![]() |
الجمعة 25 كانون الثاني 2019 14:19 م |
الذبحة القلبية عند الشباب: خطر كبير ومؤسف يهدد شباب لبنان |
* جنوبيات 1- مقدمة: لقد كثر الكلام أخيرا في لبنان عن الأصابات المبكرة بأمراض القلب والشرايين التي لايكاد يمر يدم دون أن نسمع أنها أصابت شابا أو صديقا هناك ، بشكل مفاجئ دون سابق انذار وأدت الى وفاته وهو في مقتبل العمر دون أن نعرف أسباب هذه الأمراض ولماذا هي في أزدياد مستمر في بلادنا ؟
في الواقع لاتمثل الذبحة القلبية عند الشباب أكثر من 3 الى 5% من مجموع الذبحات القلبية الافتتاحية عند مجمل المرضى الذين يصابون بهذه الأمراض ، لكن هذه المشكلة الطبية خطيرة جدا بسبب كون المصابين بها من الشباب العاملين والناشطين في مجتمعاتهم وبسبب الأثار الأجتماعية والعاطفية والأنسانية التي تتركها . و في حوالي %80 من حالات الذبحة القلبية عند الشباب غير مرضى تصلب شرياني نموذجي أو نمطي كالذي نراه عند المتقدمين في السن لكن من أهم خصائص هذا المرض مقارنة مع المتقدمين في السن هو أنه غالباً ما يصيب شريان واحد فقط من شرايين القلب الرئيسية الثلاثة( Single vessel disease) مقارنة مع المتقدمين في السن حيث يصيب المرضى في غالب الأحيان شريانين أو ثلاثة من الشرايين التاجية للقلب. في المقابل هناك حوالي %20 من حالات الذبحات القلبية عند الشباب التي لايوجد فيها أي أثر مهم لمرضى تصلب الشرايين وهي قد تكون في هذه الحالات ناتجة عن إستعمال المخدرات مثل مادة الكوكاين أو عند وجود تشوة خلقي في الشرايين التاجية للقلب وهو ما قد يترجم في أحيان كثيرة بذبحة قلبية مفاجئة تصيب هذا الشاب خلال أحد التمارين الرياضية أو خلال بعض المبارات الرياضية وتتسبب عنده بموت مفاجئ أو بتوقف مفاجئ في عمل القلب ناتج عن إنسداد مفاجئ أو ضغط مفاجئ على أحد الشرايين التاجية للقلب عند القيام بجهد كبير. أخيراً أن تعدد الإصابات الشريانية عند الشباب يظهر مرتبط أكثر بعدد عوامل الخطورة لديهم وخاصة في حال إصابتهم بمرض السكري.
2- عوامل خطورة هذا المرض: أما في %20 من الحالات الغير ناجمة عن مرض تصلب الشرايين فيجب دائماً البحث عن إستعمال مادة الكوكايين لأن هذه المادة تمنع إعادة قبط أو إمتصاص مادة الـ (Norepinephrine)في الخلايا العصبية وهذا ما يتسبب بزيادة كميات هذه المادة في الخلايا العضلية التي تصل إليها هذه الأعصاب وبالتالي هذا ما يتسبب في إرتفاع الضغط الشرياني وإزدياد ضربات القلب وزيادة حاجات القلب من الأوكسجين والأغذية الأخرى. وما يتسبب أيضاً في تشنج أو إنقباض الشرايين التاجية للقلب وإلى هبوط كميات الأوكسجين التي توصلها هذه الشرايين إلى عضلة القلب. وعبر هاتين الطريقتين فإن تناول كميات كبيرة من الكوكايين وزيادة هذه المادة بشكل حاد في الدم قد يؤدي إلى نقص في تروية عضلة القلب أو إلى الإصابة بذبحات قلبية حادة أو إضطرابات خطيرة في ضربات القلب. أما التناول المزمن لهذه المادة فهو يؤدي إلى أمراض في عضلة القلب التي قد تتوسع أو قد تتضخم (Dilated or hypertrophic cardiomyopathy). وإلى تسرع أو تطور مرض تصلب الشرايين بشكل كبير وإلى حدوث حالات إلتهابات في عضلة القلب أو إلى حدوث وفاة في بعض الخلايا العضلية القلبية في أماكن متنوعة من هذه العضلة. -Bأما العوامل الأخرى المهمة التي نجدها عند الشباب فهي تتمثل في مشاكل وإختلال إستقلاب الدهنيات في الدم (Lipid abnormalities) بحيث أن هناك عدة حالات ناتجة عن خلل وظيفة بعض الجينات الموجودة في خلايا الكبد خاصة والتي يؤدي عدم عملها بشكل طبيعي إلى زيادة نسبة مستوى الدهنيات الضارة (LDL-Cholesterol) في الدم وبالتالي إلى تكون مرض تصلب شرياني مبكر نتيجة ترسب هذه الدهنيات السريع والمخيف في جدار الشرايين التاجية للقلب. ومن أهم هذه الأمراض: إرتفاع مستوى الكولستيرول العائلي متجانس الآليات (Homozygous familial hypercholesrolemia) وخلاله يرتفع مستوى الدهنيات الضارة (LDL-Cholesterol) في الدم إلي 4 اضعاف المستويات الطبيعية. وهناك نوع آخر من هذه الأمراض وهو إرتفاع الكولستيرول العائلي الغير متجانس الآليات(Heterozygous familial hypercholesterolemia) والذي يرتفع خلاله مستوى الـ (LDL Cholesterol) إلى ضعفي الرقم الطبيعي. والنوع الأول الخطير من هذا المرض يصيب حوالي شخص من كل مليون شخص من عامة الناس والنوع الثاني هو أكثر إنتشاراً ويصيب شخص من كل 500 شخص. ولكن الإصابة بهذه الأمراض قد تكون أكثر رواجاً عند بعض الفئات والقوميات مثل عند اللبنانيين المسيحيين والكنديين من أصل فرنسي والجنوب أفريقيين. وبعكس الشكل الطاغي Dominant)) هناك بعض الأشكال التقهقرية(Recessive) التي تم إكتشافها أيضاً عند بعض العائلات اللبنانية. ومنذ إكتشاف الأختلالات الجينية التي قد تصيب لاقط الـ LDL (LDL Receptor)في الجسم سنة 1986 والذي بتسبب بسبب خلل عمله بإرتفاع مستوى الـcholesterol) LDL ) الضار في الجسم إلى مستويات غالباً ما تكون متوسطة أو خطيرة في بعض الأحيان, ومع أن البدايات كانت تشير إلى أن هذه الأمراض قد تكون ناتجة عن عمل جين واحد توالت الأكتشافات فيما بعد مع إكتشاف خلل عمل جين الـ (Apolipoprotein B) سنة 1987 وخلل عمل جين الـ(Protein convertase subtilin /kexin 9 ) سنة 2003 وكذلك إكتشافات أخرى تتناقل من خلال الصبغة التقهقرية المتنحية العادية (Autosomal recessive hypercholesrtrolemia gene(ARH)) في سنة 2001. وسريراً فإن النمط الظاهر الأول من هذا المرض واضح وسهل التشخيص بسبب إرتفاع مستوى الـ) LDL Cholesterol (إلى مستويات خطيرة (4 أضعاف الطبيعي) وبسبب علامات خارجية جلدية وفي العيون واضحة منذ الطفولة وهنا غالباً ما يكون التاريخ العائلي المرضي مليئ بالمعلومات والحالات المثيلة. في المقابل فإن النمط الثاني المتوسط منه فهو ذو تشخيص أصعب وعلاماته الخارجية أقل بروزاً وقد لا تظهر أبداً أو تظهر فقط خلال مرحلة البلوغ. وهنا يختلف مستوى الـ) (LDL Cholesterol بين الرقم القريب من المستوى الأعلى من الرقم الطبيعي إلى مستويات تصل إلى ضعفي الرقم الطبيعي. وقد يكون العامل الوراثي أو العائلي غير واضح في هذه الحالة بسبب العلاج المبكر الذي قد يؤمن الحماية من الإختلاطات الجانبية وخاصة من مرض تصلب الشرايين. وأخيراً نشير إلى أن هذه الأمراض الخطيرة قد يتم تشخيصها سريراً عبر إرتفاع مستوى الدهنيات بشكل متوسط أو خطير أو متناقض في بعض الأحيان, إرتفاع مستوى الـ (LDL Cholesterol) إلى مستويات قد تصل إلى 4 أضعاف الرقم الطبيعي من دون علامات خارجية جلدية لإرتفاع الدهنيات ومن دون إرتفاع خطير بنسبة الوفيات من أمراض القلب والشرايين أو على العكس مستوى دهنيات عادي أو قليل الإرتفاع مع علامات جلدية خارجية للمرض وزيادة في الإصابات القلبية والشريانية.
2- هبوط مستوى بعض العوامل التي تذيب الجلطات في الدم مثل (Plasminogen activator inhibitor-1: PAI-1))) والذي يزيد أيضاً من خطر الإصابات القلبية. 3- هبوط بعض البروتينات الطبيعية الموجودة في الجسم والتي تلعب دور مضاد للتجلط مثل(Protein C) والProtein S) ) او مادة ال ( Anti thrombin III) والتي غالباً ما يصاحبهما إرتفاع في نسبة الإصابات بالجلطات والسدادات الوريدية. 4- إرتفاع مستوى مادة الـHomocystein)) في الجسم والتي غالباً ماتزيد من الإصابات الشريانية عن طريق التسبب بخلل في عمل البطانة الداخلية للشرايين (Endothelial dysfunction) وفي تكاثر الخلايا العضلية الملساء التي توجد في جدار الشرايين. 5- بعض الإختلاطات المكتسبة أو الوراثية في عمل صفائح الدم هي أيضاً قد تتسبب بزيادة النوبات القلبية المبكرة في بعض الحالات. أخيراً نشير إلى دور إستعمال حبوب منع الحمل عند النساء التي ظهر أنها تزيد من خطر الإصابات القلبية في سن مبكر خاصة إدا كانت النساء من الدخنات اللواتي يدخن عدد كبير من السجائر يومياً. 6- متلازمة ال (Anti phospholipid syndrome) : وهو مرض ينتج من خلل في جهاز المناعة في الجسم ويتسبب بزيادة إكتسابية بتجلط الدم ويتخلله زيادة في عدد الجلطات الوريدية والشريانية وفي بعض الشرايين الصغيرة وبإختلاطات كثيرة أثناء الحمل من أهمها فقدان الجنين أو الولادات المبكرة وغيرها من الإختلاطات. ويتميز بزيادة بعض العوامل البيولوجية في الدم (Anti phospholipid antibodies, Anti cardiolipin, Lupus anti coagulant…) وغيرها. وتعتبر الذبحات القلبية المبكرةمن احطر اعراضه.
D- بعض المشاكل الخلقية في شرايين القلب (Coronary abnormailities) :وهي مسؤولة عن حوالي %4 من الذبحات القلبية عند الشباب ومن أهم هذه التشوهات وجود جسر عضلي كبير وعميق في داخل العضلة لأحد شرايين القلب التاجية الكبيرة muscle bridge) ( Intra myocardial ولادة أحد الشرايين التاجية من غير مكانة الطبيعي(Abnormal coronary origin)، إنسداد على فم أحد الشرايين. وجميعها عوامل قد تتسبب بالموت المفاجئ للمريض. وهنا نشير أيضاً إلى بعض العوامل الأخرى التي قد تصيب الشباب مثل الأسلاخ التلقائي لأحد شرايين القلب(Spontaneous coronary artery dissection أو الأمراض التي قد تسبب بحدوث إلتهابات خطيرة في هذه الشرايين (Vascularitis) وإلى الجيوب التي قد تصيب هذه الشرايين مثل ما يحدث مع مرض (Kawasaki) ومرض ( Behcet ) وإلى الصدمات الصدرية الطبيعية التي قد تؤدي إلى حصول تمزق أو إنسداد في أحد الشرايين التاجية للقلب (Blunt chest trauma) وإلى بعض العلاجات بالأشعة (Mediastinal radiotherapy) التي تستعمل لعلاج بعض أنواع الأورام اللمفاوية وغيرها. وأخيراً إلى بعض مشاكل الصمامات وخاصة تلك الناتجة عن الحمى الرثوية والأنسدادات التي قد تنتج عن مرض إلتهابات هذه الصمامات في بعض الحالات.
3- طريقة ظهور وأعراض المرض عند الشباب:
4- المشكلات التشخيصية : أما طريقة التشخيص بحد ذاتها فهي كما عند الكبار تمر بإجراء تخطيط القلب وفحوصات خمائر القلب في الدم. ويجب مراقبة تخطيط القلب في كل المرات التي نشك فيها بتناول كوكاين لأن علامات الذبحة قد تتحسن كثيراً مع إعطاء الأدوية الموسعة للشرايين.(Vasodilators) 5- مستقبل هؤلاء المرضى(Prognosis) : تفيد معظم الدراسات أن مستقبل المرضى الشباب الذين تعرضوا لذبحات قلبية هو أفضل بكثير من مستقبل المتقدمين بالسن وذلك لأسباب متعددة من أهمها إصابتهم بنسب أقل من الأختلاطات الجانبية الخطيرة مثل الجلطات الدماغية والصدمات القلبية الخطيرة (Cardiogenic shock) وكذلك قصور عضلة القلب وهذا ما يشرح هذا المستقبل الذي يعتبر أفضل عندهم.كلذلك و بسبب صغر سنهم فهم غالبا م يكونوا مصابين بمشاكل صحية اخرى ( مثل إرتفاع الضغط الشرياني او مرض السكري او القصور الرنوي او الكلوي ...) والتي قد تفاقم من تدهور حالتهم اوتعقد العلاج وكذلك فهم قادرون ايضا من الإستفادة من كل وساءل إعادة التأهيل التي تساعد كثيرا في إعادة تحسين قوة عضلة القلب وفتح روافد شريانية جديدة.
6- نوع الأصابات الشريانية : بشكل مختصر, يجب فتح الشريان المسبب للذبحة القلبية في أسرع وقت ممكن اما عن طريق اعطاء الأدوية المناسبة ( Thrombolytics ) وهي أدوية فعالة جدا وتعمل على تذويب الجلطة الموجودة داخل الشريان واما عن طريق العلاج الذي يهدف الى التعرف على الشريان المسدود وفتحة بواسطة تقنيات التمييت والبالون والرسور وهذا ما يمثل العلاج الأمثل خاصة اذا كان المريض مصابا بذبحة قلبية خطيرة واذا ماكان موجودا في مكان قريب من المراكز المجهزة لأجراء مثل هذه العمليات .
أما من ناحية الوقاية و كما أشرنا سابقاً فإن الذبحات القلبية عند الشباب مستقبلها مشجع إذا ما تم علاجها بشكل مناسب ومبكر ويجب في كل الأحوال معالجة العامل المسبب أو عوامل الخطورة المتعددة التي كانت وراء حدوث الحالة وإضافة إلى مضادات التخثر مثل الأسبيرين و ال Clopidogrel)) وال Ticagrelor)) وغيرها من الأدوية الجديدة قد يكون هناك محل لمضادات التجلط مثل الـ (Warfarin or Coumadin) في بعض الحالات التي قد تكون فيها الذبحة القلبية ناتجة عن زيادة في تجلط الدم (Hypercoagulable state). كذلك وكما اشرنا سابقا فإنه لا يجب إعطاء الأدوية من عائلة ال(Beta Blockers ) في بداية العلاج ويجب تأخيرها لبضعة أيام بسبب إحتمال أن تزيد من تشنج شرايين القلب عند المرضى الذين نشك بانهم يتعاطون الكوكاكين. كذلك يجب إعطاء الأدوية التي تخفض من نسبة الدهنيات في الدم (Statins,Niacin, Omega-3 fatty acids etc,,,,) خاصة إذا كان هناك إرتفاع في الشحوم الثلاثية وإنخفاض في الـ HDL cholesterol) (وكذلك من الممكن إستعمال ال (B complex vitamins) عند بعض المرضى الذين يعانون من إرتفاع الدهنيات.
أخيراً كما عند الكبار يجب إستعمال الأدوية من عائلة الAngiotensin Converting Enzyms inhibitors ACE-I)) عند كل المرضى الذين يعانون من قصور في الوظيفة الإنقباضية لعضلة القلب لما لهذه العائلة من الأدوية من فوائد كثيرة على المدى البعيد. د طلال حمود - طبيب قلب تدخّلي - هاتف 03832853
المصدر : جنوبيات |