بعد الحملات والشعارات، والتي تعبت منها الطرقات، وتأففت منها السماء،

وبعد الاتهامات التي لو كان عليها قضاء لأُدخلت النسبة الأكبر من المرشحين إلى دائرة المحاكمات،

وبعد أن صُرف المال على الاستغلال وعلى عمل الخير المحتال، حيث رأينا مشاهد تعاطف لا تخطر بالبال، وحيث لا مصداقية لمشاريع تحسّن الأحوال، وبعد فقدان التمييز بين الأصدقاء والأعداء في لوائح انتخابية موزعة في 15 دويلة ​لبنان​ية داخل لبنان المقسم أصلا، وأقل ما يقال فيها أنها طائفية (يمكن القول طائفية نسبية!)، وبعد اختلاط الحابل بالنابل في لوائح انتخابية تعبر عن شرذمة ما بعدها شرذمة وعن رؤية وطنية بدون أفق، حيث تلاقى الأضداد في ​سياسة​ ذُلت فيها كرامة المواطن ورفعت بوجهه مصالح الحكام تحت شعار أنه لا صداقات دائمة في السياسة... وبعد الركض وراء الحاصل والمحصول جنوبا وشمالا وشرقا وغربا وصولا إلى بلاد الانتشار، وبعد الزيارات المفضلة لجني الصوت التفضيلي، وبعد أن قام الناس بواجبهم الانتخابي قناعة منهم بالمصلحة الوطنية، أو كرامة لعين فلان، أو مقايضة بثمن دواء أو رغيف خبز يحتاجونه، أو خوفا من ضرر قد قد يلم بهم... وبعد الحرب والضرب وسقوط القتلى والجرحى في معارك انتخابية ساخنة، أكثر مما سقط خلال الضربة الأميركية على سوريا...

فتحت الصناديق!

أما بعد الصناديق وعد الغلّة، واكتشاف من بقي داخل السلة، حيث لا يستطيع أحد من الآن التنبؤ بكيفية التركيبة السياسية القادمة والتوافقات على السلات، فمن المتوقع أن تكون التركيبة كسابقاتها يتقاسم فيها الكبار قالب الحلوى بعد الانتصار، ويأكل فيها القوي الضعيف، وتصبح مصالح المواطن كما كانت، في خبر كان مع استمرار شقاء النازحين والفقراء! نتوقع ولا نريد، لأننا نريد أن تكون كرامة المواطن وحقوقه فوق كل شيء.

أما الأكيد، فإن الذين دفعوا أموالهم سيفتشون عن الطرق المتنوعة لاسترجاعها. الذين خسروا يسترجعونها بالاقتصاد والذين ربحوا يسترجعونها بالسياسة، وفي كلا الحالين ستفاجئنا الصفقات برا وبحرا وجوا والديون داخلا وخارجا. إنها صفقات أصحاب الوعود الطاهرة، حيث يحق لهم ما لا يحق لغيرهم وقد حفظتهم عصمة السياسة من كل محاسبة. ولن أقول أكثر لأنني أعول على فهم القراء.

أما الأحرار الذين تنادوا من هنا وهناك والذين لم يكن معهم "المال الشريف النظيف" ولم يستطيعوا أن يعدوا بشيء انطلاقا مما تملكه أيديهم، سيكون لهم الحصة القليلة إن حالفهم الحظ وابتعد عنهم النحس (لمعرفة معنى النحس هنا لا بد للقارئ من مراجعة مقال "النحس ووعود الزعماء")، لكنهم هم الرابحون إذا استمروا بالنضال.

بعد ​الانتخابات​، ولأن الحق لا يموت والرجاء بمن هو الرجاء لا يخيب، فإنني أرى أن الثورة ستستمر.

إنه استمرار الثورة الفكرية ضد الشعارات الرنانة والتي لا مشاريع خلفها غير مشاريع السلب والنهب، استمرار الثورة الإعلامية من أجل إعلام موثق وبناء يحارب ​الفساد​ ويبني الأجيال ببرامج تربوية موجهة نحو الصدق والمواطنة وكرامة الشخص البشري.

استمرار الثورة السياسية والوطنية ضد التطرف الديني والسياسي،

استمرارها ضد التجويع والتفقير لاستمرار قمع الشعب، استمرارها ضد الأمراض المنتشرة بسبب النفايات وانعدام حق التقاعد والطبابة والاستشفاء،

استمرارها ضد مخالفات سيارات المواكب السوداء على الطرقات وقمعها للبشر،

استمرارها ضد دفع ضرائب تذهب إلى الجيوب، استمرارها من أجل كرامة المواطن وإحقاق حقوقه

استمرارها من أجل التحرر من قيود الأنظمة الفاسدة... وصولا إلى بناء وطن!.