السبت 23 شباط 2019 18:29 م

أكثر من 34 ألف لبناني هاجروا في 2018.. والحبل عالجرّار


* جنوبيات

وصل عدد اللبنانيين الذين هاجروا البلد، ولم يعودوا إليه، خلال الفترة 1992-2018، إلى 601.227 شخصاً، أي بمتوسط مقداره 22 ألفا و207 أشخاصا، حيث أشارت الأرقام إلى مغادرة 34 ألفا و502 شخص، بدون أي عودة إلى الوطن، فيما كانت حصيلة عام 2017، مغادرة 18 ألفاً و863 لبنانياً، فيما عام 2016، كان العدد 11 ألفا و650 شخصاً.

هذا الإرتفاع الكبير في عدد اللبنانيين المهاجرين إلى الخارج، يعود إلى الأوضاع الإقتصادية والمالية والاجتماعية الصعبة، التي تمر على لبنان، وبحسب الخبراء فإن هذه الأرقام، خطيرة جداً لأن أكثرية المغادرين، هم من الفئات الشبابية، والبعض غادر وطنه لمتابعة دراساته الجامعية، وبلغ العدد 8 آلاف طالب.

جمعة

لقراءة هذا الواقع المأزوم، التقت «اللـواء» المدير العام السابق لوزارة المغتربين هيثم جمعة، فكان الآتي:

{ كيف تنظرون إلى هجرة آلاف اللبنانيين العام الماضي، دون توقّع عودتهم إلى الوطن مرة أخرى؟

- الهجرة في لبنان، نحو بلاد الإغتراب والانتشار، في مختلف أصقاع المعمورة، ليست أمراً جديداً، بل نرى الهجرة مستمرة من هذا البلد، وهذا فعل لبناني، ولكن يجب أنْ نسأل أنفسنا كلبنانيين، ماذا نريد؟ هل نريد وقف الهجرة بشكل نهائي، وهل نريد أن نفتح موضوع الهجرة على مصراعيه، أو درس موضوع الهجرة، لجهة ارتباطه بحراك الموارد البشرية، لناحية وضع خطة في لبنان، لتوجيه الموارد البشرية، نحو الداخل والخارج، تكون واضحة المعالم، على مستوى الدولة، ونسأل أيضاً ماذا تحتاج الدولة من الموارد البشرية اللبنانية؟ وأقصد بذلك الشباب والصبايا وكل من يستطيع العمل. كما نسأل هل تتدخل الدولة، بتوجيه الموارد البشرية، (أي الناس)، إلى العلوم المهنية والأكاديمية، وماذا يحتاج لبنان، على الصعيدين الأكاديمي والمهني، وحاجات السوق لليد العاملة في لبنان ومحيطه، خصوصاً في دول الخليج العربي، وهل من اتفاقيات ثنائية، مع مختلف دول العالم، لناحية معرفة حاجات هذه الدول، للطاقات اللبنانية الشابة؟

باختصار، إن السؤال الذي نطرحه، هل بدأنا فعلاً بمعالجة هجرة الشباب اللبناني بطريقة واقعية وحقيقية، وهل تلحظ الخطة الاقتصادية للدولة، الأخذ بعين الاعتبار، لما هو مطلوب لتحقيق أو تخفيض نسبة البطالة، واستيعاب المتخرجين أو طالبي العمل، وما هي الوسائل الإنتاجية التي تعمل الدولة، على تهيئتها لإستيعاب هذا الكمّ الهائل من الخريجين، بكل القطاعات التربوية، سواء من المدارس الأكاديمية والمهنيات والجامعات».

الأمور مفتوحة

{ ماذا بالنسبة إلى هجرة 600 ألف لبناني إلى الخارج، دون عودتهم خلال الـ 27 سنة الماضية؟

- إنّ الأرقام التي طُرِحَتْ في هذا السؤال، سواء اعتبرها البعض مبالغاً فيه، أو أقرب إلى الواقعية، أقول بأنّ الفترة الممتدة من العام 1993 إلى 2004، كانت الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، في أحسن حالاتها، في المقابل فإنّ النزف البشري في المجتمع اللبناني، يبقى مفتوحاً على مصراعيه، كلما طال أمد الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية في لبنان، ما يعني رؤية أفواج من الشباب اللبناني، يهاجر إلى الخارج، ولا يعود إلى وطنه، بالرغم من القيود المفروضة على مستوى دول العالم، بالنسبة إلى السفر والهجرة، إلى هذه الدولة أو تلك، فإن اللبناني يبقى يجد مكاناً للهجرة إلى مختلف دول القارات الخمس، لكن كانت الأمور مفتوحة ومتاحة، بشكل أوسع وأكبر، لناحية فتح أبواب الهجرة إلى الخارج، بعيداً عن القيود والشروط الصعبة، لكنت ترى الأعداد الكبيرة من الشباب اللبناني، يترك هذا البلد، دون العودة إليه. لذلك، المطلوب وضع خطة اقتصادية حقيقية، تلحظ وجود الأخوة السوريين في هذا البلد، الذين تركوا وطنهم ونزحوا عنه، بفعل الأحداث الأمنية التي حصلت فيه».

نستبشر خيراً

{ إلى أين يسير واقع البلد، بفعل هجرة الطاقات الشابة إلى الخارج، التي صنّفت طائفياً ومناطقياً؟

- إنّ الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، كانت سيئة وغير جيدة على الإطلاق، بفعل توقّف العجلة الاقتصادية، في مختلف قطاعات الإنتاج (السياحة، الصناعة، التجارة)، وكانت الدولة غير قادرة على تحريك العجلة الاقتصادية، فالكثير من المؤسّسات والشركات، تعثّرت أوضاعها بشكل سيىء، وأقفلت في العام الماضي، إلا أننا نستبشر خيراً بتحريك الأوضاع الإقتصادية، بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ونيلها ثقة المجلس النيابي.

إنّ الأوضاع الاقتصادية وتحريك العجلة فيها، أشبه بالدائرة أو الدولاب، فكلها متعلّقة ببعضها البعض، وبعد تشكيل الحكومة الحالية، باتت الحاجة ملحّة جداً، لوضع خطة اقتصادية واعدة، لا يمكن لها أنْ تحل كل المشاكل والملفات الشائكة، بسحر ساحر من الفانوس، فالمهم وضع السكة في قطار الحلول للبلد كله، لأنّ الأوضاع والتطوّرات في المنطقة العربية، إلى التحسّن وليس إلى الأسوأ، رغم التعقيدات السياسية والأمنية، الحاصلة في واقعها، وأفضل الحلول أنْ ينطلق اللبنانيين، رافعين شعار العمل يداً بيد، فيرعى وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش الملف الإقتصادي والتجاري، بعناية واهتمام كلي، وتتولّى الحكومة الحالية ملف هجرة الشباب إلى الخارج، واستنزاف الطاقات اللبنانية، بعيداً عن أي ضجيج سياسي، حول أوضاع المغتربين في بلاد الإنتشار، كما حصل سابقاً.

أما في ما يخص تصنيف الهجرة، فلا يجوز تصنيف الهجرة طائفياً أو مذهبياً أو مناطقياً،هناك مهاجرين ومغتربين لبنانيين، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين».

وزني

إلتقينا أيضاً الخبير الاقتصادي د. غازي وزني، فكان الآتي:

{ كيف تنظرون إلى ازدياد عدد هجرة الشباب اللبناني إلى الخارج؟

- إنّ نظام الاقتصاد اللبناني الحالي، ليست لديه القدرة على خلق فرص العمل، ما يؤدي إلى تصدير الطاقات الشبابية إلى الخارج، والهجرة اللبنانية قديمة العهد وليست جديدة. في السابق كانت إمكانات الاغتراب والهجرة إلى الدول العربية عموماً، والخليجية والإفريقية خصوصاً، متاحة جداً بشكل أكبر وأوسع، أمام الشباب اللبناني الذين شاركوا في النهضة الاقتصادية والعمرانية لهذه الدول، فيما بات العمل في هذه الدول، صعبا جداً وبعيد المنال، ومقيّداً بشروط قوانين العمل، في هذه المرحلة الراهنة.

لذلك نجد في السنوات الأخيرة، ازدياداً في نسبة البطالة في لبنان، التي تتجاوز الـ 25%، من إجمالي القوى العاملة ونسبة الـ 35% لدى الشباب اللبناني، بفعل دخول 30 ألف شاب وشابة، إلى سوق العمل سنوياً، فيما قدرة الاقتصاد اللبناني الحالي، على استيعاب ما بين 6000 إلى 7000 منهم، والباقي 15000 يتجهّزون للهجرة إلى الخارج، والباقي حوالى 8000 شاب وشابة، يصنفون في خانة العاطلين عن العمل».

النمط الإقتصادي

{ ما المطلوب؟

- المطلوب إحداث تغيير جذري في النمط الاقتصادي الحالي، عبر الانتقال من اقتصاد ريعي، لا يخلق فرص عمل، بل يصدّر الطاقات الشبابية، والأسر اللبنانية إلى الخارج، إلى اقتصاد منتج وفعّال، ما يوفّر فرص عمل جديدة، ويُعيد ويسترد الطاقات الشبابية، والأدمغة اللبنانية الموجودة في الخارج. كذلك المطلوب من الحكومة الحالية، خلق مناخات استثمارية، في البنية الإقتصادية، وتحديث القوانين والتشريعات، لجذب الرساميل والأموال إلى لبنان».

{ ماذا عن مؤتمر «سيدر»؟

- إنّ مؤتمر «سيدر» يرتكز على مرحلتين: الأولى، في السنوات المقبلة، تقدّر المشاريع الاستثمارية بـ 10.8 مليارات دولار، والمرحلة الثانية تقدّر المشاريع الاستثمارية بـ 6.5 مليارات دولار، موزّعة على عدة قطاعات (الكهرباء، المياه، الصرف الصحي، الطرقات، النقل)، ولا بد لهذه المشاريع من أنْ تحرّك الاقتصاد اللبناني، وتؤمن فرص عمل جديدة لعشرات الآلاف من اللبنانيين، لكن يفترض أنْ تأخذ الحكومة الحالية، بعين الاعتبار عدّة ملاحظات أساسية، ومنها إنّ قدرة استيعاب الاقتصاد اللبناني، لأي مشاريع استثمارية جديدة، تتراوح ما بين 1 مليار و1.5 مليار دولار سنوياً، شرط أن تنفّذ، بعيداً عن المحاصصة والفساد والمحسوبيات وتوزيع المغانم، ما بين كافة الأطراف السياسية والحزبية، الموجودة في الحكومة الحالية، كما كان يحصل سابقاً، دون ذلك تصبح أموال مؤتمر «سيدر»، ديناً إضافياً على لبنان، ويفترض ألا تتحوّل الشراكة، مع القطاع الخاص، إلى خصخصة لمختلف القطاعات الخدماتية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار التقديمات العامة».

المصدر : جنوبيات