته من إنتزاع مقعدين. إشارة إلى أنّ عدد الناخبين حاليًا يبلغ في صيدا نحو 61000 ناخب (السنة نحو 50000، الشيعة نحو 7000، المسيحيّون نحو 4000)، وفي جزّين نحو 59000 ناخب (موارنة نحو 34000، شيعة نحو 13000، كاثوليك نحو 9000، أرثوذكس نحو 1500، سنة نحو 1500).
وتابع المصدر السياسي المُطلع أنّ «المُستقبل - وبناء على هذه الأرقام المبنيّة أعلاه، طالب بأن يحصل على المقعد الكاثوليكي في جزّين، في مُقابل مقعدين للتيّار البرتقالي الذي لا يملك سوى حاصل إنتخابي واحد ونيّف ـ بحسب المُستقبل، باعتبار أنّه في إنتخابات العام 2009، نال النوّاب زياد أسود ( 15648 صوتاً)، وعصام صوايا (14914 صوتاً)، والراحل ميشال الحلو (13291 صوتاً)، في مُقابل 10792 صوتاً للنائب السابق الراحل سمير عازار. وفي إنتخابات العام 2016 الفرعية، نال النائب أبو زيد 14165 صوتًا. وسعى «المُستقبل» إلى تسويق إسم المُرشّح الكاثوليكي المُقرّب منه، وليد مزهر، والد رئيس بلدية بقسطا، والمدير المالي في الجامعة اليسوعيّة، على حساب إستبعاد النائب «العونيّ» جاد صوايا، الأمر الذي رفضه مُناصرو هذا الأخير.
لكنّ «التيّار الوطني الحرّ» رأى ـ بحسب المصدر السياسي نفسه، أنّه إذا كان لا بُد من أن يخسر أحد مقاعده الثلاثة في جزّين، فالأفضل أن يخسره بمعركة وليس طوعياً، خاصة وأنّ أحد مقعديه المارونيّين مُهدّد جديًا هذه المرّة، لأنّ كل أصوات «الثنائي الشيعي» ستصبّ في صالح تحالف عازار والأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد، باعتبار أن لا مجال لمُناصري «حزب الله» بدعم مرشّحي «التيّار البرتقالي» كما حصل في إنتخابات العام 2009، لأنّه لا إمكانيّة للتشطيب، ولأنّ قرار «الحزب» واضح هذه المرّة بالوقوف إلى جانب «حركة أمل» وبدعم النائب السابق سعد، وهو ما ظهر واضحًا من خلال نوعيّة الحُضور خلال المسيرة التي أقيمت منذ بضعة أيّام تكريماً للنائب الراحل معروف سعد، في إطار تقليد سنوي.
وأضاف المصدر أنّ «التيّار البُرتقالي» ردّ على مُناورات «التيّار الأزرق» الإنتخابيّة، والتي تمثلت خُصوصًا بزيارة قامت بها النائبة بهيّة الحريري إلى رئيس مجلس النوّاب، بقيام النائب «العَوني» زياد أسود بزيارة الدكتور عبد الرحمن البزري، المرشّح عن أحد المقعدين السنّيين في صيدا، للتشديد على أنّ خيارات التحالف مفتوحة. كما أنهى «التيار» الخلاف بين أبو زيد وأسود، تحت راية المصلحة الحزبيّة والإنتخابية لكل منهما، في الوقت الذي أبقى خياراته مفتوحة عبر الإحتفاظ بورقة المرشّح الكاثوليكي المُحتمل سليم الخوري بدلاً من صوايا الذي جرى إبلاغه بعدم تبنّي ترشيحه في هذه الدورة. ولفت المصدر إلى أنّ «الوطني الحُرّ» يُمكن أن يتنازل لصالح «المُستقبل» لكن بشرط أن يكسب تنازلاً مُقابلاً في دائرة إنتخابيّة أخرى.
وختم المصدر السياسي المُطلع على أجواء المفاوضات الإنتخابية في دائرة «صيدا ـ جزين» كلامه بالقول إنّ تحالف «الثنائي الشيعي» وباقي قوى «8 آذار» وفي طليعتهم النائب السابق سعد، إضافة إلى المرشّح عازار محسوم ضمن لائحة واحدة، لكنّ تواجد «المُستقبل» و«الوطني الحُرّ» على لائحة واحدة يستوجب مُوافقة «التيّار البرتقالي» على ترشيح مزهر لصالح كتلة «المُستقبل» عن جزّين، وإلا فإنّهما سيكونان على لائحتين منفصلتين ومتنافستين بطبيعة الحال، من دون أن ننسى وجود العديد من القوى الأخرى المؤثّرة في هذه الدائرة والتي لم تحسم تموضعاتها النهائية بعد، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر «الجماعة الإسلاميّة» التي أعلنت ترشيح الدكتور بسّام حمود عن أحد المقعدين السنّين في صيدا، علمًا أنّ «الجماعة» تتفاوض مع النائب السابق إدمون رزق الذي كان نال 7399 صوتًا في إنتخابات العام 2009، وحزب «القوّات اللبنانية» الذي أعلن ترشيح المهندس عجاج حداد عن المقعد الكاثوليكي في جزين، مع التذكير أنّ عجاج كان نال في إنتخابات العام 2009 ما مجموعه 6498 صوتًا، عندما خاض المعركة كمقرّب من «14 آذار».