الأربعاء 18 أيار 2016 14:57 م

كيف تعرف أنّك حقير؟


عندما اخترعوا الإنترنت، ومِن دهنِها سقّوا مواقعَ التواصل الاجتماعي، كان يجب على الشباب أن يشرَحوا للعالم معنى مفهوم كلمة قرية، أو بالأحرى معنى القرية، قبل أن يتبجّحوا أمامهم بأنّهم حوّلوا العالم بأسرِه إلى قرية صغيرة يعيش فيها مليارات الأشخاص على مساحة لا تتعدّى حدود شاشة الهاتف أو الكومبيوتر.

ما هي القرية يا حلوِين؟ القرية ليست كلّ مساحة جغرافيّة معلّقة على سفحِ جبل أو كتِف وادي فوق ارتفاع 1000 متر عن سطح البحر، وليست مجتمعاً يعيش حصراً على حلبِ الأبقار وقطاف الباذنجان، وليست مجموعة أفراد يؤمنون بالخرافات ويحملون المياه في جرّة ويتنقّلون على متن جحش.

 

القرية ببساطة هي أيّ بقعة على وجه الأرض، سواءٌ فعلية أو افتراضية، يجتمع فيها شخصان لإعانة ثالث مظلوم أو محتاج... وعدا ذلك، يمكن تسميتُها مدينة، عاصمة، متروبوليس، أمبراطورية، سمّوها ما شئتم.

ولكن، هناك كمّيات هائلة من الناس الذين لديهم حساسيّة مفرطة على القرية، كلمةً ومصطلحاً، وهؤلاء الأشخاص يتنقّلون على الزفت وفي غابات الباطون والواي فاي، ويُرسّخون ديموقراطية الحقارة لقطعان البشَر في القرية العالمية...

وإذا تمعَّن الواحد منّا في التحَف التي يتمّ نشرُها يومياً على مواقع التواصل الاجتماعي، يكتشف أنّ هناك إنتاجاتٍ مهولة من الجُمل والأفكار التي تُغني كلَّ الدراسات حول الغباء والحقارة، وتؤكّد أنّ هؤلاء لا يعيشون حتى على كوكب الأرض، وإنّما على كواكب مختلفة وبعيدة.

فمثلُ المادام المهمومة لأظفرِها المكسور، أو لكمّية الحامض الزائدة في سَلطتها، أو ضعف الإرسال على هاتفها... ومثلُ الموسيو القِرفان من مياه الشَفة التي شربَها، أو المعصّب لنفاد الجُبنة التي يحبّها من البرّاد، أو لعدم إيجاده حبّة أفوكادو ناضجة في محلّ الخضرة... وغيرها الكثير من هموم الحياة العظيمة التي يعيشونها في نفس الوقت الذي تُقصَف فيه الأحياء السكنية في حلب، وتغرَق فيه العبّارات في المتوسط، وتُدمَّر فيه المدن بهزّات أرضية في اليابان، أو تغمر بمياه التسونامي في أندونيسيا.

تغصُّ مواقع التواصل الاجتماعي يومياً بتغريدات "روّاد الطبقة الوسطى" الذين لا يشعرون بأيّ شيء تجاه "روّاد طبقة الفلّاحين"، ويعودون بالعالم الافتراضي مع كلّ كلمة يتفوّهون بها إلى القرون الوسطى، ليؤكّدوا أنّ الحقارة تسري في عروق الحقيرين مهما صغرَت القرية العالمية.

المصدر : جنوبيات