الأربعاء 28 شباط 2018 09:42 ص |
«قشلة» صيدا.. مركز حرفي تراثي في خدمة الإنسان والتنمية |
* المستقبل ـ رأفت نعيم «خان القشلة» أو «خان الحمّص».. أحد أقدم المعالم التراثية في صيدا القديمة بدأ ينفض عنه غبار عقود طويلة بقي خلالها طي النسيان والإهمال. «القشلة» يستعيد اليوم حجره الرملي الذي راكم الزمن فوقه طبقات من الاسمنت وراكمت غرفه وأروقته وجدرانه أحداثاً ومحطات تاريخية كثيرة مرت على هذا المبنى التراثي العريق. إذ يشهد المبنى مشروعاً لتحويله إلى مركز ثقافي، حرفي وتراثي يراعي الحفاظ على طابعه الأساسي من حيث الشكل والتصميم والفن العمراني الذي يعود للحقبة التي بُني فيها أي العهد العثماني، ويؤدي في الوقت نفسه دوراً في تنمية المدينة سياحياً واقتصادياً من خلال استقطابه، بحلته الجديدة، كل ما يتعلق بتطوير المهارات الحرفية ولأنشطة ثقافية وتراثية تصب في تحقيق الهدف نفسه. والمشروع واحد من مشاريع بلدية صيدا برئاسة محمد السعودي والتي تُنفّذ بدعم ومتابعة من نائبي المدينة الرئيس فؤاد السنيورة والسيدة بهية الحريري وينفذه مجلس الإنماء والإعمار بتمويل من الحكومة الإيطالية عبر وكالتها للتنمية. تاريخ ومحطات وتسميات تُعدّ «القشلة» من أهم خانات مدينة صيدا، لجهة القيمة الهندسية كما لجهة الدور المحوري والتجاري الذي لعبته في المدينة خلال القرون الماضية. وهي تتألف من 3 طبقات، استخدمت تباعاً كمخزن للحمّص ثم مركزاً للشرطة العثمانية والفرنسية بعدها، ولاحقاً كسجن. يقع خان القشلة بين سوق الكندرجية وقصر دبانة. ويطل من الجهتين الغربية والجنوبية على المدينة القديمة ومن الجهة الشمالية على القلعة البحرية يفصل بينهما مبنى قديم والبولفار البحري. وبحسب المراجع التاريخية، شيّد الخان من قبل عائلة حمود (أبناء علي حمود) في الربع الأول من القرن السابع عشر الميلادي كما هو مدوّن فوق بوابة المدخل. كان يطلق عليه في الأساس اسم «خان الحمّص» إذ كان يُستخدم للتجارة فيخزن فيه الحمص نظراً لقرب موقعه من المرفأ وذلك على غرار «خان الرز» المجاور للمبنى من جهة الغرب. واستخدم كمحطة للجنود بين العامين 1831 و1839 أيام حكم ابراهيم باشا في سوريا. وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر في عهد حكم الأمير شهاب، تم ترميم وتجديد الخان ليكون مقراً له ووضعت لوحة محفورة لـ«أسد» مربوط بسلسلة عند مدخل الخان. في العام 1918 تم إضافة الطابق الثالث إلى الخان. وبين العامين 1923 و1943 وبعدما استخدمه الفرنسيون كسجن شتوي أصبح يُطلق عليه اسم «القشلاق»، ثم حولته الدولة اللبنانية بعد الاستقلال إلى سجن حمل لاحقاً اسم «ثكنة الشهيد بهيج الشحوري». وبين العامين 1946 و1956 تمت إضافة عناصر من الباطون المسلح على السطح. وفي سنة 1956 ضربت لبنان هزة أرضية ألحقت بعض الأضرار في المبنى. وإبان الحرب الأهلية استخدمته بعض العائلات المهجرة كمكان سكن. وبعد العام 2000 جرى اتفاق رسمي بين بلدية صيدا ووزارة الداخلية قضى بأن تقوم الأولى باستثمار «القشلة» لمدة 99 عاماً، مقابل أن تستثمر الثانية مبنى تعود ملكيته للبلدية، وتشغله قوى الأمن الداخلي كمخفر للدرك قبالة حسبة صيدا الجديدة للمدة ذاتها. مراحل العمل بالمشروع مشروع مبنى القشلة الذي يُشرف عليه مجلس الإنماء والإعمار وبلدية صيدا ينفذ بتمويل من الوكالة الإيطالية للتنمية ويتضمن ترميم وتأهيل كامل للخان ومحيطه المباشر وخطة لإدارة وصيانة هذا المعلم. وبدأ العمل بالمشروع في أواخر العام 2016. ووفق العقد، كان يُفترض أن يُسلّم المبنى في شهر حزيران 2018 لكن ظهرت أمور إنشائية استدعت تعديلات تقتضي تمديد المهلة. ويلحظ المشروع المحافظة على المبنى كما كان لجهة السقوفيات والجسور (من الخشب). وبحسب المتعهد، يسير العمل حالياً في الطبقات الثلاث للمبنى المؤلف من عقود حيث لم يكن هناك من أعمدة في مرحلة بناء القشلة، لكن اعتمدت فيه الجدران الحاملة من الأساس إلى الأعلى. علماً أن استخدام المبنى سابقاً كسجن ثم إشغاله من قبل مهجرين رافقه بعض التغييرات والإضافات مثل طبقة إسمنت مسلح مكان الحجر الرملي. وأضيفت ورقة كلسية في الطابق الثاني. وظهرت خلال العمل تفاصيل كثيرة لم تكن ظاهرة، مثل الفتحات القديمة التي لم تكن واضحة أثناء وضع تصميم المشروع فقام المتعهد ببعض التعديلات للمحافظة على المبنى كما كان أساساً. مركز حرفي تراثي ووفق التصميم الموضوع للمشروع، فالمبنى ستحوله البلدية إلى مركز حرفي تراثي يتضمن مشاغل ومعارض وغرف منامات وقاعة محاضرات بحيث يمكن تدريب مجموعات من الشباب على حرف تراثية ما يُساهم في تنمية المدينة وتعزيز عناصر الجذب السياحي والثقافي والاقتصادي فيها. وبحسب التصميم، فالمشروع يتألف من 3 طوابق بمساحة تقريبية لكل دور 800 متر مربع بالإضافة إلى ساحة داخلية بمساحة 290 متراً مربعاً. ويشمل الدور الأرضي 23 غرفة بينها 9 خارج نطاق العمل وهي تشكل جزءاً من المحال التجارية الداخلة ضمن حدود المبنى والمفتوحة نحو الخارج. أما بالنسبة للغرف المتبقية فستتوزع بين: خمسة محال لعرض وبيع المنتجات اليدوية، كافيتريا للعموم إضافة إلى المدخل والاستقبال والخدمات العامة. وسيضم الطابق الأول 10 غرف مخصصة للأشغال اليدوية و6 غرف مخصصة للمعارض، مفتوحة في ما بينها، وغرفة لبيع الكتب، إضافة إلى غرف للخدمات العامة. والطابق الثاني سيشمل مكتبة عامة ومتطلباتها من مستودع وغرف للقراءة، قاعتي محاضرات، 4 مكاتب و6 غرف نوم بمساحات مختلفة مع خدماتها من مطبخ مشترك وغرفة طعام. ووفقاً للتصميم نفسه، فإن للسطح أيضاً كما للساحة الداخلية، نصيباً في خدمة المشروع. ففي الهواء الطلق سيتم تثبيت النافورة وفق التصميم الدمشقي وسط الساحة الداخلية. وعلى السطح مساحات مخصصة للمعارض وأماكن جلوس للعموم ومساحات خارجية مخصصة للمحاضرات، كلها مغطاة بخيم، إضافة إلى غرف للخدمات العامة. ويراعي المشروع حركة ذوي الاحتياجات الخاصة.
المصدر : جنوبيات |