يحتفل «لـواء صيدا والجنوب» بإطفاء شمعته الـ 25، التي ترمز إلى سنوات عمره، بين الولادة في أيار 1991، والاحتفال بـ «اليوبيل الفضي» في أيار 2016، والذي يحمل الرقم 1251.
25 عاماً مرّت، كانت حافلة بالمحطات والأحداث الجسام، بحلوها ومُرّها، بإنجازاتها وإخفاقاتها، سنوات مضت من العمر، كُثُر لا يحسبون لها حساباً، وهم في غفلة من الزمن، يحزنون على ضياع منصب أو مركزٍ أو مال، وقد لا يدركون أنّ خيرة السنوات قد انقضت ليبقى التقييم، في أي طريق أُفنيت، وماذا زرعت، ثمار خير أو شر؟
عندما أبصر «لـواء صيدا والجنوب» عدده الأوّل (8 أيار 1991) بمبادرة من عميد «اللـواء» الأستاذ عبد الغني سلام ورئيس التحرير الأستاذ صلاح سلام، كان يستبق عودة الدولة إلى الجنوب، الذي كان يتأرجح بين مناطق ترزح تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، وأخرى هجرها أهلها بفعل الاقتتال الداخلي.
كانت مؤسّسات الدولة متهالكة ومبعثرة ومشتّتة، وليست ذات حيلة، كما كان العمل المؤسّساتي معطلاً، والتمديد سيد الموقف، وينسحب على التمثيل التشريعي والبلدي.
غاب الجيش اللبناني والقوى الأمنية عن الكثير من المناطق، وارتفعت معاناة المواطنين في نزوحهم المتكرّر بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل والأحداث المتنقلة، وتكرار ترحالهم، فزادت المأساة من إحباطهم.
وكانت السرقة «على الخفيف»، وغير منظّمة، والفساد غير مستشرٍ كما الآن، وعلى عينك يا تاجر، والكهرباء شبه متوافرة، والمياه صحية، وأزمة النفايات لم تكن بهذا الحجم، بل كانت المكبّات قليلة، وليس في الشوارع وتتكدّس في الطرقات.
25 عاماً بحلوها ومُرّها عشناها مع الزملاء في الجنوب، وعندما تكون المهمة الإعلامية جنوباً، يعني أنّ وزرها أثقل، ومهمتها أصعب، فهناك عدو مغتصب.
حاولنا في هذه التجربة الجديدة، أنْ يكون «لـواء صيدا والجنوب» نقطة تلاقٍ بين لبنان المُقيم والمغترب، بين الصامدين في أرضهم، وبين مَنْ اضطر للنزوح، كُنّا مع المقاومين في الدساكر الأمامية، ومع الجيش والقوى الأمنية مع كل انتشار وعودة، نواكب آهات أهالي الشهداء والجرحى والأسرى وننقل معاناة الجرحى والأسرى المحرّرين، وما توافر من معلومات عن ظروف الصامدين خلف قضبان الأسر أو تحت الاحتلال.
تنقّلنا بمسح شامل على كل خطوط الصمود والتماس، التي كانت تتنقّل بين حين وآخر مع تحرير أراضٍ من الاحتلال الإسرائيلي.
كما واكبنا نضالات المقاومين والصامدين، وكشفنا عن العديد من شبكات التجسّس مع العدو الصهيوني وعملائه، وهكذا تم التعامل مع الخلايا والشبكات الإرهابية، على الرغم من التهديد والوعيد.
وأفردنا مساحات شاسعة نصرة لقضية العرب والمسلمين والأحرار المركزية، قضية فلسطين، فشكّلنا شريان تواصل بين الصامدين تحت الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، واللاجئين في لبنان، والمشتتين في أصقاع المعمورة.
أولينا اهتماماً للقضايا المطلبية والوطنية والقومية، إيماناً بأنّ رسالتنا هي نقل صرخة المواطن إلى المسؤول، والبحث عن إيجاد حلول، وهو ما تم في الكثير من الملفات.
أفسحنا عبر صفحات «اللواء» المجال أمام كافة الأطراف ليعبّروا عن آرائهم بشفافية، وكان «لـواء صيدا والجنوب» منبراً حوارياً للجميع.
وأتحنا أمام الشباب فرصة التعبير عن آرائهم، وإفساح المجال للكتابة والعمل الصحفي.
وتحوّل الشباب الصغار إلى أساتذة يتبوؤن مراكز مرموقة، انتقل منهم البعض إلى مؤسّسات إعلامية أخرى، أو استمروا في «اللـواء» أو غادروا إلى الخارج فأبدعوا.
كانت انطلاقة «لـواء صيدا والجنوب» قبل الثورة الإعلامية عبر الفضائيات والإنترنت والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان المغتربون ينتظرون وصول الملحق الأسبوعي، كما المُقيمون، فشكّل نقطة مميّزة ومُنيرة في تاريخ الإعلام الجنوبي، وحصد المئات من الجوائز والدروع، ونال جائزة تميّز أفضل ملحق مناطقي في المعرض الأول لوسائل الإعلام في لبنان، الذي نظّمته الجامعة اللبنانية - كلية الإعلام والتوثيق أيار 2001.
كل ما تحقّق هو ثمرة مَنْ افتدى بحياته من أجل صورة أو كلمة، وسالت دماؤه أو عرقه من أجل الحصول عليهما.
الكل كان شريكاً، في مقال أو مقابلة أو معلومة، وحتى من قصف واستهدف العمل، ليس لشيء إلا في محاولة لذر الرماد في العيون لتبرير فشل أو مساءلة من مسؤوليه، فكان حافزاً إضافياً للعمل والمثابرة.
كُثُر يريدون من الصحافة زينة في بعض المناسبات، ولا يتذكّرونها إلا في مناسبة «عيد شهداء الصحافة»، أو في استحقاقاتهم لإبراز مواقفهم، ويتحمّل الزملاء الكثير من المعاناة لالتقاط صورة أو الحصول على خبر، خاصة من مرافقي بعض المسؤولين.
وكُثُر من السياسيين يحاولون تحميل وزر أخطائهم وانتقاد مواقفهم إلى الصحافة، وكأنها الشوك المضلّل للورود، بينما هم الزهور، فيما الحقيقة أنّ الصحافيين هم زهور يتحمّلون شوكة الكثير من المسؤولين.
وضعنا نصب أعيننا بيت الشعر:
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة
فكيف أبكي على شيء إذا ذهب
وإنّ الإنسان بين الولادة والرحيل مسيرته بيد المولى عز وجل، ولا يمكن لأي كان التأثير فيها زيادة أو نقصاناً.
حملنا ملفاتنا وتعرّضنا لتهديد ووعيد لم يغيّرا في قناعاتنا قيد أنملة.
أثرنا ملفات شبكات «الموساد» والعملاء مع العدو الصهيوني، حتى لا تصبح العمالة وجهة نظر.
لاحقنا شبكات الإرهاب، حتى لا يصبح القتل بإسم الدين عادة، وهو منهم براء.
حرّكنا مواضيع عديدة كانت راكدة، حتى لا يُسلب حق ولا يضيع.
«لـواء صيدا والجنوب» 25 عاماً... واظب على الصدور في أحلك الظروف وأصعبها، رغم كل الصعاب فأصبح تجربة تستحق التوقّف عندها ملياً، وهي تنطلق من أنّ الكلمة الصادقة والصورة الجريئة شريكان في معركة مقاومة الاحتلال والإهمال، والعمل على إحقاق الحق.