أغلق أحمد، العامل اللبناني المقيم في الإمارات، حسابه على موقع "فايسبوك" وبات الآن يتجنّب بعض مواطنيه.
يريد أحمد، وهو في العقد السادس من العمر، قطع صلاته بأشخاص مرتبطين بـ"حزب الله" بعدما صنفته دول خليجية كجماعة إرهابية.
والأمر غير قاصر على أحمد، الذي رفض الكشف عن بقية اسمه، فكثير من أبناء الجالية اللبنانية في الخليج، التي قد يصل عددها إلى 400 ألف شخص تعيش الترقب والقلق بعد الإعلان الذي صدر الشهر الماضي من مجلس التعاون الخليجي الذي يضم السعودية والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر.
وهددت دول الخليج العربية، التي يعمل فيها لبنانيون منذ عقود ولبعضهم فيها ثروات ونفوذ، بسجن وترحيل أي شخص على صلة بـ"حزب الله" الذي تقاتل قواته جنباً إلى جنب، مع القوات الحكومية السّورية دعماً للرئيس السوري بشار الأسد.
خطوة مجلس التعاون الخليجي ضد الحزب، جزء من صراع بين القوتين الإقليميتين السعودية وإيران. إذ يدعم البلدان طرفي صراع آخر في لبنان، حيث يتمتّع "حزب الله" بنفوذ سياسي هائل بالإضافة لقوة عسكرية.
يقول رئيس "لجنة اللبنانيين المبعدين" حسن عليان، إن السلطات في البحرين والكويت والإمارات رحّلت نحو 100 شخص خلال الشهرين الماضيين. لكن لم تصدر أي أرقام رسمية تدعم هذا الرّقم.
قد يبدو هذا الرقم ضئيلاً، لكن عمليات الترحيل نشرت الفزع بين الوافدين اللبنانيين الذين يرسلون لبلدهم نحو مليارين ونصف المليار دولار سنوياً.
بعضهم يقول إنّ الخوف ليس من الترحيل، بل من رفض تجديد تصاريح الإقامة، إذا اعتُبِروا من المشتبه في تعاطفهم مع "حزب الله".
ولدى سؤاله عن احتمال إبعاد عمّال لبنانيين آخرين من دول مجلس التعاون الخليجي بسبب علاقاتهم مع "حزب الله"، يرد مسؤول في وزارة الخارجية اللبنانية أن حكومة بيروت تتابع الأمر.
"الناس خائفون"
لقد دخلت العلاقات بين لبنان والسعودية، في أزمة منذ أوقفت الرياض مساعدات للجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار رداً على إحجام حكومة بيروت عن إدانة هجمات تعرضت لها بعثات ديبلوماسية سعودية في إيران.
ودفع الخلاف إلى الواجهة، مخاوف على استقرار لبنان سياسياً واقتصادياً، إذ استفحلت الخلافات بين مواطنيه، وأثارت كذلك القلق على اللبنانيين المقيمين في الخليج.
ويقول حسن، وهو موظف مدني يعمل في الكويت وواحد من لبنانيين قلائل وافقوا على التعليق على هذا الأمر: "ليس لنا أي نشاط سياسي لكننا نؤيد حزب الله لأنه حركة مقاومة ضد إسرائيل".
ويضيف حسن، الذي رفض هو الآخر التصريح باسم عائلته، أن "كثيراً من اللبنانيين قلقون من الإجراءات الأخيرة"، مشيراً إلى أنه تراجع عن شراء أي متعلقات جديدة لخوفه من المستقبل، بينما يخطط البعض لإعادة أسرهم إلى لبنان.
ويرفض الأشخاص الصادرة بحقهم قرارات ترحيل، إجراء أي مقابلات خوفاً على أقاربهم الباقين في الخليج، أو أملاً في العودة حين تهدأ العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون.
ويلفت أحمد، الذي يعمل في مجال الطب، الانتباه إلى أن آخرين غيره أغلقوا حساباتهم على "فايسبوك" لخشيتهم من استهدافهم بسبب علاقة مع أي شخص مرتبط بـ"حزب الله".
ويرى أن "الناس خائفون... وأنا أيضاً. نتمنى العودة الى لبنان لكن لا توجد هناك أي وظائف خاصة الآن في وجود الكثير من اللاجئين يبحثون عن عمل. جددت إقامتي قبل فترة من دون مشاكل لكني لا أشعر بالأمان".
وفي لبنان تنتشر قصص عن حالات لبنانيين تم ترحيلهم بسبب تدوينات نشرها أقارب لهم على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبرت متعاطفة مع "حزب الله".
والترحيل ببساطة، بالنسبة للجالية اللبنانية، يعني فقدان وظيفة في أكثر مناطق العالم العربي استقراراً ورخاءً، وخسارة مصدر دخل يعتمدون عليه عادة لمساعدة أشخاص أقارب فقراء.
ويعني الترحيل أيضاً، العودة لبلد مكتظ باللاجئين السوريين ويصعب فيه العثور على وظيفة.
التباس
ويذكي مشاعر الخوف التي تجتاح الجالية اللبنانية العاملة في الخليج حالة الالتباس في شأن ما قد تعتبره السلطات دليلاً على صلات مع "حزب الله" أو تعاطفاً معه.
البعض قلق من احتمال التعسف في استعمال معلومات كمواقع الإنترنت أو قنوات التلفزيون التي تشاهدها عائلاتهم.
ويقول وافدون، إنّ التحذير الفضفاض الذي أصدرته وزارة الداخلية السعودية، في رسالة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية في آذار الماضي، تجعل أي شخص عرضة للعقاب أياً كانت جنسيته أو ديانته.
ورحلت البحرين، الشهر الماضي عدداً من المقيمين اللبنانيين للاشتباه في صلتهم أو دعمهم لـ"حزب الله"، بينما ذكرت وسائل إعلام كويتية، ترحيل 11 لبنانياً وثلاثة عراقيين للاشتباه في انتمائهم للحزب.
ولم تصدر أي تقارير رسميّة عن حالات ترحيل في السعودية أو الإمارات أو قطر أو سلطنة عُمان.
وأبلغت السعودية، مواطنيها بأنّ أي شخص على صلة بـ"حزب الله" أو يؤيد الحزب أو يتعاطف معه سيواجه العقاب الذي قد يشمل الترحيل للوافدين.
ولتأكيد تلك الرسالة، احتجزت السلطات السعودية الشهر الماضي رجل الدين حسين الراضي، بعدما جهر بمدح الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله.
يرى محللون، أنّ قرار مجلس التعاون الخليجي باعتبار "حزب الله" منظمة إرهابية يراد به بشكل أساسي خنق المصالح المالية للحزب في الخليج، إذ يرى مجلس التعاون أن الحزب يعمل ضده في لبنان وسوريا واليمن.
وفرض مجلس التعاون، بالفعل عقوبات على "حزب الله" بعد دخوله الحرب السورية ضد الجماعات التكفيرية.
وقال الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، إن المجلس سيتخذ الإجراءات الضرورية لتطبيق قراره انطلاقاً من قوانين مكافحة الإرهاب المطبقة في دول المجلس والقوانين الدولية المماثلة.
ولم يوضح الزياني، طبيعة الإجراءات التي ستلي ذلك، لكن السعودية وهي أكبر قوة في مجلس التعاون، قالت قبل الإعلان إنها أضافت أربع شركات وثلاثة رجال لبنانيين إلى القائمة السوداء بسبب صلات بـ"حزب الله".
واتهم مجلس التعاون، "حزب الله" بمعاداة دوله، قائلاً إن "دول المجلس اتخذت هذا القرار جراء استمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها عناصر تلك الميلشيات لتجنيد شباب دول المجلس للقيام بالأعمال الإرهابية وتهريب الأسلحة والمتفجرات وإثارة الفتن والتحريض على الفوضى والعنف في انتهاك صارخ لسيادتها وأمنها واستقرارها".