السبت 19 أيار 2018 10:11 ص

حظوظ التسوية في المنطقة بعد نقل السفارة الأميركية للقدس


نقل السفارة الأميركية الى القدس وإعلانها عاصمة لـ«إسرائيل» بالعين الأميركية هو وعد نفذته ادارة الرئيس دونالد ترامب التي بالمقابل قدّمت استكمالاً لإدارات سابقة ما اسس لتضحية بالامن القومي الإسرائيلي الذي بدا بلحظة من اللحظات كشف «إسرائيل» أمنياً ومعنوياً بعد فشل أكثر من مشروع في المنطقة على رأسه اعلان قطاعات جغرافية أقاليم منفردة او مستقلة أبرزها في كردستان العراق، وقبلها فشل ثورات ما عرف بالربيع العربي على فك ارتباط محور روسيا سورية وايران، بالرغم من سنوات طويلة من القتال المسلح على كافة المستويات، وفشل اساسي يسند الى القوى المتطرفة المدعومة أميركياً و«إسرائيل» تمثلت بإسقاط داعش. وهي القوة التي كان يسند اليها القضاء على الحركة المسلحة التي تشكل قوامها حلفاء لإيران وسورية في العراق ولبنان بشكل خاص. وأبرزها حزب الله. وهذه القوة المتطرفة التي اجتاحت المنطقة ركزت على معارك الحدود التي كان من المفترض أن تعزز فيها سطوتها للتضييق على إيران بمداخل ومخارج حيوية يمكن لها أن تقيد الحركة الايرانية بشكل كبير، خصوصاً أن الحدود السورية من أغلب جبهاتها كانت عرضة لخط نار ملتهب تطلب معارك كبرى واستثنائية.

دخول روسيا على خط الاشتباك بعد فشل المشاريع يضاف الى النقاط المقلقة لـ«إسرائيل» بعد أن نجحت موسكو بصد اكبر الهجمات عن دمشق بينها الهجمات السياسية في مجلس الأمن برفقة الصين، والاخرى العسكرية التي رسمت خط ردع واضح المعالم منع تقدّم المتطرفين أكثر نحو شواطئ البلاد حيث التهديد الأكبر الذي كاد يضع حداً للمعارك. فنجحت الخطط العسكرية الروسية بفرض حضورها في المنطقة بوقوفها عند مصالح إسرائيلية لا تتعارض مع الدفاع عن وجود نظام حليف يرأسه الرئيس السوري بشار الاسد.

الإخفاقات كلها أضيف إليها اتفاق أميركي وقعه الرئيس السابق باراك اوباما مع الدول الغربية قضى بتحجيم الخلاف مع ايران وتوقيع تفاهم سمح بتفاهمات اقتصادية وزيارات انفتاحية أوروبية على طهران شكلت قلقاً كبيراً على «إسرائيل» وحلفائها الإقليميين.

نقاط الربح والخسارة وفظاعة الفشل في كل ما سبق يستبعد التوصل الى اي نوع من الاتفاقات والتسويات على قاعدة ميل دفة الإنجازات لحلفاء ايران، خصوصاً بعدما بقي الرئيس السوري في منصبه لأكثر من سبع سنوات. وهو الحليف الأبرز الذي عمل على إسقاطه، أي نوع من التسويات على قاعدة التفوق الإيراني هو أمر مستحيل. فهالة الحضور الإسرائيلي في المنطقة هو اكثر ما تلتفت اليه الولايات المتحدة و«إسرائيل» كحيثية وجودية قائمة على الترهيب لا يمكن إضعافها.

صورة الوحشية التي ظهرت بها «إسرائيل» في قنصها بدم بادر الفلسطينيين الذين تظاهروا احتجاجاً على نقل السفارة الى القدس هو عمل مقصود للحفاظ على صورة العنجهية والهمجية التي تشكل نوعاً من التحدي عند الفلسطينيين الذين يعملون على كسرها بمواجهتهم باللحم الحي بدون خشية من أي خطر او موت.

نقل السفارة الى القدس واعلان الأميركيين انها عاصمة لليهود هو بمثابة تعهد أميركي على حفظ الأمن الإسرائيلي وتعميقه وتأسيس لأمن ذاتي مع الجيران العرب، خصوصاً الخليجيين. وبالتالي لا داعي للقلق من نفوذ إيراني او اي انتصار إيراني بعد أن دخلت واشنطن بثقلها على خط التسويات.

هذا الإنجاز الذي انتظرته «إسرائيل» لعقود قادر على إنزالها عن الشجرة وقادر على تأمين مخرج مؤاتٍ للأميركيين للدخول في التسويات على قاعدة «إسرائيل» القوية الصلبة او المدعومة بحليف قوي لا ينفك عن مواجهة المخاطر المحيطة. واليوم تدخل «إسرائيل» والولايات المتحدة منطقاً جديداً في التسويات، اذ ذكر خمسة مسؤولين أميركيين وعضو في مجلس الشيوخ أن إدارة الرئيس دونالد ترامب ستطرح خطتها للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بين منتصف وآخر حزيران المقبل، بعد شهر رمضان مباشرة. وعن معدّي الخطة الرئيسيين، كشفت اسوشيتد برس أنهما صهر الرئيس ترامب ومستشاره جاريد كوشنر ومبعوثه للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وقد شرعا بالفعل بسرية في إبلاغ بعض الحلفاء والشركاء بعناصر الخطة.

الإدارة الأميركية كان قد أعلنت قبل ذلك أنها تعد خطة جديدة للسلام، وقال مسؤول بارز في البيت الأبيض مؤخراً إن الإدارة استكملتها تقريباً. وأضاف المسؤول لـ«رويترز» أن ترامب سيدعم حل الدولتين «إذا اتفق عليه الطرفان»، لكنه لم يحدد ما إذا كان الموقف الأميركي من القضية سيكون في الوثيقة النهائية.

ليس مهماً شكل التسوية التي تتوجه نحوها واشنطن، لكن الاهم انها المخرج المؤاتي لعدم الدخول في حرب مع الجوار او تسعير المشهد. واغلب التصريحات الأميركية منذ لحظة اعلان نقل السفارة تتمحور حول سبل التهدئة. وهذا يعني طلباً أميركياً للجلوس الى طاولة مفاوضات ستضم اليها ملفات مثل سورية والعراق. وبالنسبة للاتفاق النووي الايراني لا يبدو ان الملف سيبقى مفتوحاً. فالأميركيون يجرون مراجعة على ما بدا من إعلان وزارة الخارجية الأميركية بأن «وزير الخارجية مايك بومبيو سيعلن عن خريطة طريق دبلوماسية الاثنين المقبل من أجل التوصل إلى اتفاق نووي معدل مع إيران بنهج جديد سيسعى لخلق إطار سيعالج مجمل التهديدات الإيرانية.

النتيجة الاساسية من كل هذا هو الميل الأميركي نحو التهدئة. وهذا قد يسهل تمرير بعض التنازلات الاساسية في الملفات المنتظر حلحلتها ومن بوابة النزول الإسرائيلي عن الشجرة، ربما تبدأ تدريجياً عملية سياسية جديدة في المنطقة.

المصدر :روزانا رمّال