يطل عيد المقاومة والتحرير الـ16 هذا العام، وقد أثبت الجنوب اللبناني بالمشاركة بالاستحقاق البلدي والاختياري والنيابي الفرعي في جزين، أنّه يصنع أعراساً للتحرير والديمقراطية، فيحق لأبنائه أنْ يتميّزوا بين مختلف المناطق اللبنانية...
عيد تحقّق بفضل تضحيات المقاومين من شهداء وجرحى وأسرى، والصامدين في أرضهم، مُفشلين مُخطّط الاحتلال باعتماد سياسية الأرض المحروقة، فناضل كل على طريقته، ليتحقّق "عرس التحرير" بدماء الكادحين والمناضلين، وفي تشارك الجميع بمختلف المجالات بتحقيق تلك اللحظة التي أصبحت تاجاً وقدوةً لكل الأحرار في العالم...
نضال ثبت فيه أنّه شراكة بين مواجهة العدو في الميدان، وشرعنة المقاومة في السياسة عبر المنابر الدولية، واحتضاناً من قِبل الجيش والأهالي، فاستحقوا تتويج مقاومتهم للاحتلال نصراً مؤزّراً، على أمل استكمال التحرير في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلين، وها هم الجنوبيون يواصلون النضال بمواجهة الإهمال المزمن...
الجنوب كان على موعد مع استحقاقات ميّزته عن باقي المحافظات اللبنانية، فانتخب أبناء قضاء جزين أمل حكمت أبو زيد ليكون أوّل نائب يُنتخب في المجلس النيابي المُمدِّد لنفسه في ولاية تنتهي في العام 2017، خلفاً للنائب الراحل ميشال الحلو الذي شغر مركزه بوفاته (27 حزيران 2014)...
وانتخب الجنوبيون (263 مجلساً بلدياً) و(3318 عضواً بلديا) و207 مختارين، فضلاً عن أعضاء المجالس الاختيارية في البلدات التي لا توجد فيها تقسيمات أحياء...
الناخبون في محافظتَيْ الجنوب والنبطية البالغ عددهم (852218)، تفاوتت نسب مشاركتهم في الانتخابات بين 40 و65% وفقاً للعديد من الاعتبارات التي حكمت ذلك بين مدينة وبلدة وقرية، علماً بأنّ أكثر من 50 بلدية فازت بالتزكية...
وإنصافاً للتاريخ، وبعد نجاح إنجاز هذا الاستحقاق، يستحق وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، التحية، لإصراره على إجرائها، رغم كل التحذيرات الأمنية، وأيضاً التحية إلى محافظي الجنوب والنبطية منصور ضو والقاضي محمود المولى والقائمقامين، وإلى رؤساء اللجان والأقلام والجيش والقوى الأمنية والمراقبين والإعلاميين وفرق الإسعاف والدفاع المدني، وإلى كل من شارك في انجاح العملية الديمقراطية...
"لـواء صيد والجنوب" بنشر أوّل قراءة تفصيلية بشأن نتائج الاستحقاق البلدي الجنوبي، خاصة في عاصمته صيدا، التي فاجأ الرئيس سعد الحريري الصيداويين مشاركتهم فرحة الانتصار وفوز لائحة "إنماء صيدا"...
برّي ودراسة النتائج
كان واضحاً أنّه في غالبية البلدات ذات الغالبية الشيعية، تمكّنت اللوائح المدعومة من حركة "أمل" و"حزب الله" وحملت أسماء "التنمية والوفاء" من تحقيق فوز، ومنها بالتزكية، بينما ترك لمناصب المخاتير حرية الناخبين بالاختيار.
لكن اللافت ما جرى في حارة صيدا، حيث استطاع الرئيس الحالي للبلدية سميح الزين من تحقيق انتصار كبير، والفوز بـ8 مقاعد من أصل 15 عضواً للمجلس البلدي، متقدّماً على اللائحة التوافقية المدعومة من حركة "أمل" و"حزب الله" التي فازت بـ7 مقاعد.
وهذه الصورة تكرّرت أيضاً في بلدة عنقون، حيث فاز الدكتور حسين قاسم فرحات بلائحة من 11 عضواً من بين أعضاء المجلس البلدي المؤلّف من 15 عضواً، في مواجهة لائحة الائتلاف بين الثنائي الشيعي الذي فاز بـ4 مقاعد.
هذه النتائج، كادت أنْ تتكرّر في أكثر من مكان، ولكن البعض فضّل العزوف والانسحاب عن الاستمرار في خوض المعركة لاعتبارات عديدة، هذا فضلاً عمّا جرى في بلدة كفصير – قضاء النبطية، ما طيّر الانتخابات فيها!
ويجب التوقّف ملياً أمام ما جرى والتأسيس عليه للمرحلة المقبلة، ومناشدة الرئيس نبيه بري بأهمية إيلاء مثل هذه النتائج الاعتمام، لأنّها تتكرّر في كل استحقاق لاعتبارات متعدّدة، ومنها كأنَّ مَنْ يشرف على اختيار اللوائح تكون لديه بعض الحسابات الخاصة، وتنعكس سلباً على واقع حركة "أمل"، وهو ما يجب أنْ يتم تقييمه بإشراف مباشر من الرئيس بري من خلال دعوة سريعة لكل الفرق التي عملت على إدارة هذا الملف، خاصة أنّ مَنْ فاز في وجه التحالف الثنائي، أعلن التزامه وإهدائه الفوز إلى الرئيس بري وخط المقاومة.
جزين واستهداف حرفوش
وفي جزين كانت المفارقة بأنّه كان هناك إصرار بالتركيز على منع وصول رئيس "اتحاد بلديات منطقة جزين" وبلدية جزين خليل حرفوش إلى عضوية المجلس البلدي، وبالتالي انتخابه رئيساً للبلدية والاتحاد.
وقد اتضح أنّ هناك مَنْ انقلب على الاتفاق داخل جزين لمنع وصول حرفوش، خاصة أنّ تسديد حسابات البلدية السابقة، برزت إلى العلن في هذا الاستحقاق بعد الخلافات التي شهدها المجلس البلدي السابق، مع إصرار رئيسه - آنذاك - وليد الحلو على عدم تسليم رئاسة البلدية إلى خلفه يوسف رحال، وكان ذلك يهدّد بحل المجلس البلدي وفقدان تمثيل البلدية في الاتحاد ورئاسته، فانتخب حرفوش لرئاسة البلدية.
وتبيّن أنّ غازي الحلو، شقيق وليد، وبعدما فشل التسوية مع رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون، بإعادة شقيقه وليد إلى اللائحة، استهدف حرفوش مع 3 أعضاء، الذي كان أول الذين لم يحالفهم الحظ وبفارق صوتين، حيث نال (2160 صوتاً)، فيما نال آخر الفائزين جان كلود شاكر كرم (2162 صوتاً).
وقد جرى تقديم طعن بوجود "أوراق معلّمة"، وهي تتمتع بمواصفات خاصة وعددها حوالى 15 ورقة، تم حذف إسم حرفوش منها، ومن غير الممكن أنْ يتم الشطب أو التعديل فيها لأنّها مغطاة بمادة "سوليفان"، وبالتالي تُعتبر "معلّمة" وهو ما ستبت به لجان الطعن.
صيدا وخيار الإنماء
في "عاصمة الجنوب" صيدا، سُجّلت منافسة ديمقراطية بين 3 لوائح في المدينة، وهي:
1- لائحة "إنماء صيدا" برئاسة رئيس البلدية الحالي المهندس محمد السعودي والمدعومة من النائب بهية الحريري و"تيار المستقبل"، الرئيس فؤاد السنيورة، "الجماعة الإسلامية"، الدكتور عبد الرحمن البزري، وعدد من العائلات والفاعليات.
2- لائحة "صوت الناس" برئاسة المهندس بلال شعبان والمدعومة أمين عام "التنظيم الشعبي الناصري" الدكتور أسامة سعد و"اللقاء الوطني الديمقراطي" وعائلات في المدينة.
3- لائحة "أحرار صيدا" برئاسة رئيس "المنظمة اللبنانية للعدالة" الدكتور علي الشيخ عمار، وهي غير مكتملة وكانت تضم 9 مرشحين.
بعد فوز لائحة "إنماء صيدا" برئاسة رئيس البلدية الحالي محمد السعودي بكامل أعضائها الـ21، يعني ذلك استمرار تنفيذ المشاريع التي وضعتها اللائحة كبرنامج عمل لها للسنوات الست المقبلة، والتي تُعتبر في غالبيتها استمراراً لما كان قد وضعه المجلس البلدي السابق، الذي شكّل فريق عمل متجانس، وبقي من أعضائه 17 عضواً، بعدما أعلن 4 من أعضائه السابقين عزوفهم عن الترشّح.
وكما بات واضحاً، من خلال التجارب السابقة، فإنّ مدينة صيدا التي عاشت تنافساً ديمقراطياً خلال الآونة الأخيرة التي سبقت موعد إجراء الانتخابات، ستكون على موعد مع طَيْ صفحة الانتخابات، وفتح صفحة جديدة، تثبت أنّ البلدية، وجميع مَنْ فاز أو مَنْ لم يحالفه الحظ، شركاء في البحث والعمل من أجل مصلحة المدينة، وهو ما تكرّس خلال ولاية المجلس البلدي السابق، الذي ما أنْ مرّت عدّة شهور، حتى كانت أطراف صيداوية عدّة، بما فيها التي كانت تنافست ضمن "الإرادة الشعبية"، تشارك في نشاطات وبرامج ومناسبات يُقيمها المجلس البلدي أو تُقام في مبنى البلدية.
هذا هو النموذج الصيداوي المميز، الذي يجتمع في الملمّات من أجل خدمة المدينة، وإنْ تباينت وجهات النظر في سبيل ذلك، لكن ما جرى أصبح خلف أبناء "عاصمة الجنوب"، لكن يجب التوقّف ملياً في قراءة تفصيلية عند بعض المتغيّرات بين الاستحقاق الحالي والاستحقاق السابق في العام 2010.
في هذا الاستحقاق ارتفع عدد الناخبين إلى (60610)، اقترع منهم (27018) - أي ما نسبته 44.58%، بينما في العام 2010، بلغ عدد الناخبين (54766) اقترع منهم (30789) - أي ما نسبته 56.22%.
ويتبيّن أنّ عدد الناخبين بين الاستحقاقين بلغ (5834)، وهم مَنْ بلغوا سن الـ21 عاماً وأصبح يحق لهم الاقتراع.
أما الفارق بين عدد الناخبين في هذه الدورة (27018) والناخبين في دورة العام 2010 والذي بلغ (30789)، فهو يظهر فارقاً بتراجع (3771 صوتاً).
أسباب تراجع نسبة الاقتراع!
ومرد ذلك إلى جملة من الأسباب:
- إنّ عدداً كبيراً من المغتربين، ممّن كان يتم إحضارهم للمشاركة في الانتخابات، لم يتم.
- إنّ الماكينات الانتخابية للقوى الداعمة للائحة "إنماء صيدا"، بيّنت لها الاستطلاعات فوزها.
- إنّ مزاج البعض هو عدم المشاركة، استناداً إلى اعتبار أنّ صوته لا يقدّم ولا يؤخّر، أو اعتراضاً.
- تدنّي المشاركة المسيحية في الانتخابات، خاصة في حيي مار نقولا والقناية، اللذين فاز فيهما المختاران المسيحيان إيلي الجيز وسليم عبود بالتزكية، ففي حي مار نقولا اقترع (473) من أصل (1925 ناخباً) - أي ما نسبته 24.57%، وفي حي القناية اقترع (310)، من أصل (1159 ناخباً) - أي ما نسبته 26.75%، وذلك خلافاً لنسبة الاقتراع في دورة العام 2010.
- صعوبات واجهت الناخبين المقعدين أو كبار السن، في أقلام اقتراع وضعت في طوابق علوية، ولم يتم فيها مراعاة القوانين، حيث بات ضرورياً الأخذ بعين الاعتبار أوضاع المعوّقين والمقعدين في العمليات الانتخابية، وفقاً لمواد القانون 220 الصادر في العام 2000، وتعميم وزارة الداخلية بالتأكيد على البند السابع من القانون 25، من أجل إتاحة المجال للمقعدين والمسنين، ممارسة حقهم الانتخابي.
تراجع نسبة الاقتراع في مختلف الأقلام في صيدا، والتي كانت أقل من 50% باستثناء حيي الكنان الذي بلغت فيه 50.31% ومكسر العبد الذي بلغت فيه 51.10%، علماً بأنّ نسب الاقتراع كانت في الدورة الماضية تفوق الـ50% في جميع الأحياء.
هذه المعطيات انعكست على نسب مشاركة الناخبين بالاقتراع، على الرغم من المطالبات المتكرّرة لهم بضرورة إجراء الانتخابات، إلا أنّ هناك مَنْ فضّل عدم المشاركة وممارسة حقه الذي كفله له الدستور.
وفي هذه الانتخابات نال أول الفائزين في لائحة "إنماء صيدا" المهندس محمد السعودي (15436 صوتاً) - أي ما نسبته 57.13% من أصوات المقترعين، ونالت آخر الفائزين في اللائحة عرب رعد كلش (13964 صوتاً) - أي ما نسبته 57.68% من أصوات المقترعين.
بينما في الانتخابات الماضية نال السعودي 62.18% من أصوات المقترعين وآخر الفائزين من لائحته محمد السيد نال 59.92% من أصواتهم.
فيما نال أوّل الذين لم يحالفهم الحظ في لائحة "صوت الناس" فؤاد الصلح (8443) - أي ما نسبت 31.25% من أصوات المقترعين، وآخر الذين لم يحالفهم الحظ من اللائحة عاطف محمود الإبريق (7764) - أي ما نسبته 28.73%.
فيما في انتخابات العام 2010، كان أعضاء اللائحة المدعومة من ذات الأطر السياسي، وهي "الإرادة الشعبية" قد نال رئيسها عبد الرحمن الأنصاري (9381 صوتاً) - أي ما نسبته 30.46% من أصوات المقترعين، وآخر الذين لم يحالفهم الحظ في اللائحة نوال صافي (8573 صوتاً) - أي ما نسبته 27.84%.
بينما نال أوّل الذين لم يحالفهم الحظ من لائحة "أحرار صيدا" الدكتور علي الشيخ عمار (2748 صوتاً) - أي ما نسبته 10.17% من أصوات المقترعين، وآخر الذين لم يحالفهم الحظ من اللائحة حسن محمد عوكل (1997 صوتاً) - أي ما نسبته 7.39%.
وفي قراءة تفصيلية للفوارق بين اللوائح الثلاث، يظهر أنّ الفارق بين أوّل الفائزين في لائحة "إنماء صيدا" السعودي وآخر الفائزين عرب رعد كلش (1472 صوتاً)، وأنّ الفارق بين أوّل الذين لم يحالفهم الحظ في لائحة "صوت الناس" فؤاد الصلح، وآخر الذين لم يحالفهم الحظ في هذه اللائحة عاطف الإبريق كان (679 صوتاً).
وأوّل الذين لم يحالفهم الحظ في لائحة "أحرار صيدا" الدكتور علي الشيخ عمار وآخر الذين لم يحالفهم الحظ في هذه اللائحة حسن محمد عوكل كان (751 صوتاً).
وهذا يشير إلى أنّ الفارق بين أول الفائزين السعودي، وأول الذين لم يحالفهم الحظ الصلح كان (6993 صوتاً).
وبين آخر الفائزين عرب كلش وآخر الذين لم يحالفهم الحظ في لائحة "صوت الناس" الإبريق كان (6200 صوت).
وذلك يوضح أنّ القوّة التجييرية للائحة "إنماء صيدا" كانت تنطلق من (13500 صوتاً).
بينما القوة التجييرية للائحة "صوت الناس" كانت تنطلق من (7500 صوتاً).
أما القوة التجيرية للائحة "أحرار صيدا" فكانت تنطلق من (1997 صوتاً)، وهو الرقم الذي ناله عوكل، علماً بأنه كان قد أعلن انسحابه من اللائحة، لكن كان قد تم طبع اللوائح، فبقي اسمه ضمنها.
وفي ضوء النتائج، فإن ذلك يؤكد بأن الجميع تأثر من تراجع نسبة الاقتراع من 56.22% إلى 44.58%، وإن كان هذا التأثير بنسب متفاوتة.
الأهم أن القوى الصيداوية الرئيسية التي نسجت تحالفاتها، حققت ما تريده، سواء بالوصول إلى المجلس البلدي، أو بإثبات الوجود في المدينة، أو توجيه رسائل إلى من يعنيهم الأمر!
أمل أبو زيد أوّل نائب مُنتخب في مجلس نيابي مُمدِّد لنفسه
استهداف خليل حرفوش لإقصائه عن رئاسة بلدية جزين والاتحاد!