حكومة الوحدة الوطنية لا تعني حكومة توازن التي هي في ذهن من ينظر لها حكومة إنقلاب على نتائج الانتخابات
قلّص جبران باسيل في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، الى حد كبير، هامش المناورات السياسية – الحكومية، بفعل وضعه النقاط على الحروف، وخصوصا في مسألتي التمثيل القواتي – المسيحي والدرزي، وبحسب أوساط في «التيار الوطني الحر»، فقد تحدث الرجل بوضوح وثقة عن المعايير التي يراها التيار، وإستطرادا رئاسة الجمهورية، مناسِبة لتوزيع الحقائب على مختلف القوى السياسية ومسهِّلة للولادة المنتظرة، وهو على يقين أن إلتزام تلك المعايير، أو أي معايير موضوعية وعلمية، كفيلة بتذليل كل العقبات، بحيث يقفل تموز على حكومة وحدة وطنية (لا حكومة توازن التي هي في ذهن من ينظّر لها حكومة إنقلاب على نتيجة الإنتخابات النيابية) بصيغة مريحة للجميع قادرة على العمل ومواكبة الورشة الكبيرة التي يحضّر لها العهد على مختلف المستويات، وإن بقي الأبرز أولويتي الشأن الإقتصادي وملف النزوح السوري.
لكن الحديث عن معايير لا يعني في أي شكل من الأشكال وجود مسعى (رئاسي) للسطو على صلاحيات رئاسة الحكومة أو تحييدها، ذلك أن لكل فريق الحق في الإفصاح عما يراه مناسبا من معايير لتشكيل الحكومة، تماما كما فعل الحزب التقدمي الإشتراكي الذي لا يزال يشترط أن يغنم المقاعد الدرزية الثلاثة ربطا بما يعتبره فوزا درزيا نظيفا (أو يكاد) في الإنتخابات النيابية، وكذلك تفعل القوات اللبنانية التي تستند أيضا الى إتفاق معراب. فكيف يستوي الحديث (وخصوصا ما أراد إيحاءه إجتماع الرؤساء السابقون للحكومة) عن مصادرة رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر صلاحيات منوطة برئاسة الحكومة، ولا يستوي في حالي الحزب التقدمي الإشتراكي والقوات اللبنانية اللذين يضعان شروطا (لا معايير) تكاد تخنق الولادة الحكومية. هذا تحديدا ما أراد باسيل قوله بإعلانه أن «هناك من يسعى الى خلق جو ان الرئيس (سعد) الحريري يتنازل عن الطائف وعن صلاحيات رئاسة الحكومة وهذا غير صحيح ونحن اختلفنا معه على امور كثيرة لأنه لا يتنازل ومنها موضوع مقر مجلس الوزراء والمادة ٥٢ من الدستور (يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة. أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن ابرامها الا بعد موافقة مجلس النواب).
في هذا السياق، يمتنع باسيل عن أي مبادرة حكومية إنطلاقا من حرصه على عدم تفسير تحركه على أنه عمل مواز يتضارب أو يتناقض مع عمل الرئيس المكلّف.
في التمثيل القواتي الذي يتم التحجج فيه لتبرير المناورة والتأخير، صار واضحا أن تفاهم معراب ليس مجرد معادلة أريتميتية – حسابية تكتفي بتوزيع حصص، أو لائحة طعام تنتقي منها القوات اللبنانية ما يطيب لها. هو اتفاق سياسي كامل نتيجته النهائية دعم رئاسة الجمهورية لا محاصصة توزيعية للمغانم. وتاليا تنتفي المعادلة الحسابية متى إنتفت علة وجودها، وهي في هذه الحال الحرص على إنجاح العهد، وهو لا يكون بالتأكيد من خلال التصويب المتواصل بلا سقف أو هوادة على التيار الوطني الحر وإتهام وزرائه بالفساد والإفساد، وهو الذراع التنفيذية الرئيسة للعهد، ولا يكون كذلك من خلال الموقف الملتبس من إستقالة الرئيس سعد الحريري في تشرين الثاني 2017، والرجل في الوقت عينه هو أحد ركائز التسوية الرئاسية التي على أساسها قام العهد، والتي تبنى عليها آمال نجاحه.
في أي حال، كان باسيل واضحا في حرصه على ترميم التفاهم مع القوات اللبنانية، تماما كما حرصه على تأكيد أن هذا الترميم لا يعني في أي حال من الأحوال تغييب المعايير لتوزيع المقاعد على الكتل والأحزاب. وفي حال القوات، يفترض تطبيق قاعدة «وزير لكل أربعة نواب»، أن تمنح القوات (15 نائبا) 3 وزراء، مع ترك الحديث جائزا في زيادة مقعد واحد حصرا إذا إقتضت الضرورة.