تعيش مدينة صيدا أجواءً رمضانية بامتياز، حيث تعبق شوارعها الرئيسية والأزقّة في صيدا القديمة بروائح الحلويات الشهية التي اشتهرت بها المدينة، خاصة خلال شهر رمضان الكريم، فالمارّة لا يرون إلا محلات للحلويات، وخاصة في صيدا البلد، فكثرة المحلات العتيقة والصغيرة في الزقاق الواحد لا تتسع لقوالب المد بقشطة والشعيبيات والقطايف والمدلوقة، ويتمدّد «الحلونجيون» في الممرّات الضيّقة لصنع الحلوى، فكثير من الناس يقصدون البلد القديمة لأنّ مَنْ يصنعون الحلوى هم من الكبار في السن، الذين توارثوا المهنة عن الآباء، ويتقنونها بامتياز...
في صيدا القديمة، يشتهر أبناؤها بالمرطبات، ويتسابقون إلى شراء المرطّبات الخفيفة قبل موعد الإفطار من تمر هندي، جلاب، توت، عرق سوس، خرّوب وغيرها، لتكون على المائدة إلى جانب المأكولات المتنوّعة تُعطي الصائم طاقة إضافية.
أميرة الحلويات
تُعتبر «القطايف» أميرة الحلويات المفضّلة لدى أبناء صيدا، فهي تتربّع على عرش مائدة إفطار الصائمين لأنّها الحلوى المفضّلة والرخيصة والخفيفة على معدة الفقير والغني، كما إنّها أبرز الحلويات الرمضانية منذ عقود طويلة، نظراً إلى تدنّي سعرها، ولذّة مذاقها، فتدخل البيوت من دون استئذان.
وعلى مدخل صيدا البلد، يقوم العوجي بسكب عجينة القطايف باعتزاز أمام أعين الناس، حيث يتجمّع حوله المارّة، يلقون النظرات على المنظر الجميل، الذي يجعلهم يشتهون شراءها، ويقول: «ننتظر شهر رمضان الكريم كي نقوم بإعداد القطايف، فصناعة القطايف غير مكلفة، إنّما متعبة كونها تستدعي الوقوف طوال النهار، ويسبقها بساعة تحضير الخليط مع الاهتمام بتفقّده وتحريكه من وقت لآخر ليكون جاهزاً».
ويُضيف: «القطايف حلوى سهلة الصنع، ولو كانت متعبة، وتكاليفها متواضعة، والزبائن الذين يتوافدون لشرائها هم من الفقراء والأغنياء، فكيلو القطايف بـ5 آلاف ليرة، وهي حلوى طيّبة المذاق ورخيصة في هذا الزمن الصعب، وهناك أسرار في صناعة القطايف، تكمن في عملية الخلط، وطريقة التحضير كي تكون لذيذة، لكن يحتفظ بها لنفسه كل شخص يقوم ببيع هذه الحلوى كي يبقى الأفضل والأكثر شهرة وإقبالاً من الناس على الشراء».
ويتابع: «القطايف فطيرة من العجين الحلو، مختلفة الأحجام، منها ما هو صغير مثل كف يد الإنسان، ومنها ما هو كبير، وتتكوّن من الطحين «الدقيق» والسميد، بنسبة ثلثين طحين وثلث سميد، ويُضاف إليهما الحليب والزيت والمياه، وتُخفق جيداً وتُخبز في فرن حديدي، ثم تُحشى بالمكسّرات أو الجوز أو الجبنة أو القشطة، وتُخبز، وتغمس بـالقطر - أي ماء العسل أو السكر، حيث يحبّ الصائمون تناولها بعد الإفطار».
مشروبات الحنون
وداخل صيدا القديمة، ومَنْ لا يعرف محل «الحنون لبيع المشروبات الرمضانية» المشهور بإدارة الحاج أحمد الأرناؤوط وأولاده؟! فهو أصبح كالماركة المسجّلة في عالم المرطّبات، وخاصة الجلاب، والكل يقصده لتكون مشروباته ضيفاً عزيزاً على الإفطار، فينهمك الجميع في تلبية حاجات الناس، أحدهم يملأ قنينة الجلاب، والآخر يضع حبات التوت في قنينة أخرى، فهم كخلية نحل، تعمل بلا توقف.
رغم انشغاله، توقّف الحاج أحمد مبتسماً، قائلاً: «أعمل في هذه المهنة منذ 55 عاماً تقريباً، لكن في شهر رمضان الكريم يتضاعف العمل عندنا بسبب كثافة الإقبال، الكل يحب تناول المشروبات الباردة على اختلاف أنواعها، مثل: الجلاب، السوس، التوت، التمر الهندي والخروب، لما لها من مذاق طيّب وقيمة غذائية، فهذه المشروبات تروي العطش الناتج عن حرارة الصيف بعد الصيام».
ويتابع: «نحن نعمل تقريباً من الساعة 10 صباحاً لغاية أذان المغرب، ونقوم بتوزيع المشروبات على المحلات، ونبيع قنينة التوت بـ4 آلاف ليرة لبنانية، ونضع حبات توت شامي بداخلها، والجلاب بـ3 آلاف ليرة، وكل المشروبات بـ3 آلاف ليرة لبنانية، ونحضّر كل يوم بيومه، وتقريباً الكمية التي يتم تحضيرها حوالى 1500 قنينة».
ويتزامن شهر رمضان هذا العام مع فصل الربيع، على الرغم من الطقس المتقلّب بين الحار أو الممطر.
وفي هذا الشهر ينتشر على العربات والبسطات بيع الفول الأخضر وعرانيس الذرة، ما يُضيف منتوجات طازجة إلى سفرة رمضان أو في سهرته.