الثلاثاء 5 شباط 2019 08:43 ص

البابا فرنسيس وشيخ الأزهر يوقِّعان على «وثيقة الأخوّة الإنسانية» وإطلاق إسميهما على كنيسة ومسجد في أبو ظبي تجسيداً للتعايش الإسلامي - المسيحي


* أبو ظبي - هيثم زعيتر:

تُوّجت زيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، بالتوقيع على «وثيقة الأخوّة الإنسانية» و»إعلان أبو ظبي»، وإطلاق جائزة «الأخوّة الإنسانية»، التي أعلن عن نيلهما إياها لهذا العام، وتشييد كنيسة تحمّل إسم البابا فرنسيس ومسجد يحمل إسم الإمام الطيب.
وقد جرى ذلك خلال حفل حاشد، أُقيم في صرح المؤسِّس الشيخ زايد في أبو ظبي، تقدّم حضوره نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوّات المسلّحة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وحشد غفير من الشخصيات والفاعليات.
وتُعتبر الزيارة التاريخية البابا فرنسيس إلى دولة الإمارات، الأولى لبابا الفاتيكان إلى الخليج العربي، وأيضاً تتزامن فيها زيارته إلى أي بلد في العالم مع زيارة أخرى لشخصية دينية بمستوى الإمام الطيب، حيث يمثّلان أكبر ديانتين في العالم الإسلام والمسيحية، إذ اختار الرمزان الدينيان الكبيران أرض الإمارات لعقد «لقاء الأخوّة الإنسانية» بينهما، والتباحث في سبل تعزيز التعايش بين الأديان والعقائد المختلفة.
وتحدّث الشيخ محمد بن راشد قائلاً: «نتشرّف في دولة الإمارات بمنح الجائزة في دورتها الأولى لقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف لجهودهما المباركة في نشر السلام في العالم».
وقال عبر الحساب الرسمي للمكتب الإعلامي لحكومة دبي على «تويتر»: «بإسم صاحب السمو رئيس الدولة أرحّب بضيفي الإمارات الكبيرين قداسة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الإمام الأكبر أحمد الطيب في لقاء الأخوة الإنسانية الذي يعكس أهمية رعاية التعدّدية والحوار بين أتباع الأديان في كافة المجالات».
وأضاف: «نحتفي معاً بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التي نسعد أنْ تكون الإمارات حاضنة لها».
ويحمل فوز الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بهذه الجائزة في دورتها الأولى مع قداسة البابا، دلالات خاصة، ويُسجّل التاريخ لفضيلته مواقف عديدة بدفاعه الثابت عن الوسطية والاعتدال وعالمية القيم، ورفضه المطلق للغلو والتشدّد، وهو الحريص دوماً في رسائله ومحاضراته وخطبه وحواراته وجولاته حول العالم على تأكيد الرسالة المشتركة للأديان، التي تدعو إلى سعة التعايش بعيداً عن الكراهية ونبذ الآخر، والتعارف بديلاً عن مصارع الانغلاق، وحسن الجوار واحترام الحقوق وقبول الاختلاف نقيضاً للتباغض والإقصاء.
ويأتي قبول قداسة البابا فرنسيس لجائزة «الأخوّة الإنسانية من دار زايد» ترجمة لأهمية هذه الجائزة والدور المحوري المأمول منها، في نشر مبادئ التعايش السلمي، إذ سبق ترشيح قداسته لعدّة جوائز عالمية مرموقة، لكنه اعتذر عن قبولها.
وقد ألقى شيخ الأزهر كلمة اعتبر فيها، أنّ «وثيقة الأخوّة الإنسانية نداءٌ لضمير الإنسان الحي لنبذ العنف البغيض واحتقار التطرّف الأعمى».
ورأى أنّ «أزمة العالم هذه الأيام تتمثّل في غياب الضمير الإنساني، والدين بريء من التنظيمات الإرهابية»، مشيراً إلى أنّ «المسيحية احتضنت الإسلام عندما كان ديناً وليداً».
وأكد أنّ «المسيحيين جزء من دول الشرق الأوسط وليسوا أقليات»، داعياً «المسلمين في الشرق الأوسط إلى حماية الطوائف المسيحية».
وقال: «سأعمل مع البابا فرنسيس من أجل حماية المجتمعات».
بدوره، قال البابا فرنسيس: «جئنا من أجل الرغبة في السلام وتعزيز السلام، وبأنْ نكون أدوات السلام».
وأعرب عن تقديره لـ»إلتزام الإمارات في منح حرية العبادة، وضمانها في مواجهة التطرّف والكراهية».
وقال: «لا يمكن لأي شخص أنْ يبرّر العنف بإسم الدين، وأعرب عن تقديري لإلتزام الإمارات بمنح حرية العبادة وضمانها في مواجهة التطرّف».
وتابع: «إنّ استعمال إسم الله لتبرير الكراهية والبطش ضد الأخ، إنّما هو تدنيس خطير لإسمه»، مضيفاً: «لا وجود لعنف يمكن تبريره دينياً».
ثم وقّع البابا وشيخ الأزهر على «وثيقة الأخوّة الإنسانية»، بنسخ ثلاث، لتُحفظ واحدة في الفاتيكان وأخرى في الأزهر والثالثة في أبو ظبي.
وشدّدت الوثيقة على «القناعةُ الراسخةُ بأنَّ التعاليمَ الصحيحةَ للأديانِ تَدعُو إلى التمسُّك بقِيَمِ السلام وإعلاءِ قِيَمِ التعارُّفِ المُتبادَلِ والأُخُوَّةِ الإنسانيَّةِ والعَيْشِ المشترَكِ».. إضافة إلى أنَّ «الحريَّةَ حَقٌّ لكُلِّ إنسانٍ، اعتقادًا وفكرًا وتعبيرًا ومُمارَسةً»، ناهيك عن أنَّ «العدلَ القائمَ على الرحمةِ هو السبيلُ الواجبُ اتِّباعُه للوُصولِ إلى حياةٍ كريمةٍ».
وإذ أكدت أنَّ «الحوارَ والتفاهُمَ ونشرَ ثقافةِ التسامُحِ وقَبُولِ الآخَرِ والتعايُشِ بين الناسِ، من شأنِه أن يُسهِمَ في احتواءِ كثيرٍ من المشكلاتِ الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة التي تُحاصِرُ جُزءًا كبيرًا من البَشَرِ، شدّدت على أنّ الإرهابَ البَغِيضَ الذي يُهدِّدُ أمنَ الناسِ، سَواءٌ في الشَّرْقِ أو الغَرْبِ، وفي الشَّمالِ والجَنوبِ، ويُلاحِقُهم بالفَزَعِ والرُّعْبِ وتَرَقُّبِ الأَسْوَأِ، ليس نِتاجًا للدِّين - حتى وإنْ رَفَعَ الإرهابيُّون لافتاتِه ولَبِسُوا شاراتِه - بل هو نتيجةٌ لتَراكُمات الفُهُومِ الخاطئةِ لنُصُوصِ الأديانِ وسِياساتِ الجُوعِ والفَقْرِ والظُّلْمِ والبَطْشِ والتَّعالِي؛ لذا يجبُ وَقْفُ دَعْمِ الحَرَكاتِ الإرهابيَّةِ بالمالِ أو بالسلاحِ أو التخطيطِ أو التبريرِ، أو بتوفيرِ الغِطاءِ الإعلاميِّ لها، واعتبارُ ذلك من الجَرائِمِ الدوليَّةِ التي تُهدِّدُ الأَمْنَ والسِّلْمَ العالميَّين، ويجب إدانةُ ذلك التَّطرُّفِ بكُلِّ أشكالِه وصُوَرِه».
بعدها، أُعلِنَ عن إطلاق تشييد بناء مسجد يحمل إسم الإمام الطيب، وكنيسة تحمل إسم البابا فرنسيس في أبو ظبي، حيث قام بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر والشيخ محمد بن راشد والشيخ محمد بن زايد بالتوقيع على الحجر الأساس.
وتزامن عقد مؤتمر «الأخوّة الإنسانية»، الذي نظّمه «مجلس حكماء المسلمين»، على مدار يومين متتالين وسط حضور 700 شخصية فكرية وقيادة دينية من الإمارات والخليج والعالمين العربي والعالمي.
وتخلّله تنظيم سلسلة من جلسات النقاش وورش العمل، التي جمعت مختلف الأديان السماوية، وناقشت أهمية نجاح المشروعات الداعمة لفضيلة الأخوّة الإنسانية بالوضع القائم في المنطقة، ضمن مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وكيفية إيقاظ الضمير الإنساني تجاه الأفكار النبيلة، كالإخاء والتعاون والتسامح، وإمكانية الاعتماد على الأخلاق الدينية والعودة إلى أصول الديانات السماوية كمرتكز لإرساء ثقافة التآخي في مختلف المجتمعات الإنسانية.
وكان الإمام الأكبر الطيب، قد التقى أمس عدداً من كبار المشاركين في المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية، الذي انطلقت فعالياته أمس الأوّل الأحد، في قصر الإمارات، في أبو ظبي، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوّات المسلّحة، وينظّمه «مجلس حكماء المسلمين».

المصدر : جنوبيات