الجمعة 22 شباط 2019 20:39 م |
الناس تتقيأ في منازلها.. ماذا يحصل في بعض المدن المتنية؟ |
* جنوبيات لم يعد يريد سكان البوشرية والجديدة وبرج حمود والضواحي أن يتنفسّوا!، إلى هذا الحدّ وصل بهم المطاف بسبب الروائح الكريهة جداً المنبعثة في الأجواء بشكل يوميّ، والمصدر طبعاً: مكبّ برج حمود. إنه لبنان حيث بات الموت اختناقاً، قدراً أو حكماً مبرماً. اليوم تحديداً، تنتشر روائح ليس بالمقدور تحملّها. الصرخات التي وردت إلى "لبنان24" تكاد تكون مقصّرة في توصيف الحال وتعريف المعاناة بشكل دقيق، "فالحكي مش مثل الشوفة، أو بالأحرى الشمّ". "الناس تتقيأ في منازلها"، ثمة من يقول، وبعض أصحاب المتاجر أقفل أبوابه هرباً من هذا الجحيم. وفيما يهيمن الغثيان العام، تشتعل القلوب غضباً ونقمة سيّما وأن ما أدلى به وزير البيئة الجديد فادي جريصاتي في زيارته الأخيرة لـ "مطمر برج حمود" لم يكن سهل الهضم بالنسبة إلى أفراد يتنشقون كل دقيقة النتانة، بل يتخبطون في أسرّتهم قلقين من أمراض آتية وموت مؤجل. فبالله، كيف تكون الروائح المنبعثة من النفايات غير مؤذية؟!. منذ فترة قصيرة، وتعليقاً على الشكاوى عن تزايد الروائح المنبعثة في المحلّة، أصدر مجلس الإنماء والإعمار بياناً توضيحياً حول أسباب انبعاثها فأشار إلى أنّه وبسبب "الطقس العاصف والممطر، تعذّر على المتعهد اتخاذ الإجراءات اللازمة لجهة تغطية النفايات بالأتربة اللازمة، وصعوبة عمل الآليات في الموقع نظرا لطبيعته الموحلة جدا خلال فترة العواصف".
وهذه النفايات المقصودة هي تلك التي تمّ تكديسها فيما يشبه "الباركينغ" وذلك عقب إقفال مطمر الناعمة والاعتصامات الاعتراضية التي سجلّت في تلك الفترة. اليوم، وبحسب مجلس الإنماء والإعمار، يتمّ نقل هذه "النفايات إلى خلايا الطمر الصحيّ بعد رشها بمواد للتخفيف من الانبعاثات والروائح الكريهة"، وقد "بدأت عملية النقل هذه خلال شهر تشرين الأول 2018...ومن المتوقع إنجازها قبل نهاية شهر شباط 2019".
لكن بالنسبة إلى النائب الكتائبي الياس حنكش، فإن المشكلة الأساسية لا تكمن في تفشّي الروائح بسبب عمليات النقل وبعض الإجراءات أو لأسباب أخرى، بل المشكلة الأساسية هي أصلاً في المطمر بحدّ ذاته.
ماذا في الحلول؟ يدرك حنكش أنّ مشكلة النفايات هي أزمة عالمية، لكن "هناك حلول يمكن اتخاذها وليست بحاجة إلى عصا سحرية، لكن للأسف يتمّ تخييرنا دائماً بين السيء والأسوأ، والأنكى أنّ المعنيين لا يتحركون إلا حين انفجار المشكلة، ما يدلّ صراحة على غياب الاستراتيجية الشاملة لإدارة هذا القطاع". وبالعودة إلى موضوع تأثيرات الروائح الكريهة على الصحة العامة، سيّما وأن وزير البيئة اعتبرها "غير مؤذية"، فقد أوضح الاختصاصي في الأمراض الجرثومية جاك مخباط في حديث لـ "لبنان24" أنّ "الروائح بحدّ ذاتها لا تسبب أمراضاً جرثومية والتي تحضر في حال تناول أطعمة أو شرب مياه ملوّثة جرثومياً، أو في حال التماس المباشر بالنفايات"، غير أنه لم يستبعد أن يؤدي تفكك المواد الكيمائية إلى الإصابة بأمراض مسمّة، مثل السرطان على سبيل المثال.
بدوره، أشار الاختصاصي في الأمراض الصدرية نبيل خوري لـ "لبنان 24" أنّ "الروائح، سواء كانت عطرة أو كريهة، تضرّ حكماً مرضى الربو والانسداد الرئوي". واعتبر د. قديح إن التعرض لانبعاثات قوية تثقل حاسة الشمّ عند البشر بروائحها الكريهة والقوية، لا يمكن القول، في أي حال من الأحوال، أنها آمنة صحيا وغير ضارة"، موضحاً في الوقت عينه أنّ "بعض الغازات والانبعاثات قد تكون أيضاً بلا رائحة لكنها في الوقت عينه مضرّة بالصحة". وذكّر د. قديح بأننا "لا نتحدث هنا عن الأمراض الجرثومية بل عن التأثير السميّ الناتج من المواد الكيماوية والغازات والأبخرة والجزئيات...التي تتكوّن من خلطة النفايات غير المفروزة العجيبة، وهذه حال مكب برج حمود".
ورأى أن القول بأنها غير مؤذية هو "حديث تافه، أو ينمّ عن عدم معرفة حقيقية وعلمية بما يحصل، أو إن هدفه عدم إثارة ذعر المواطنين أو تهدئتهم كي لا يعترضوا على الخيارات الخاطئة".
إذاً، وأمام هذه المعطيات والوقائع والثوابت العلمية، وفي حضرة وجع الناس والحياة السوداء التي يعيشونها يومياً وكأنهم يقومون بالأشغال الشاقة في سجن كبير قبل أن ينتقلوا إلى حبل المشنقة، يبدو من الضروري وقف العمل بالمكبّ وإيجاد حلول بديلة مستدامة، وغير مؤذية. المصدر :لبنان 24 |