الأربعاء 26 كانون الأول 2018 19:55 م

المفتي عسيران: لتغليب مصلحة الأمّة والحوار لمواجهة الآفات الاجتماعية


* سامر زعيتر

يشكّل رجال الدين معول بناء أو معول هدم في المجتمعات، من هنا تبرز أهمية الدور الذين يضطلع به رجال الدين في التقارب بين أبناء المجتمع، ونبذ الفرقة، والدعوة إلى الحوار والتلاقي على كلمة سواء...
"اللـواء" التقت مفتي صيدا الجعفري الشيخ محمد عسيران، الذي دعا إلى تغليب مصلحة الأمة في سبيل مواجهة التحديات، ونبذ التعصّب، ومواجهة الإرهاب.
أكد المفتي عسيران على دور الفرد في عمارة الأرض وتحقيق العدل، قائلاً: "لقد شرّف الله الإنسان وأكرمه باستخلافه في الأرض قال تعالى: إنّي جاعل في الأرض خليفة".
الإصلاح ونبذ الاقتتال
وحول أهمية الدين في المجتمع شدّد على أنّ "هذا الاستخلاف قائم على أساس الإصلاح وتحقيق العدل بين الناس، وقد أرسل الله الُرُسل تترى لأداء هذه المهمة العظيمة، وإقامة الحجّة على الناس: "رسلاً مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل"، وأيّدهم ربّهم بالآيات البيّنات الدالّة على صدقهم، "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات"، فأناروا للناس طريقهم وأرشدوهم إلى حقيقة التوحيد، وأنقذهم من الظلمات، وحرّروهم من عبادة المخلوقات، وفتحوا لهم طريق الهداية وسُبُل الرشاد، كي يتّجهوا إلى خالقهم سبحانه، ويحقّقوا الغاية الكبرى، ويمثلوا للحكمة العظمى من خلقهم.. وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". 
وعن نبذ الفرقة والاقتتال أشار المفتي عسيران إلى أنّ "الإسلام جاء ليحث الناس على الخير والصلاح والنجاة والفلاح، ومن أجل إخراج الناس من الظُلُمات إلى النور. وحدّد النبي الأعظم (ص) في خطبة الوداع، حقوق الإنسان، ومعالم الحريات، وأُسُس منطلقات الكرامة الإنسانية لبني البشر، فقال (ص): "إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا"، لقد حفظ الإسلام للإنسان ضرورياته الخمس التي لا تقوم الحياة إلا بها، فحرّم الاعتداء على دينه ونفسه وماله وعرضه وعقله، وما ذاك إلا ليعيش آمناً مطمئناً، يعمل لدنياه وآخرته، ويعيش المجتمع كلّه في تماسك، كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً، ليصلح بذلك حال الناس، وتستقيم أمورهم، كما أوصى في خطبته بالمرأة خيراً، وأبان حقوقها وواجباتها وما لها وما عليها".
وحول التساوي في الحقوق والواجبات أوضح أنّ "الإسلام بيّن أنّ الناس متساوون في التكاليف حقوقاً وواجبات، لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، لا تفاضل في النسب ولا تمايز في كون قال (ص): "يا أيها الناس إنّ ربكم واحد، إنّ أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على عجمي إلا بالتقوى"، وحثَّ على حق الجوار "والجار ذي القربى والجار الجنب". وبقوله (ص): "مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"، كما حفظ الإسلام النفوس، وصان الدماء، وجعل من ذلك قضية من أخطر القضايا، وعالج كل ما يطرأ بين الأفراد من مشكلات بحدود العدل في الأرض "ومن أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً".
تغليب المصلحة العامة
ولحماية المجتمع دعا المفتي عسيران إلى تغليب المصلحة العامة على الخاصة بالقول: "لقد جاء الإسلام بالمنهج الوسيط القائم على جلب المصالح، ودرء المفاسد، دعا إلى البناء والتنمية، والأخذ بكل أسباب التقدّم والتطوّر في جمع بين الأصالة والمعاصرة، ونهى عن كل مسالك الفساد والإفساد، وجعل مصالح الأمة العليا فوق كل اعتبار، ورتب الوعيد الشديد في الدنيا والآخرة، على مَنْ تجاوز تلك المصالح أو عبث بأمن الأمة واستقرارها ومقدراتها ومكتسابتها ونهى عن التعدّي، وأرسى قيمة العدل في كل نظمه وتشريعاته، وما ذاك إلا لأهميته وجميل غايته، ففي العدل قوام البشرية وصلاحها وسعادتها وبه تستقر أحوال الناس. إنّ على عاتق المجتمع مسؤولية عظيمة".
وأكد نبذ الإرهاب بالقول: "إنّ من عظيم ما ابتُلِيَ به العالم في عصرنا هذا صور من الإفساد في الأرض متمثّلة في آفة الإرهاب، الذي عمَّ شرّه أمماً شتى ومذاهب متعدّدة لا يمكن أنْ ينسب إلى أمة أو دين أو ثقافة أو وطن أو تلصق تهمة الإرهاب بالإسلام".
وعن دور رجال الدين في حفظ المجتمع رأى أنّه "علينا أنْ نتسلّح بسلاح العلم والمعرفة، والرجوع إلى علماء الأمة من كل الأديان والمذاهب، من أجل الحوار، وتحريم هذه الأعمال الخبيثة والأفعال المنكرة، وعلى العالم أنْ يُظهِر محاسن علمه ليقف في وجه الذين أغوتهم الشياطين، وتنكّلوا الصراط المستقيم، فصرفهم عن منهج الاعتدال، فعلى علماء الأديان وحملة الرسالة الوقوف صفاً واحداً، متحاورين معتصمين بحبل الله، غير متفرّقين، داعين إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك". 
وحول دور الدعاة، دعاهم المفتي عسيران إلى أنْ "يكونوا قدوة حسنة وأرفقوا بالمدعويين ولتكن الحكمة والحوار بالحسنى وسيلتكم والعلم سلاحكم وتبصير الناس بالحق ونفعهم هدفكم وغايتكم، احذروا الحربيات والتصنيفات والفرقة والإنقسامات "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم". 

المصدر :اللواء